إن كافة الأحداث والمجريات التي شهدتها القضية الفلسطينية في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن استمرار الفلسطينيين في تبني حل الدولتين، يجعلهم يسيرون وحدهم في صحراء قاحلة لا نهاية لها، وقد آن الأوان لتصحيح المسار قبل أن يجدوا أنفسهم خارج الجغرافيا والتاريخ معا.
ذكرت في نهاية المقال السابق أننا سنتناول في هذا المقال (الفرص والتحديات)؛ لكنني وجدت أنه يتحتم علينا بداية، تقديم نبذة تاريخية حول هذا الحل، وتوضيح المفهوم العام له، بما يؤسس لفهم أعمق يمكن أن ينبني عليه حراك واسع قادر على تغيير المسار السياسي الراهن، الذي ينقل القضية الفلسطينية من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة.
كافة الأحداث والمجريات التي شهدتها القضية الفلسطينية في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن استمرار الفلسطينيين في تبني حل الدولتين، يجعلهم يسيرون وحدهم في صحراء قاحلة لا نهاية لها، وقد آن الأوان لتصحيح هذا المسار قبل أن يجدوا أنفسهم خارج الجغرافيا والتاريخ معا.
من اللافت جدا للنظر، أن مشروع حل الدولة الواحدة يُتناول بشكل واسع في وسائل الإعلام هذا العام، بصورة لم تحدث في الأعوام السابقة، وربما كان ذلك بسبب ارتفاع معدل الإحباط من حل الدولتين، وازدياد الاقتناع بفشله وعدم قابليته للحياة أكثر من ذلك. وفي تقديري أن هذه الظاهرة تعد مؤشرا إيجابيا لصالح دعم خيار الدولة الواحدة، وتحتاج إلى المزيد من التطوير والتنظيم.
حل الدولة الواحدة لم يكن وليد الأعوام الأخيرة، وإنما يرجع إلى ما قبل إعلان دولة الكيان الصهيوني، وفيما يأتي أبرز المحطات التي مر بها هذا الحل رسميا على المستوى الفلسطيني والعربي، ومدنيا على مستوى المؤسسات والمبادرات والفعاليات والمفكرين:
1944: الحزب الشيوعي الفلسطيني يدعو إلى دولة ديمقراطية على أرض فلسطين التاريخية للشعبين العربي واليهودي.
1947: لجنة الأمم المتحدة، التي أوصت بالتقسيم في العام 1947، قدمت تقريرا جانبيا اقترحت فيه إقامة دولة فيدرالية ثنائية القومية.
1967 (بعد نكسة يونيو/حزيران ١٩٦٧): الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين تعلنان تبني حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية.
الحديث المبكر عن تفاصيل "حل الدولة الواحدة" في المرحلة الحالية، إنما هو بمثابة إهدار للفرص، وإثارة مبكرة للمشكلات المتوقعة، ووضع للعراقيل أمام العربة، ومنعها من المضي قدما، فإن الخوض في تحديد التفاصيل مكانه المبادرات والاتفاقيات، التي تشارك فيها أطراف النزاع واللجان المختصة، بعد أن تقتنع بأنه لا مفر أمامها من السير في هذا الحل، وهذا ليس بالأمر اليسير، وسيستغرق سنوات طويلة من العمل السياسي الدؤوب الذي سيمر بعدة مراحل وصعوبات، ويحتاج إلى الكثير من التفاهمات والآليات والسياسيات والموارد، وصولا إلى المرحلة النهائية.
نشطت في العقدين السابقين العديد من المبادرات والفعاليات الفلسطينية في الداخل والخارج، التي تدعو إلى حل الدولة الواحدة؛ لكنها لم تكن تحظى بالتغطية الإعلامية الكافية، وشارك فيها فلسطينيون من الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 وقطاع غزة، وفيما يأتي أبرزها:
واكب ذلك مئات المؤتمرات والندوات وورش العمل، ومئات الدراسات والأبحاث والمقالات التي تؤيد حل الدولة الواحدة؛ لكن هذا الحراك الكبير على المستوى المدني ظل محصورا في إطاره النخبوي، ولم يتحول إلى حراك إعلامي وأكاديمي واسع، ينشط في الشارع الفلسطيني ومؤسساته المختلفة في الداخل والخارج، وذلك بسبب انشغال القيادة الفلسطينية والأحزاب الفلسطينية وفصائل المقاومة الفلسطينية بالوقائع اليومية المتردية لتعقيدات حل الدولتين ونتائجه السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على الشعب الفلسطيني، وكان من بين الدراسات المتميزة دراسة مركز كارنيغي للشرق الأوسط الصادرة في فبراير/شباط 2019 تحت عنوان "دولتان أم دولة واحدة؟ نظرة ثانية إلى المأزق الإسرائيلي الفلسطيني".
وقد انخرط في هذا الحل لفيف واسع من الشخصيات الفلسطينية والعربية واليهودية والأجنبية، من بينها: د. إدوارد سعيد، ود. عزمي بشارة، ود. محمد أبو ستة، وعواد عبد الفتاح، وغادة الكرمي، وجدعون ليفي، وعوفر نايمان، ود. عبد الوهاب المسيري، وإنجيليك إيجبي، وبالرغم من أن التوجه العام الذي يغلب على مؤيدي هذا الحل هم من أصحاب التوجه اليساري والليبرالي، إلا أن العديد من المفكرين المحسوبين على كل من حركة "فتح" وشركائها في السلطة، وحركة "حماس" وفصائل التيار الإسلامي، متصالحون مع هذا الطرح من حيث المبدأ، وإن لم يكن لهم حضور كبير في الأنشطة والفعاليات الخاصة به؛ بسبب الالتزام السياسي لحركة "فتح" مع الكيان الصهيوني في اتفاقية أوسلو، التي تتمسك بها السلطة الفلسطينية وحدها، وبسبب الإشكاليات الشرعية التأصيلية المثارة حوله وتأثيرها على أدبيات حركة "حماس" والتيار الإسلامي الفكرية والتنظيمية والتزاماتها السياسية أمام قواعدها.
اتسم الحديث عن حل الدولة الواحدة بالغموض وتعدد التصورات واختلاف منطلقاتها الفكرية والأيديولوجية، دون أن يخوض في أي تفاصيل إجرائية لتنفيذ هذا الحل على أرض الواقع، ومع ذلك فإن جميع الأطروحات التي تم تبنيها تتفق على أن المنطلق العام له "إقامة دولة موحدة على أرض فلسطين التاريخية تضم الشعبين الفلسطيني واليهودي"، والحديث عن حل الدولة الواحدة، إنما هو حديث عن مسار جديد يجب أن تنتقل إليه العملية السياسية لحل القضية الفلسطينية، بديلا عن الحال الحالي القائم على حل الدولتين، والذي فشلت كافة القرارات والاتفاقيات والتفاهمات والمبادرات في أن توفر له أسباب النجاح، رغم التأييد الكامل له من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية. فالحديث المبكر عن تفاصيل "حل الدولة الواحدة" في المرحلة الحالية، إنما هو بمثابة إهدار للفرص، وإثارة مبكرة للمشكلات المتوقعة، ووضع للعراقيل أمام العربة، ومنعها من المضي قدما، فإن الخوض في تحديد التفاصيل مكانه المبادرات والاتفاقيات، التي تشارك فيها أطراف النزاع واللجان المختصة، بعد أن تقتنع بأنه لا مفر أمامها من السير في هذا الحل، وهذا ليس بالأمر اليسير، وسيستغرق سنوات طويلة من العمل السياسي الدؤوب، الذي سيمر بعدة مراحل وصعوبات، ويحتاج إلى الكثير من التفاهمات والآليات والسياسيات والموارد، وصولا إلى المرحلة النهائية.
وبالتالي فإن الاستغراق في وضع تعريفات أو تحديد أوصاف لهذه الدولة من قبيل: ديمقراطية أو علمانية أو ثنائية القومية، وهل سيكون اسمها دولة إسرائيل، أم دولة فلسطين، أم دولة إسراطين، أم غيرها.. كل ذلك من التعريفات والتسميات، إنما هو سابق لأوانه، والمهم في هذه المرحلة هو توسيع دوائر تناول هذا الحل في كافة الاتجاهات وعلى مختلف المستويات، وبكافة الوسائل المتاحة، داخليا وخارجيا، من أجل إقناع أطراف العملية السياسية من الفلسطينيين واليهود والولايات المتحدة، بأنه يتحتم عليهم تغيير مسار الحل السياسي للقضية الفلسطينية من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة.