كورونا بين السلطويات والديمقراطيات.. ماراثون المقارنات الخاطئة

A patient is carried on a stretcher to a hospital, as the spread of coronavirus disease (COVID-19) continues, in Rome, Italy, April 6, 2020. REUTERS/Guglielmo Mangiapane

منذ انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وارتفاع عدد ضحاياه والمصابين به، واتساع رقعته عالمياً؛ دار جدل ساخن على وسائل التواصل الاجتماعي -وكذلك بين الباحثين والمتخصصين- حول كفاءة الأنظمة السياسية في الاستجابة للفيروس، والتعاطي مع تداعياته طبياً وسياسياً واقتصادياً.

ويبدو أن ثمة إعجابا لدى البعض بقدرة الأنظمة السلطوية على التصدي للفيروس ووقف انتشاره، من خلال فرض إجراءات وقيود صارمة على سلوك وتحركات المواطنين، على غرار ما تفعل الصين وروسيا وكوريا الشمالية والسعودية وغيرها.

وذلك في مقابل ضعف -وربما فشل- الأنظمة الديمقراطية في وقف انتشار الفيروس، وتقليل عدد ضحاياه؛ كما هي الحال في معظم الدول الديمقراطية في أوروبا -مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا- وأميركا وغيرها.

وواقع الحال أن المقارنة بين السلطويات والديمقراطيات في التعاطي مع جائحة كورونا المستجد ليست في محلها، وتبدو مبنية على قراءة سطحية لما يحدث، كما أنها لا تفيد كثيراً في الطبيعة المعقدة التي يفرضها الفيروس، وكيفية استجابة الحكومات المختلفة له.

بل إنها تصْرف النقاش بعيداً عن جوهر المسألة، وهو مدى كفاءة الأنظمة الصحية، والسياسات العامة المصاحبة لها، وقدرتها على التعاطي بكفاءة مع هذا الفيروس القاتل. فبعض السلطويات والديمقراطيات -على حد سواء- تتبع نُظُماً صحية تلعب فيها الدولة دوراً مؤثراً، بحيث يتم توفير الرعاية الصحية لكافة المواطنين وبدرجة عالية من الكفاءة.

المقارنة بين السلطويات والديمقراطيات في التعاطي مع جائحة كورونا المستجد ليست في محلها، وتبدو مبنية على قراءة سطحية لما يحدث، كما أنها لا تفيد كثيراً في الطبيعة المعقدة التي يفرضها الفيروس، وكيفية استجابة الحكومات المختلفة له. بل إنها تصْرف النقاش بعيداً عن جوهر المسألة، وهو مدى كفاءة الأنظمة الصحية، والسياسات العامة المصاحبة لها

خذ مثلاً دولة سلطوية كالصين التي قامت على مدار السنوات الماضية -وخاصة منذ عام 2006- بإعادة هيكلة نظامها الصحي بشكل جذري، وباشرت تطبيق نظام صحي جديد يقوم توفير الرعاية الصحية لكافة السكان، خاصة أولئك الذين يعيشون خارج المدن الرئيسية. وحسب بعض الإحصاءات؛ فقد غطى هذا النظام الجديد ما يقرب من حوالي 95% من مواطني الصين البالغ عددهم حوالي مليار ونصف مليار شخص.

ورغم سماح الصين للشركات العالمية الخاصة بالاستثمار في قطاعها الصحي؛ فإن حجم إنفاقها العام على القطاع الصحي قد ارتفع بشكل كبير خلال العقد الماضي. فقد وصلت نسبة الإنفاق الصيني على القطاع الصحي عام 2018 ما يقرب من تريليون دولار، نصفها تقريبا تم إنفاقه على تطوير الرعاية الصحية في المناطق الريفية.

وفي المقابل؛ فإن دولة ديمقراطية مثل ألمانيا قامت بتحديث نظامها الصحي أيضا خلال العقد الماضي، بحيث تقوم الدولة بتغطية ما يقرب من 75% من خدمات الرعاية الصحية، كما وصل حجم الإنفاق العام على القطاع الصحي حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين وصل نصيب الفرد من الرعاية الصحية إلى حوالي خمسة آلاف يورو سنوياً. وهي تتبع نظاما للتأمين الصحي ليس فقط محلياً، بل وعالمياً بحيث يغطي مواطني ألمانيا خارج بلادهم.

كلا البلدين (الصين وألمانيا) تمكّن من تقليل تداعيات وتأثير فيروس كورونا المستجد، سواء من حيث عدد الإصابات أو الوفيات؛ وذلك مقارنة بعدد الحالات التي تمت إصابتها، إذا ما افترضنا صحة الأرقام الواردة من الصين، وهي مسألة تدور حولها علامات استفهام كثيرة نظراً لعدم وجود شفافية، وللطبيعة السلطوية المغلقة للنظام السياسي هناك.

فبالإضافة إلى القيود المشددة التي فرضتها الصين على مواطنيها؛ فقد ساعدت البنية الصحية التحتية لديها في الاستجابة السريعة لحالات الإصابة بالفيروس. وتم إنشاء مستشفيات ميدانية خلال وقت قياسي، وذلك لاستيعاب حالات الإصابة خاصة في مدينة "ووهان" التي كانت بؤرة انتشار الفيروس محلياً وعالمياً.

أما ألمانيا فقد نجحت -بشكل ملحوظ- في تقليل عدد الوفيات بالفيروس فلم يتجاوز عددها 1600 حالة وفاة حتى كتابة هذه المقال، رغم ارتفاع عدد الإصابات فيها حيث وصل إلى حوالي 100 ألف حالة؛ بحسب إحصائيات جامعة جونز هوبكنز. ويمثل ذلك نسبة 1.6% وهي نسبة ضئيلة مقارنة بحوالي 12% في إيطاليا و4% في الصين و3% في أميركا.

ولعل أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ذلك هو عدد التجارب والفحوص التي تجريها ألمانيا على مواطنيها، والتي تصل إلى حوالي نصف مليون شخص أسبوعياً، وبالتالي عزل الحالات التي تثبت إصابتها.

وبالمثل؛ فإنه يمكن ضرب أمثلة لأنظمة سلطوية وأخرى ديمقراطية فشلت فشلاً ذريعاً في التعاطي مع فيروس كورونا المستجد. خذ مثلاً السلطوية الانتخابية في روسيا، أو الأوليغاركية العسكرية في مصر، وكلا البلدين لديه بنية صحية متهالكة.

وفي المقابل؛ خذ الديمقراطية الليبرالية -سواء في إيطاليا أو أميركا أو بريطانيا- فستجد أن الأنظمة الصحية في هذه البلدان غير فعالة، وقد فشلت حتى الآن في الاستجابة لتطورات الفيروس، وأظهرت عدم قدرتها على استيعاب أعداد المصابين الذي يتضاعفون بشكل كبير على مدار الساعة.

يمكن القول بأن جائحة فيروس كورونا المستجد كشفت المستور في كافة البلدان سواء السلطوية أو الديمقراطية. وربما نحتاج إلى وقت كي نعرف مدى تأثيرها على البنية السياسية لهذه البلدان، واختبار مدى قناعة شعوبها بأدائها وكفاءتها، والحكم عليها؛ وذلك بعد أن ينقشع غبار "كوفيد-19"

وعليه؛ فإن المقارنة بين طبيعة الأنظمة السياسية وما إن كانت ديمقراطية أم سلطوية، وربط ذلك بقدرتها على الاستجابة لفيروس كورونا المستجد؛ قد لا تساعدنا كثيراً في فهم اختلاف ردود أفعال الدول وتعاطيها مع هذا الفيروس.

كما أنها لن تجدي في تغيير القناعات الخاصة بطبيعة كلا النظامين، على الأقل لدى مؤيديهما؛ فلا السلطويون قادرون على إقناع العالم بأنهم أكثر كفاءة في التعاطي مع الأوبئة والكوارث الطبيعية، ولا المجتمعات والشعوب الديمقراطية على استعداد للتفريط في حقوقها الدستورية والقانونية والسياسية، تحت ادعاء فشل أنظمتها في التعاطي مع جائحة "كوفيد-19". فهناك ديمقراطيات فشلت في التعاطي مع هذه الأزمة، وأخرى نجحت. وهناك سلطويات نجحت في التصدي للفيروس، وأخرى فشلت.

صحيح أن الحكومات السلطوية تتمتع بقدر كبير من الفعالية في تطبيق إجراءات وقيود استثنائية، لا تعبأ فيها كثيراً بانتهاك الدستور أو احترام حقوق الإنسان، كما أنه لا توجد شفافية أو صحافة حرة يمكنها مراقبة أداء هذه الحكومات، وذلك مقارنة بالحكومات الديمقراطية التي تخضع للنقد والتقييم من قبل مواطنيها ومؤسساتها وإعلامها. ولكن هذا لا يفسر نجاح أو فشل هذه الحكومات في التعاطي مع جائحة كورونا.

وباختصار؛ يمكن القول بأن جائحة فيروس كورونا المستجد كشفت المستور في كافة البلدان سواء السلطوية أو الديمقراطية. وربما نحتاج إلى وقت كي نعرف مدى تأثيرها على البنية السياسية لهذه البلدان، واختبار مدى قناعة شعوبها بأدائها وكفاءتها، والحكم عليها؛ وذلك بعد أن ينقشع غبار "كوفيد-19".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان