الانتحار والمثلية الجنسية.. بين أخلاق الاقتناع وأخلاق المسؤولية

الانتحار
الصحة العالمية تحذر من ارتفاع مقلق لنسب الانتحار (بيكسابي)

باتت حوادث الانتحار والإلحاد والشك موضوعًا للجدل والصراع الفكري والأيديولوجي خاصة بين الشباب بعد فشل الثورات العربية. وأحدث هذه الوقائع كان انتحار شابة مصرية في كندا وُصفت بأنها ناشطة في مجال حقوق المثليين (رفعت عَلَمهم في القاهرة فاعتُقلت على إثره) وكانت قد دأبت في مدونتها الشخصية ما بين عامي 2016-2020 على كتابة تعليقات هي خليط بين خواطر ذاتية واقتباسات من هنا وهناك.

 

تنطوي مدونة هذه الشابة على موقف نقدي من الله (تعالى عما يقولون) ومن الفهم الديني وعلماء الدين (تتحدث عن ثورة دينية، اغتالوا الله، صورة الله المتغيرة لدى البشر، النص الديني الذي ضد النمو والتطور) وتتبنى مفاهيم نسوية، وتدعو إلى الحرية الجنسية وإلى "ثورة جنسية" كما تتحدث -بازدراء- عن المجتمع وأفكاره، وعن هؤلاء "الرعاع الغوغائيين الجهلة المتدينين فاقدي الإنسانية" وعن ضرورة "الانفصال عن القطيع المتشابه دينيًّا وجنسيًّا" وتصنف نفسها ورفاقها ضمن الفئة "الأعظم على مر تاريخ الإنسانية" وتُعَنْون مرة أن "المجد لنا" أي لها ولرفاقها.

 

إنني أحب من لا غاية لهم في الحياة سوى الزوال

كان من اللافت أنها كتبت عن الانتحار عامي 2016 و2017 كتابةً تنطوي على نوع من الأدلجة لفكرة الانتحار أولاً، ثم مزجتها بفكرة الألم فيما بعد، فالانتحار ليس جبنًا ولا شجاعةً، بل يكاد يكون -بحسبها- نوعًا من التحرر، فهي تتحدث عن "الوجود الفيزيائي الذي يُعيق عن التحليق بعيدًا عن الأرض". كتبت أيضًا عن أن "الألم -وحده- هو الذي يجعلنا نتغلغل ونذوب بداخل العالم وبداخلنا، لا شيء أسخف من الإنسان الذي يُكثر من نوعه" وأن الحصانة من الألم "لا تكمن في العدمية والتشاؤم فقط، بل أيضًا في أن نملك خيار الانتحار الذي يناسبنا" وهنا تقتبس عن الفيلسوف الألماني نيتشه قوله "إنني أحب من لا غاية لهم في الحياة سوى الزوال" وكان هذا من آخر ما دونته في أبريل/نيسان 2020.

تحولت حادثة الانتحار هذه إلى مجرد موضوع لجدل حول المصير الأخروي (الجنة أو النار) وعن الرحمة الإلهية والدعاء بها لشخص مات على هذه الحال، ولكن المعركة التي نشبت بعد واقعة الانتحار تبدو أعقد من ذلك الاختزال، ولها أبعاد أيديولوجية وسياسية وشخصية أيضًا، فقد تحولت -لدى فريق- إلى نصرة أو تضامن مع فكرة المثلية الجنسية، كما تحولت -مع فريق آخر- إلى مناصرة هذا النقد الجذري للدين، ولدعم الفهم الفردي للدين والشك الديني نفسه، وكان ثمة نغمة لإلقاء اللوم الكامل -في فعل الانتحار- على المجتمع نفسه.

من اللافت أن الجدل حول مثل هذه الوقائع يدور حول شخصيات جدلية تقلبت في مواقفها الدينية وخياراتها الشخصية لدرجة التمرد الشامل، فهي لم تقف عند حدود التمرد على النظام السياسي فقط بل على المجتمع وقيمه أيضًا، ووصلت لتبني أفكار عدمية. ومثل هذه التقلبات طرأت على فئة من الشباب الذين انخرطوا في النشاط السياسي والثوري، ثم اصطدموا بالإخفاقات التي أصابت الثورات العربية، وبواقع أن ناشطي الأمس توزعوا بين المنفى والسجن والموت والانتحار.

يمكن أن نميز -في مثل هذه المعارك التي تكررت- بين طرفين: طرف يستعلي بموقف يضفي عليه طابعًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا؛ إذ يؤسسه على الحرية الفردية والرحمة الإلهية الممتدة والغامضة وغير المشروطة، وطرف آخر ينطلق من موقف عقدي يؤسسه على مبدأ عامّ، وهو أن الرحمة الإلهية الأخروية لا تشمل إلا المسلمين الذين ماتوا على الإيمان بالله تعالى، ومن ثم فهو يتبنى تصورات صلبة عن الحلال والحرام ويطبقها على هؤلاء الأشخاص المعينين الذين هم محل الجدل (نستبعد هنا فريقًا أظهر الشماتة أو أمارات التشفي والانتقام بل والشتم أحيانًا).

والسؤال المطروح: هل يمكن أن نناقش مثل هذه الوقائع بمعزل عن الانخراط في مثل هذه المعركة الفاصلة؟ كيف نناقش مثل هذه الأفكار من الناحية المنهجية بمعزل عن الأشخاص أنفسهم؟ وكيف نحتفظ بالتوازن المعرفي والأخلاقي في مثل هذه الوقائع؟

سأميز هنا بين مستويين، الأول: مستوى تعقيدات هذه الوقائع، والثاني: المستوى الأخلاقي.

فعلى مستوى تعقيدات الواقع، نحن أمام واقعة تجمع أكثر من إشكال (الانتحار، المثلية، الدين، الموقف من منظومة القيم السائدة في المجتمع) ومن ثم فمعالجتها تتصل بمجالات الفكر والدين والاجتماع والقانون والأخلاق.

فهذه الوقائع تظهر في سياق حديث، ومن حيث إنها تنشد التغيير فإنها تقع في صلب النشاط السياسي والحركي عامة، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تطوير النشاط السياسي، سواءٌ في ثورات الربيع العربي أم في التغيير الفكري والديني والاجتماعي عامة، وهي وسائل حديثة تعظّم إمكانات وأدوات التعبير عن الأفكار والتشبيك والضغط.

هذا السياق ساهم في صعوبة تحديد موقف منها، وتحليل هذه الوقائع لن يساهم فقط في فهم أعمق للمشكلة بل سيؤثر أيضًا على أحكامنا التقويمية وصياغة مواقفنا، ولتحليل هذا الواقع سنميز بين أربع ثنائيات:

الأولى: التمييز بين الشأن الخاص والعام، فنحن أمام وقائع لا ترضى بالاختيار الفردي (سواءٌ عن قناعة أم رغبة) بل تتعدى ذلك إلى ممارسة نشاط عامّ لنصرة أفكار وتوجهات محددة، ومن ثم فقد تلاشت المسافة الفاصلة بين الخاص المتمثل في أن كل شخص حر بأن يختار لنفسه ما يريد لنفسه، وبين العام المتمثل في الإعلان عن الاختيارات الشخصية، وهذا الإعلان يستلزم: (1) إشراك الآخرين فيها، ووضع النفس موضع التقويم والنقد منهم. (2) تلاشي المسافة الفاصلة بين المؤقت والعابر من جهة، والمستقر والراسخ من جهة أخرى، فبعض الأشخاص قد يكونون معرّضين لحالات من القلق والتوتر الداخلي والتقلب في عالم الأفكار والتوجهات ريثما يستقر بهم الحال على شكل من أشكال النضج الفكري، أي أن تقلباتهم هذه حالة مؤقتة قد تكون تعبيرًا عن اضطراب أو قد تكون تعبيرًا عن اجتهاد فكري ما في البحث عن الحق، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي والتدوين العلني مكّنت الفرد من أن يخوض تجاربه علنًا، وأن يجرب ألوانًا من الأفكار كما يتذوق ألوانًا من الطعام ويتنقل بين المقاهي، ثم هو إلى ذلك يُشرك الآخرين معه فيها بل ربما دعاهم إلى خوض التجربة نفسها.

الثانية: التمييز بين الممارسة الفردية وبين النشاط الدعوي في المجال العام، والذي صار يُطلق على صاحبه صفة "الناشط". وهنا نحن أمام الانتقال من الاختيارات الفردية إلى الأيديولوجيا التي يُراد نشرها وحمل المجتمع على الاعتراف بها ومنحها صفة الحق، أي أننا أمام حالة "نشاط" يهدف إلى ممارسة تغيير اجتماعي لإزاحة عرف أو قيم سائدة للانتقال إلى عرف وقيم أخرى يُعتقد أنها "حديثة وطبيعية". ويتم في سبيل ذلك أحيانًا استخدام آليات الضغط والتنظيم، وهنا سيقع الصدام بين فئة الدعاة/الناشطين وبين المجتمع والمدافعين عن منظومة القيم السائدة، ويخطئ الناشط وحزبه هنا حين يحولان النقاش إلى معركة ضد "التوحش والانغلاق الديني، …" لأنهم في الواقع يموّهون على واقع أنهم يريدون فرض إرادة أو تصور معين على المجتمع ككل، ومن الطبيعي أن يلقى هذا التوجه مقاومة طالما أنه انتقل من الاختيار الفردي إلى حالة النشاط الدعوي وإرادة التغيير الاجتماعي.

قد تكون "الظروف" عاملاً مساعدًا في التقويم الأخلاقي لتحديد مدى حرية إرادة الفرد في إقدامه على فعله، ولكن إلقاء كامل المسؤولية على الظروف الاجتماعية أو السياسية يُحول الإنسان إلى مجرد منفعل مسلوب الإرادة والاختيار في مواجهة هذه الظروف

الثالثة: التمييز بين الاجتماعي والأخلاقي والقانوني، فلا يمكن تجاهل الموقف القانوني من مسائل كالدعوة إلى تطبيع الممارسات المثلية مثلاً. واحترام القانون في ذاته قيمة يجب أن تصان، وإذا كان القانون يتم تطبيقه انتقائيًّا فإن هذا لا يسوغ معارضته من طرف واحد أو التعامل الانتقائي معه حين لا يوافق قناعاتنا الشخصية، لأن هذا سيقود إلى فوضى، والقانون يحدد المسؤوليات أيضًا، فلا يمكن إلقاء المسؤولية في وقوع حادثة الانتحار على "الظروف الاجتماعية" التي (قد) تكون حملت شخصًا ما على الإقدام على الانتحار، لأن المسؤولية تتحدد في معين ومنضبط قابل للقياس، والظروف ليست كذلك، وإثبات سببيتها مسألة ظنية لا تتناسب مع منطق القانون الذي يقوم على الأدلة والبراهين. ومع ذلك قد تكون "الظروف" عاملاً مساعدًا في التقويم الأخلاقي، لتحديد مدى حرية إرادة الفرد في إقدامه على فعله، ولكن إلقاء كامل المسؤولية على الظروف الاجتماعية أو السياسية يُحول الإنسان إلى مجرد منفعل مسلوب الإرادة والاختيار في مواجهة هذه الظروف. إنه لا يمكن إضفاء قيمة على فعل ثوري ضد قيم المجتمع ثم تحميل المجتمع نفسه مسؤولية تصرفات الشخص الناشط أثناء رحلة نضاله المتعثرة، لأن معنى ذلك أن المجتمع مخير فقط بين أمرين: إما أن يقبل إملاءات فرد أو مجموعة أو أن يتحمل المسؤولية الكاملة عما يجري لهؤلاء، ولكن ماذا لو قبل هذه الإكراهات فقامت حركات مقاومة عنيفة لهذا، من سيتحمل -حينها- نشوء مثل هذا العنف في مجتمع متدين؟

الرابعة: التمييز بين الموقف الإنساني والموقف الفكري والعقدي عند وقوع حادثة موت أو انتحار شخصية قلقة. فالموقف الإنساني يفرض التعاطف مع الميت/المنتحر، والحزن لفوات نفس من الصواب، ولا ينبغي أن يتحول أفراد المجتمع إلى قضاة أو دعاة على أبواب الجنة أو النار. ويفرض الموقف الإنساني أيضًا التعاطف مع أهل الميت/المنتحر وذويه، وقد ميز الفقهاء قديمًا بين هذين الموقفين حين عالجوا مسألة تعزية الولد المسلم في أبيه الكافر، أو تعزية الوالد الكافر في ابنه المسلم، فجمعوا بين الواجب الإنساني والديني من دون أن يجدوا أي تنافر بينهما، ونحن نضرب هذا المثل بعيدًا عن إطلاق الأحكام على زيد أو عمرو، ولكن لمجرد إثبات الفكرة.

أما الموقف الفكري العقدي، فيفرض موقفًا نقديًّا من الأفكار التي كان الميت داعيةً لها، لأن هذا الوضوح يفرضه صون معيارية الخطأ والصواب في مسائل الاعتقاد وعدم تَسييلها. ويفرض هذا الموقفَ النقديَّ أمران: الأول أن "إزالة الشكوك في أصول العقائد واجبة،… والدعوة إلى الحق بالبرهان مهمة في الدين" كما يوضح الإمام أبو حامد الغزالي. والثاني: أن هذا النقد الفكري منفصلٌ عن الحكم على الميت نفسه باستحقاق جنة أو نار، فهو نقدٌ لأجل الأحياء، فالموت -دومًا- فيه عظة وعبرة للأحياء. أما أحكامنا الدنيوية فتُبنى على ظواهر الأحوال، لأن لها صلة بالشعائر الدينية من جهة، وبالحقوق القانونية المترتبة على هذا الحكم من جهة أخرى، وكل هذا يستدعي توفر المعلومات القطعية والحاسمة التي لا لبس فيها لذي صلة وليس لكل أحد!

فيما يخص المستوى الأخلاقي، لا بد أن نميز بين أمور:

الأول: تقويم الفعل في إطار أسبابه. فالخوض في الأسباب عامة قد يتطلب دراسات اجتماعية وإحصائيات، والخوض في الأسباب الخاصة بشخص محدد يتطلب الوقوف على معلومات مباشرة، ومن ثم فإننا نميز بين الحكم على الفعل العام، والحكم على فعل زيد أو عمرو تحديدًا. فالفعل العام فعلٌ مجردٌ عن الأسباب والسياق والملابسات، بخلاف الحكم على زيد أو عمرو، ومن ثم كانت هناك مسافة تفصل بين تقويم الفعل المجرد (كالانتحار، وممارسة المثلية الجنسية مثلاً) وبين تقويم الفاعل المعين (فعل زيد أو عمرو تحديدًا) لأن الانتحار قد يكون تعبيرًا عن مرض نفسي (كالاكتئاب) وقد يكون أيديولوجيا يضفي معنىً ميتافيزيقيًّا على هذا الفعل، والميل إلى المثلية الجنسية قد يكون نتاج اختلالات في البنية الفيزيولوجية للجسم أو نتيجة مرض ما أو شهوة جامحة، وقد يكون علامة على الانتماء إلى نخبة محددة (نوع من الهوية الأيديولوجية أو الوجاهة الطبقية!).

 

لابد أن نفرق عند الحديث عن الرغبات والشهوات (كالمثلية الجنسية) بين وجود الميل الداخلي وبين ترجمة هذا الميل إلى أفعال ظاهرة

والبحث في الأسباب هنا يتفرع إلى البحث في الأسباب الاجتماعية والبيولوجية من جهة، وإلى تقويم قدرة الفرد على الاختيار عند اتخاذ فعل ما (كالانتحار مثلاً) أو عند القيام بممارسة معينة (كاللواط أو السحاق مثلاً) من جهة أخرى. فالبحث في هذه الأسباب سيحدد من النواحي الاجتماعية والطبية والأخلاقية والقانونية مدى مسؤولية فرد معين عما فعله، وما إذا كان فعلاً مرضيًّا أو نتيجة ضغط لم يملك فيه إرادته. أي أن المسألة هنا ترجع إلى تحديد مفهوم السببية، هل هي سببية فاعلة ومؤثرة؟ وما درجة التأثير فيها؟ هل تحجب الإرادة الحرة أم لا؟ والمرء لا يُسأل إلا عن أفعاله الاختيارية الصادرة عن إرادة حرة وفي الأحوال الطبيعية.

الثاني: أننا لابد أن نفرق عند الحديث عن الرغبات والشهوات (كالمثلية الجنسية) بين وجود الميل الداخلي وبين ترجمة هذا الميل إلى أفعال ظاهرة، فوجود الرغبة الداخلية والميل النفسي لدى بعض الأشخاص لا يقتضي -بالضرورة- التطبيع مع هذا الميل وجعله حقًّا يجب على الجميع الاعتراف به، كما لا يستلزم أيضًا عدم القدرة على دفعه أو مقاومته، ولو سلمنا بعدم قدرة الشخص على دفع هذا الميل المثلي (المخالف للنظام الطبيعي) فسنبطل فكرة تهذيب النفس ومشروعية التربية من أصلها، وعندها سنحتاج إلى/سنقوم بالتخير بين الرغبات (ما هو مشروع وغير مشروع) من دون قانون متسق، فَإضفاء الشرعية على المثلية الجنسية يستلزم نوعًا من التسويغ الأخلاقي، كما يستلزم مشروعية دينية وقانونية واجتماعية أيضًا، وهو ما لا يتوفر ويراد تغييره!

الثالث: لو افترضنا أن ما يحرك مثل هذه النضالات الحقوقية لبعض الشباب هو موقف أخلاقي يؤمن بمبدأ ما، ويناضل من أجله، فسنكون هنا أمام التمييز المهم الذي أقامه ماكس فيبر، وهو التمييز بين أخلاق الاقتناع وأخلاق المسؤولية، وهما مبدآن يحكمان أي فعل موجه أخلاقيًّا، وهما نوعان متباينان ومتعارضان. فمثلاً، حين يقرر شخص ما النضال من أجل فكرة ما، فإن الذي يحركه هنا هو أخلاق الاقتناع (الإيمان بفكرة مطلقة والإخلاص لها) ولكنه حين يخفق في إنجازها فإن أخلاق الاقتناع ستلقي باللائمة على المجتمع والمحيط الذي لا يقبل مثل هذه الأفكار الخلاصية، دون أن يعيد التفكير في قناعاته هو. والمتتبع لخطاب بعض الناشطين اليوم يجد أن أخلاق المسؤولية تكاد تختفي، وأخلاق المسؤولية مركزية في النظرية الأخلاقية، وهي تفرض أن الشخص عليه أن يتحمل عواقب أفعاله واختياراته.

الأمر الرابع: ثمة مفهومٌ ديني يتصل بأخلاق الفضيلة (كالصبر والرضا والتوكل والشكر…) وهو مفهوم الابتلاء الذي تنطوي عليه هذه الحياة. وحين يفقد المرء الإيمانَ، يَكفّ مفهوم الابتلاء عن الفعالية، وربما يصل إلى حدود قصوى من الإحباط والتمرد والألم. والآلية الدفاعية التي يلجأ إليها بعض الناشطين هنا هي التطبيع مع الخطأ، بل ربما جعل التطبيع فعلاً نضاليًّا! ومن غير المفهوم لمن هو عاجز عن تغيير ما بنفسه والتحكم فيها أن يسوّغ السعي إلى تغيير المجتمع! إن هذه الممارسات ستقود في النهاية إلى معركة صفرية أو صدامات مع المجتمع، لأن الركون إلى مثل هذه المغامرات سيؤثر على الوضوح الأخلاقي (معيارية الصح والخطأ) وسينعكس على "العرف" الاجتماعي السائد. والله أعلم.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.