نظرات وعبرات | السلام المستحيل والحصاد المرّ

Palestinian President Mahmoud Abbas
(وكالة الأناضول)

لم تكن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على مدى قرن من الزمان قليلة لتستمر طيلة هذه الفترة، وتنتهي إلى هذا الوضع المزري فلسطينيا وعربيا، فقد ذاق الشعب الفلسطيني الأمرّين بسبب الوجود اليهودي في فلسطين، وما أعقبه من احتلال للأرض الفلسطينية وإقامة الكيان الصهيوني عليها، وتحمل بسببه أشد المعاناة وأحلك الظروف، حتى غدت القضية الفلسطينية أم القضايا إقليميا ودوليا.

وصار اسم (فلسطين) و(فلسطيني) معادلا للجوء والشتات والمنافي والمخيمات والاحتلال والمقاومة والمعاناة والمأساة بأبشع صورها، ومادة ثرية للشعراء والأدباء والخطباء من السياسيين وغير السياسيين. رغم ذلك ما زال الفلسطينيون يسيرون في النفق المظلم نفسه، نفق السلام المستحيل، مصرين على الوصول إلى نهايته، وهم يعلمون يقينا أنه بلا نهاية وأنهم لن يحصدوا سوى المر بعد المر.

 

100 عام من اللجوء والشتات والمنافي والمخيمات والاحتلال والمقاومة والمعاناة والمأساة بأبشع صورها، وما زال الفلسطينيون يسيرون في النفق المظلم نفسه، نفق السلام المستحيل، مصرين على الوصول إلى نهايته، وهم يعلمون يقينا أنه بلا نهاية، وأنهم لن يحصدوا سوى المر بعد المر.

الحصاد المر

إننا بحاجة إلى مراجعة سريعة لتاريخ تضحيات الشعب الفلسطيني ومعاناته، حتى يتكشّف لنا وللأجيال الجديدة، حجم الحصاد المرّ الذي حصده الشعب الفلسطيني، وحتى تستحضر القيادات والكوادر والنخب الفلسطينية من جديد؛ حجم التقصير الصادر منهم بحق شعبهم، ومدى حاجتهم إلى تصحيح المسار في كافة الاتجاهات، وبدء مرحلة جديدة يكونون فيها على قدر المسؤولية التي تفرضها عليهم المرحلة التي انتهوا إليها عربيا ودوليا.

ويمكننا تقسيم هذا الحصاد المرّ إلى 5 مسارات، نتحدث في هذا المقال عن العسكري والاقتصادي والاجتماعي، وذلك على النحو التالي:

أولا: الحصاد العسكري

خلفت هذه المواجهات مئات الآلاف من القتلى والجرحى، في موجات متتابعة من الدمار والتهجير القسري واللجوء والنزوح المرعبين، وأبرز هذه المواجهات:

  1. مواجهة العصابات الصهيونية المسلحة التي نشطت بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقد أسفرت هذه المواجهات عن استشهاد المئات من رجال المقاومة، والمئات من السكان الذين سُلبت قراهم ونُهبت ممتلكاتهم، واضطروا للنزوح إلى القرى والمدن الفلسطينية المجاورة.
  2. حرب النكبة التي أعقبت إعلان الحركة الصهيونية قيام دولة (إسرائيل) عام 1948، وقد أسفرت عن هزيمة القوات العربية المتواضعة وقوامها 22 ألف جندي يفتقدون السلاح النوعي اللازم، مقابل 100 ألف جندي صهيوني مدججين بأحدث الأسلحة حينها من طائرات ودبابات ومدفعية وأسلحة رشاشة. ومقابل 5600 قتيل صهيوني سقطوا في الحرب، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب حوالي 15 ألفا من الفلسطينيين و5 آلاف من الجيوش العربية، وهُجر حوالي 750 ألف فلسطيني -ما يقارب نصف عدد السكان في ذلك الوقت- باتجاه الضفة الغربية وقطاع غزة، واستولت القوات الصهيونية على معظم الساحل الشمالي حتى قطاع غزة، وعلى معظم النقب جنوب فلسطين.
  3. حرب نكسة يونيو/حزيران 1967، التي قام بها الكيان الصهيوني بعد 14 عاما من العدوان الثلاثي على مصر بمشاركة بريطانيا وفرنسا، وقد انتهت حرب النكسة باستيلاء الكيان الصهيوني على بقية أراضي فلسطين التاريخية، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وسقط فيها حوالي 16 ألف شهيد من القوات الفلسطينية والمصرية والسورية والأردنية، مقابل أقل من ألف قتيل من القوات الإسرائيلية.
  4. معركة الكرامة عام 1968 على الحدود الأردنية الفلسطينية، التي سقط فيها 250 قتيلا للكيان الصهيوني، مقابل 178 شهيدا من القوات الفلسطينية والأردنية.
  5. حرب الاستنزاف، على الحدود المصرية والسورية مع الاحتلال الصهيوني، استمرت من عام 1967 إلى 1972.
  6. حرب أيلول الأسود 1970-1971 بين القوات الأردنية وقوات منظمة التحرير في الأردن، انتهت بإخراج القوات الفلسطينية إلى لبنان، وسقط فيها من القوات الفلسطينية حوالي 4 آلاف قتيل، وحوالي 110 من القوات الأردنية و1300 من المدنيين.
  7. حرب أكتوبر 1973، التي استعادت فيها القوات المصرية والسورية جزءا من أراضيهما المحتلة عام 1967.
  8. الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، التي راح ضحيتها حوالي 150 ألف قتيل و300 ألف جريح و17 ألف مفقود من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، كما حدث أثناءها مجزرتي تل الزعتر وصبرا وشاتيلا اللتين راح ضحيتهما حوالي 8 آلاف  قتيل من اللاجئين الفلسطينيين.
  9. العدوان الصهيوني على لبنان 1982، حدثت أثناءه مذبحة صبرا وشاتيلا التي سقط فيها أكثر من 3 آلاف من المدنيين الفلسطينيين، وانتهت الحرب بخروج القوات الفلسطينية من لبنان، وانتقال القيادة الفلسطينية إلى تونس، وتوزع القوات على عدة دول عربية.
  10. الانتفاضة الأولى 1987-1991 داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، استشهد فيها حوالي 1300 من الفلسطينيين، وأصيب 90 ألفا آخرين، إضافة إلى تصفية ألف عميل كانوا قد جُنّدوا لحساب الكيان الصهيوني، كما دُمر فيها 1300 منزل، واقتُلع 110 آلاف شجرة. وسقط فيها 160 قتيلا من الكيان الصهيوني.
  11. الانتفاضة الثانية 2000-2005 داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 4400 من الفلسطينيين وإصابة حوالي 50 ألفا آخرين، وسقط فيها 1100 قتيل و4500 جريح للكيان الصهيوني، كما أسفرت عن تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية التي انتقلت إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994 في أعقاب اتفاقية أوسلو، التي وقعتها القيادة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني عام 1993.
  12.  الحرب على قطاع غزة 2008، التي استمرت 25 يوما، وأسفرت عن سقوط أكثر من 1400 شهيد فلسطيني وحوالي 5400 مصاب، مع تدمير شبه كامل للبنى التحتية، وأكثر من 11 ألف منزل، وحوالي 600 مؤسسة عامة، و7 آلاف منشأة تجارية، و650 مركبة، وتوقف 4000 منشأة صناعية عن العمل، فضلا عن اقتلاع حوالي 400 ألف شجرة مثمرة، و52 ألف شجرة غير مثمرة، وإتلاف مليون دونم من الخضروات.
  13.  الحرب على قطاع غزة 2014، والتي استمرت 51 يوما، سقط فيها حوالي 2200 شهيد وإصابة 11 ألفا آخرين، وتدمير 13 ألف منزل و170 مسجدا و11 مقبرة، وتدمير 50% من شبكات المياه و55% من شبكات الكهرباء.

    ثانيا: الحصاد الاجتماعي والاقتصادي

هذه المواجهات العسكرية، خلفت معاناة شديدة بالغة القسوة على مستوى المدنيين الفلسطينيين، في الأراضي المحتلة وفي دول الشتات، وقد عرض تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) المقدم لاجتماعها المنعقد في بيروت في يونيو/حزيران 2018 -وهي لجنة منبثقة عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة- جوانب المعاناة تحت الاحتلال بما يغني عن البحث في غيره من التقارير والدراسات اللازمة لهذا المقام، وفيما يلي ملخص لأبرز ما جاء فيه:

  1. الاستيلاء على الأرض
  •  ضم القدس الشرقية إضافة إلى 70 كم مربع حولها.
  • توطين حوالي 640 ألف مستوطن في 257 مستوطنة حتى عام 2016، على مساحة أرض تقدر بحوالي 540 كم مربع من الضفة الغربية عدا القدس المحتلة.
  • ضم الأراضي بالقوة

   2. مصادرة الأراضي

  • بحلول عام 2017 بلغت مساحة الأراضي التي صادرها الكيان الصهيوني 1400 كم مربع تمثل ربع مساحة الضفة الغربية بحجة أنها أراضي دولة.
  • منذ عام 1967 استولى الكيان الصهيوني على أكثر من 31 كم مربع من الأرض الفلسطينية لأغراض عسكرية.
  • منذ عام 1967 وضع الكيان الصهيوني يده على حوالي 430 كم مربع بحجة أنها أملاك غائبين وأصبحت أراضي دولة.
  •  مصادرة الأراضي تحت ذريعة المصلحة العامة لشق الطرق والبنية التحتية وحماية المستوطنات.
  • مصادرة أكثر من نصف المناطق (ج) في الضفة الغربية؛ أي حوالي ثلثها، بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة.

 

   3. التهجير

  •  إلغاء تصاريح الإقامة

ألغى الكيان الصهيوني تصاريح الإقامة لأكثر من 250 ألف فلسطيني قبل مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994، وحتى مايو/أيار 2017 ألغى الإقامة لحوالي 15 ألف فلسطيني في القدس المحتلة،  وأُصدر قانون يسمح لوزير داخلية الكيان الصهيوني بإلغاء الإقامة الدائمة في القدس المحتلة لمن يُشتبه في قيامهم بأعمال ضد أمن دولة الكيان الصهيوني.

  •  هدم المباني
  • من عام 2009 وحتى عام 2017 قام الكيان الصهيوني بتدمير 5413 مبنى ومنزلا، وتشريد حوالي 9 آلاف شخص يسكنون فيها.
  • رفض تراخيص البناء لأكثر من 94% من الطلبات التي يتقدم بها سكان القدس المحتلة، ما يُعرض حوالي 100 ألف شخص فيها للتهجير بسبب الهدم.

4-  القمع

  • الإفراط في استخدام القوة:
  • مقتل آلاف المدنيين وتدمير عشرات الآلاف من المباني والمنازل، إضافة إلى البنى التحتية.
  • الاعتقال التعسفي، حيث اعتُقل أكثر من 800 ألف فلسطيني بين 1967 و2016.
  • العقاب الجماعي والإغلاق الكامل وإلغاء تصاريح العمل وقطع المواد الغذائية والكهرباء والوقود.

 

 5. حصار غزة

  • تقييد حركة الأشخاص والسفر والتجارة.
  • منع المواد ذات الاستخدام المزدوج، وهي المواد المدنية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، وتضم القائمة 64 مادة ممنوعة في جميع الأراضي المحتلة و138 مادة محظورة في غزة على وجه التحديد.
  • تقييد الحركة في البر والبحر.

 

 6.  التداعيات الاقتصادية

  • نصف سكان فلسطين المحتلة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أي 2.5 مليون نسمة، 80% منهم من سكان قطاع غزة.
  • انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي.
  • ارتفاع نسبة البطالة عام 2017 إلى حوالي 28%.
  • ارتفاع معدل الفقر من 26% عام 2011 إلى 29% عام 2017، ووصل في قطاع غزة إلى 54%.
  • ارتفاع عدد الذين يتلقون مساعدات غذائية من 80 ألفا عام 2000 إلى حوالي مليون شخص عام 2017.
  •  %23 من الأدوية و19% من المستلزمات الطبية غير متوفرة.
  • أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاج مساعدات أساسية في المياه والصرف الصحي.
  • %10 فقط من سكان غزة يحصلون على مياه شرب محسنة.
  • يعاني حوالي مليون طفل من الحصول على تعليم جيد في بيئة آمنة.
  • اقتلاع الأشجار المثمرة وتدمير الأراضي الزراعية ووضع العراقيل أمام المزارعين.

 

(يتبع…)

 

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان