نقابة المعلمين في الأردن 70 عاما على التوجس والتهميش

مقر نقابة المعلمين في الأردن - وكالة الأنباء الأردنية بترا
(الصحافة الأردنية)

(1) تاريخ نقابة المعلمين في الأردن

بعد أن استقلت الأردن عام 1946، وتحول اسمها من إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية وُضع الدستور في مرحلة الثانية، فقام الأردن بالموافقة على تأسيس النقابات المهنية، لتتأسس نقابة المحامين عام 1950 أول نقابة أردنية، وبعد ذلك أسست نقابة المعلمين عام 1952، لتكون ثاني نقابة أردنية تُؤسس، حيث ولدت نقابة المعلمين في السنة التي ولد فيها الدستور الأردني الحالي، وبعد ذلك أسست نقابة أطباء الأسنان والأطباء والمهندسين والصيادلة وخلال 3 سنوات أُسس أكثر من 30 نقابة عمالية.

في البداية أسست 3 نقابات للمعلمين كانت تعمل في الساحة الأردنية، أول هذه النقابات نقابة المعلمين عام 1952 كان مركزها الرئيس في عمان، وكان لها 5 فروع في كل من (إربد والكرك ومعان وفي الضفة الغربية في نابلس والقدس )، كما كان هناك نقابة ثانية للمعلمين العاملين في وكالة الغوث الدولية، والتي كان مقرها القدس، وأسست عام 1954، وكان لها 10 فروع في الضفتين الشرقية والغربية، حيث كان يجمع المملكة مع الضفة الغربية وحدة الضفتين، إضافة إلى وجود نقابة للمعلمين العاملين في المدارس الكاثوليكية.

استطاع الحزب الوطني الدستوري المحسوب على التيار الناصري عام 1956 تشكيل أول حكومة برلمانية بعد أن حصل على 17 مقعدا في البرلمان الأردني، وتكوين ائتلاف حكومي من الأحزاب البعثية واليسارية برئاسة سليمان النابلسي؛ إلا أن هذا الحزب بدأ التوجه نحو الاتحاد السوفياتي، واستطاع التنسيق مع حركة الضباط الأحرار داخل الجيش الأردني من التلويح بانقلاب عسكري عبر المناورة التي أجراها على أبواب عمان، قبل أن يحصل انقسام داخل الجيش بين موالي الملك وموالي الضباط الأحرار، والذي أعقبه أحداث معسكرات الزرقاء في الصراع بين أقسام الجيش، فأعلن الملك الراحل حسين بن طلال الأحكام العرفية، وحل جميع الأحزاب والنقابات وإقالة الحكومة، وهروب قائد الجيش وخلفه بعد ذلك إلى سوريا .

إعلان

عادت جميع النقابات للعمل بعد ذلك بالتدريج إلا نقابة المعلمين، نظرا للظروف السياسية التي كانت سائدة، والتي كانت ترى خطورة في وجود نقابة للمعلمين على شكل الحياة السياسية في الأردن واستقراره من وجهة نظر النظام.

تم إعادة محاولة إحياء نقابة المعلمين عام 1978 من المعلمين؛ إلا أن المحاولات باءت بالفشل.

في 1993 استطاع المعلمون إحياء مطالبهم في إنشاء نقابة، وقدم مشروع قانون للنقابة من بعض النواب، ووافق عليه مجلس النواب؛ إلا أن مجلس الأعيان -مجلس الملك الغرفة الثانية للتشريع في الأردن- طلب إحالة الأمر إلى المجلس العالي لتفسير الدستور، والذي جاء قراره بعدم جواز إنشاء نقابة للمعلمين كونهم من الموظفين العموميين.

بقي حلم إنشاء النقابة يداعب مخيلة المعلمين، الذين تردت أوضاعهم المعيشية والمهنية؛ بسبب تهميش هذه الفئة الكبيرة من المجتمع، فجاء الربيع العربي برياح حركت تلك المراكب، واستطاع المعلمون أن ينتزعوا نقابة لهم بعد صراع طويل مع الحكومات المتعاقبة في الربيع العربي.

(2) الأزمة بين النقابة والحكومة

بلغ عدد المعلمين والمعلمات العاملين في جميع مدارس المملكة 135 ألف معلم ومعلمة أردنية، 65% منهم يعملون في القطاع الحكومي بما مقداره 88 ألفا، و35% منهم يعملون في القطاع الخاص بما مقداره 47 ألف معلم ومعلمة، إذ يتركز العمل في القطاع الخاص على الإناث غالبا؛ نظرا لضعف الأجور التي تمنحها المدارس الخاصة.

يبلغ دخل المعلم في القطاع الحكومي ممن وصل إلى الدرجة الخاصة، وبعد أكثر من 30 سنة خدمة ما يقارب ألف دولار أميركي، ويصل دخل المعلم في بداية الالتحاق بالمهنة إلى أقل من 500 دولار أميركي، بينما يصل دخل المعلمات العاملات في القطاع الخاص إلى 150 دولارا في بعض المدارس، وفي ذلك مخالفة لقانون العمل الأردني، الذي حدد الحد الأدنى للأجور بما يساوي 350 دولارا أميركيا تقريبا.

إعلان

عاش المعلمون والمعلمات حالة من التهميش والترهل في الجوانب الحياتية؛ إذ أصبح المعلم مجبرا على العمل في أكثر من مكان بعد انتهاء عمله في المدارس، لتأمين متطلباته المعيشية خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشية في الأردن؛ إذ أصبحت توصف عمان بالمدينة الأغلى معيشة في الدول العربية بعد دبي؛ بسبب التضخم الناتج عن ارتفاع الضرائب، إضافة إلى حزمة من الأنظمة والتعليمات، التي نالت من مهنة المعلم ومكانته وهيبته الاجتماعية، ووصلت إلى الحبس إذا ما استخدم بعض الخشونة اللفظية أو التأديبية أثناء تدريس التلاميذ.

لا شك بأن الباعث على الأزمة بين النقابة والحكومة جزء كبير منه سياسي؛ إلا أن هناك أيضا بيئة حاضنة داخل النقابة ساعدت على إغراء الحكومة في اتخاذ خطواتها التصعيدية تجاه النقابة، وضربها في مقتل.

بدأت الأزمة تتصاعد في صيف 2019 بين النقابة والحكومة وبرحيل نقيب المعلمين الحجايا بحادث سير، صعد نائب النقيب الدكتور النواصرة المحسوب على الإخوان المسلمين إلى الواجهة، وبدا المشهد أكثر توترا بين الحكومة والنقابة، وبدأ أطول إضراب في تاريخ المملكة الأردنية بمدة 30 يوما مع بداية السنة الدراسية 2019-2020 تكلل بتلبية الحكومة لمطالب المعلمين، والموافقة على علاوة مالية مثلت 50% من راتب المعلم الأساسي، وتمت الموافقة على مجموعة من المطالب، التي اصطلح على تسميتها مطالب لـ14، التي ترفع من شأن المهنة وسويتها، وتعيد للمعلم قيمته الاجتماعية والمهنية.

دخلت أزمة كورونا، فأوقفت الحكومة بعد أن فعّلت قانون الطوارئ، جميع الزيادات التي منحت لكل القطاعات الحكومية؛ إلا أن الصراع بين التيارات داخل النقابة استطاع جر مجلس النقابة ونائب النقيب إلى إعادة التصعيد مرة أخرى، فحُل مجلس النقابة بقرار من المدعي العام في نهاية شهر يوليو/تموز 2020، وعُين مجلس مؤقت لمدة عامين، ووُقف أعضاء مجلس النقابة والنشطاء في النقابة لمدة شهر، وإحالتهم للقضاء، وأحيل عشرات المعلمين النشطاء على إنهاء الخدمات، قبل أن يصلوا لسن التقاعد؛ ليتبقى من دخل بعضهم أقل من 100 دولار أميركي.

إعلان

وفي اليوم الأخير من عام 2020 أصدر قاضي محكمة الصلح قرارا بحبس أعضاء مجلس النقابة سنة؛ بناء على تجريمهم بمخالفة أحكام قانون العقوبات وأحكام قانون الجرائم الإلكترونية وقانون الانتخابات البرلمانية، وحُلت النقابة في خطوة كان الجميع يتوقعها، وخاصة بعد تسريبات المعارضة الخارجية عن خطة الحكومة في تصفية النقابة، والتي شكلت لها صداعا على مدار السنوات السابقة.

(3) بيئة حاضنة وبواعث سياسية

لا شك بأن الباعث على الأزمة بين النقابة والحكومة جزء كبير منه سياسي؛ إلا أن هناك أيضا بيئة حاضنة داخل النقابة ساعدت على إغراء الحكومة في اتخاذ خطواتها التصعيدية تجاه النقابة، وضربها في مقتل.

الصراع الصفري بين أعضاء النقابة: إذ بقيت الصراعات والمناكفات الانتخابية على أشدها بين أعضاء النقابة على مدار الدورة الانتخابية، حيث استطاع المعلمون أن يحولوا ساحة نقابتهم إلى ما يشبه الحرب المفتوحة، وكل منهم يظن أنه يستطيع إقصاء الآخر وتصفيته، إذ يفسر البعض هذه السلوكيات إلى حداثة التجربة النقابية؛ لكن استطاعت الحكومة استغلال هذا الضعف البنيوي في طريقة ممارسة العمل الديمقراطي في النقابة لقسم الصف النقابي إلى قسمين، هذه الظاهرة لم تكن موجودة في أي نقابة من النقابات المهنية الأردنية بهذا الشكل، فعادة ما تلتف جميع الهيئة العامة حول المجلس المنتخب متى وضعت الانتخابات أوزارها.

صعود نائب النقيب للواجهة -والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين الأم المنحلة بيد القضاء- حيث حولت الحكومة النقابة إلى ساحة لثنائية الصراع بين النظام والحركة الإسلامية، هذا الصراع الممتد لأكثر من 25 سنة، رغم كل الجهود التي بذلتها الحركة الإسلامية في تجنيب إقحام النقابة بهذا الصراع الممتد منذ اتفاقية وادي عربة عام 1994، وما أعقبها من قيام النظام بتحجيم الحركة وقصقصة أجنحتها بشكل متدرج، إضافة إلى إصرار الحكومة الدائم على تصوير أن جماعة الإخوان اتخذت النقابة واجهة للصراع والاستقواء على النظام، في الوقت التي تشهد فيه الساحة الأردنية توجها رسميا لإنهاء ملف الإسلام السياسي في الأردن، انسجاما مع ضغوط إقليمية محيطة، وإن كان الأردن يريد أن ينهي ملف جماعة الإخوان بيد ناعمة بعيدا عن التصعيد، الذي مارسته دول المنطقة العربية.

إعلان

نجاح نقابة المعلمين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 في إخضاع الحكومة إلى مطالبهم كان يمثل بالنسبة للنظام جرس إنذار كبير، بأن مثل هذا النجاح يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الموجات الاحتجاجية، وارتفاع وتيرة المطالب الفئوية، ويمكن أن يرفع أيضا من سقف المطالب السياسية، فأي نجاح للتحرك الشعبي من وجهة نظر تيار الأمنوقراط الممسك بمفاصل الدولة، قد يغري القوى السياسية بمزيد من الضغط، ورفع سقف المطالب الإصلاحية، وهذا بالنسبة للنظام خط أحمر لا يريد لأحد الاقتراب منه أو أن يحقق أي اختراق فيه.

الكثير يرى أن تصفية نقابة المعلمين كانت قرارا سياسيا مبيتا منذ وقت طويل، بعد أن فشلت الحكومة في السيطرة عليها، إضافة إلى أن النقابة آخر ما تبقى من آثار الربيع العربي، الذي كان يقلق النظام الأردني، فجاءت تصفية النقابة محوا لآثار تلك المرحلة، التي لا يحب أن يتذكرها الأردن الرسمي، ويريد محو كل آثارها وتركتها.

إضافة إلى كل ذلك، فإن نقابة المعلمين تتمتع بسمة مختلفة عن بقية النقابات، فهي نقابة العاملين في القطاع الحكومي، وهي تعمل مع أكثر من مليون طالب مدرسي، كما أن تحركاتها تؤثر على كل بيت أردني، وتشكل عامل ضغط سياسي كبير، وهذا ما لا تريده الحكومة والأجهزة الأردنية.

يتضح من رصد المشهد أن النظام قد حسم أمره في إنهاء الجسم النقابي الحالي لنقابة المعلمين، وأن القرار القضائي غالبا سوف يتم التصديق عليه، وأن الملف ذاهب إلى الإغلاق من وجهة نظر النظام؛ لكن من يقرر فتح الملف مرة أخرى، وإعادة تدوير تلك الزوايا الحادة، والخروج من هذه الأزمة هو المعلم الأردني، فهو الوحيد القادر على إعادة فرض مطالبه، وإعادة نقابته التي ولدت للمرة الثانية، وما دون ذلك فسيطوى الملف سنوات طويلة، قبل أن تأتي الظروف التي تسمح بفتحه مرة أخرى.

هل سوف يفعلها المعلم الأردني مرة أخرى على أبواب العقد الثاني للربيع العربي كما فعلها في 2011؟

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان