عندما ذكرني فيلم «كابتن فيليبس» بأيامنا في أسطول الحرية

السفن التركية لأسطول الحرية تعود إلى الوطن

في الذكرى العاشرة للهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية التي حملت متضامنين ومساعدات إنسانية لقطاع غزة المحاصر
تمرّ بحياتنا بعض التجارب التي تنطبع في ذاكرتنا إلى الأبد وخاصة إذا كانت إنسانية، فنصبح مسكونين بمشاهد ربما لا نحبها ولكنها تجعلنا أكثر ايمانا بقيم الحق والعدل والمساواة؛ لا بل وأكثر تصميما على العمل في سبيلها.

شاهدت قبل مدة قصيرة فيلم كابتن فيليبس «Captain PHILLIPS» الذي يتحدث عن قراصنة صوماليين يهاجمون سفينة شحن أمريكية -وهي بالمناسبة قصة حقيقية-، وفي الواقع أنا لا أتبنى ما جاء في الفيلم على أنه شيء مسلّم به ويعكس الواقع ولكن أستخدمه ليعكس بعض ما حصل معنا على متن سفينة «مافي مرمرة» (أسطول الحرية) لتشابه بعض الأحداث.

وقد عاد هذا الفيلم بذاكرتي عشر سنوات إلى الوراء حين ركبنا ومجموعة من المناضلين والمتضامنين الأجانب يفوق عددهم 700 إنسان على متن 6 سفن أكبرهم سفينة «مافي مرمرة»، وكان هدفهم نصرة الإنسان في غزة (فلسطين)، وتوصيل مساعدات إنسانية وحليب علاجيّ للأطفال اشتريته بنفسي قطعة قطعة أملًا حينئذ ان تنقذ كل علبة حياة طفل، وساعين أيضًا الى تسليط الضوء على تلك المعاناة، ثمّ لمحاولة كسر العزلة والحصار الظالم عن غزة.

لا أبالغ إن قلت إن كل مشهد في الفيلم أعادني إلى حدثٍ مهم حصل معنا، سأنقل لكم بعضا من تلك الأحداث التي ربما لم يتطرق إليها أحد من قبل خاصة أنني عشتها لحظة بلحظة، كذلك فإن لي أيضًا رسائل أوجهها للقراصنة الإسرائيليين الذين أقل ما يمكن وصفهم به هو أنهم أغبياء وقتلة، وأنصح هؤلاء بأن يشاهدوا الفيلم ليروا أنفسهم في مشهد القراصنة الصوماليين ويدركوا أوجه الشبه الكبيرة معهم: فهم معتدون وأنتم مثلهم لا بل وغارقون في سلوك العصابات إذ هاجمتم أناسًا عزلًا في المياه الدولية كانوا في عمل إنساني محض، الاختلاف الوحيد مع الفيلم هو أن القراصنة الصوماليين لا قوة لهم، أما انتم فتستمدون قوتكم وعزيمتكم من قوى الشر والضلال والمنافقين ومن يتحكمون، مؤقتا، في مشهد هذا القرن .

وفي مشهد آخر رأيت القراصنة الصوماليين خائفين، وكذلك كان أفراد قواتكم من مغاوير البحر «أفراد الصاعقة البحرية» والمساندين لهم من وحدة «ميتسادا» ووحدة «عوكيتس» حيث كانوا يرتعدون خوفا رغم وجود البوارج البحرية والطائرات والأسلحة والمئات من الجنود، كانت أعينهم تظهر مدى رعبهم رغم تغطية وجوههم الجبانة ونحن مقيدين، لأنهم يعلمون بداخلهم أنهم قراصنة ظلمة هجموا على ناس عزل وفي مياه دولية تبعد أكثر من 70 ميلا بحريا عن الحدود الفلسطينية المحتلة.

أقول أغبياء لأنكم فعلًا أغبياء وحمقى، فقد كان بالإمكان السيطرة على السفن من غير ضجيج وأزمات دبلوماسية مع أكثر من 30 دولة يمثلهم المتضامنون، ومن غير سفك دماء 10 شهداء بكل جبن وخسة، ومن غير جرح العشرات بالرصاص الحي، ولكن غباءكم السياسيّ أبى إلا أن يعريكم من القيم التي تدّعون حملها وأصرّ على أن تظهر حقيقتكم الإجرامية أمام كل شاشات العالم بحيث تحقق ما هو أكثر نفعا لفلسطين وقضيتها من وصول السفن لموانئ غزة، وهو فضح صورتكم كدولة تدعى التمدّن لتحلّ محلها صورة دولة القراصنة التي تستنفر كلّ قواها الغاشمة ضدّ أناس عزل يحملون غذاء ودواء ومعدات طبية غير آبهة بأمنهم وسلامتهم. كان ذلك ممكنا من خلال إمّا ضرب محرك السفينة وسحبها من خلال بوارجكم العملاقة أو بوسائل عديدة أنتم أدرى بها، لكنّ الله أراد فضحكم فهجمتم بطائراتكم الحوّامة والزوارق المطاطية وقمتم بإنزال الوحدات الخاصة وأصبحتم أضحوكة أمام العالم، فكلّ جندي ما إن وطئت قدماه سطح السفينة حتى نال ما استحقه على أيدي المدافعين السلميين عن أنفسهم.

لا يزال منظر جنودكم من القوات الخاصة حاضراً أمامي وهم يرتدون "الحفاظات" وبعضهم قد بال على نفسه من الخوف في اللحظات الأولى من الهجوم عندما بدأنا بالدفاع عن أنفسنا ومحاولة منعهم من السيطرة على غرفة قيادة السفينة، ولولا خوفنا من عدم تورعكم عن قتل المزيد من الأبرياء لما توقفنا عن خط سيرنا الإنسانيّ. لقد سميتم قرصنتكم علينا بعملية «رياح السماء» فكانت لعنة السماء والشهداء تلاحقكم وستشهدون تلك اللعنات قريبا.

انظروا الان إلى النتيجة: قتلتم ١٠ شهداء ابرياء ولكنكم في موقف ذليل

تذكرت عند رؤية مشهد قيام الكابتن «فيليبس» بكتابة رسالته إلى عائلته وهو محتجز من قبل القراصنة الصوماليين، قيام بعضنا بكتابة رسائل توديع لعائلاتهم، ليس خوفًا منكم وإنما لعلمهم سلفاً بغبائكم وإجرامكم الذي لا حدّ له، وشعورهم أنكم ستقدمون على تلك الخطوة الغبية.

انظروا الان إلى النتيجة: قتلتم ١٠ شهداء ابرياء ولكنكم في موقف ذليل.

لا بل وربما أصبح جنودكم الذين تم أسرهم وقتها، وغيرهم ممن قتلوا الشهداء العشرة، وبالذات من قُتل “بدم بارد وهو جريح ” الشهيد ذي التسعة عشر عاما الشهيد فرقان دوغان رحمه الله ( التركي الاصل والامريكي الجنسية ) لربما أصبحوا مختلين عقليا الان، فالعدالة الإلهية لن تترككم وستلاحقها لعنة دماء شهداء «مافي مرمرة» ولعنة أطفال غزة الذين توفّوا جراء دفن حليبهم مع المساعدات الإنسانية على متن السفن الخمس الأخرى، والعالم الحر علم مقدار بشاعتكم، فكشفتم عن وجوهكم القبيحة كما كشف زميلنا المخرج رفعت عودة -أحد المشاركين في الأسطول- أكاذيبكم عبر فيلمه «الحقيقة ابتلعها البحر»، Truth lost at sea ‘ الذي انتشر عالميًا ليكشف المزيد من أكاذيبكم.

يبدو أن مسلسل إجرام إسرائيل والصهاينة مستمرّ ووحشيتكم مستمرة، فقد قتلتم بالأمس القريب الشابّ إياد الحلاق وهو فلسطينيّ من ذوي الاحتياجات الخاصة عمره العقليّ 7 سنوات وذنبه أنه خاف منكم فهرب.

هي ربما رسالة أن الظلم والوحشية تتشابه وجوههما وكذلك مآلاتهما؛ فكما انتهى فصل القراصنة من كتب التاريخ، سينتهي فصل وجودكم كعار على جبين الإنسانية قريباً جداً وأقرب ممّا نتوقع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان