تحديات التعلم الإلكتروني في ظل أزمة كورونا وما بعدها

تلميذ يتحدث لمدرسته إلكترونيا

ألقت أزمة فيروس كورونا بظلالها على قطاع التعليم؛ إذ دفعت المدارسَ والجامعات والمؤسسات التعليمية لإغلاق أبوابها تقليلا من فرص انتشاره. وهو ما أثار قلقا كبيرا لدى المنتسبين لهذا القطاع، وخاصة الطلاب المتأهبين لتقديم امتحانات يعدونها مصيرية مثل التوجيهي وكامبردج وغيرها؛ في ظل أزمة قد تطول.

كل هذا دفع بالمؤسسات التعليمية للتحول إلى التعلم الإلكتروني (E-Learning)، كبديل طال الحديث عنه والجدل حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية؛ خاصة بعد أن تأثرت العملية التعليمية بشكل مباشر بأتمتة الصناعة وتطور تكنولوجيا "الذكاء الصناعي" (Artificial Intelligence) و"إنترنت الأشياء" (Internet of Things)، وكذلك ثورة تكنولوجيا المعلومات التي اقتحمت معظم أشكال حياة الإنسان وأصبحت جزءا أصيلا منها.

فبين الجيل المسمى "إكس" والذي يتميز بتعلقه بأجهزة الهاتف الذكية واستخدام التطبيقات المختلفة، وبين احتياج الصناعة كوادر ماهرة تكنولوجياً؛ أصبح دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية توجهاً عالمياً. وأصبح توفير المادة التعليمية من خلال الأجهزة المحمولة لـ"جيل إكس" يشكل عاملا محفزا للتعلم بدلاً من الاكتفاء بالدراسة التقليدية، فبها ينمّي معرفةً ومهارات مناسبة تؤهله لتلبية احتياجات سوق العمل.

إن استخدام الإنترنت في العملية التعليمية ليس وليد اليوم بل يعود إلى ما قبل عام 2000. ومعظم الجامعات تستخدم اليوم ما يسمى "أنظمة إدارة التعلم" (Learning Management Systems). وفي ظل "أزمة كورونا" التي يعيشها العالم؛ توجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكتروني كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية. وزاد بشكل ملحوظ استخدام تطبيقات محادثات الفيديو عبر الإنترنت مثل "زوم" و"غوغل" و"ميتينغ" و"ويب إكس ميت" وغيرها.

وحسب موقع "تيك كرنش" (techcrunch)؛ فقد بلغت عمليات تحميل هذه البرامج 62 مليون مرة خلال فترة ما بين 14-21 مارس/آذار 2020، أي مع بداية عمليات حظر التحرك في كثير من الدول. كما تضاعف استخدام الكثير من التطبيقات والبرامج التعليمية؛ مثل حقيبة غوغل التعليمية و"أوفيس 365″ وتطبيقات "أبل" ومواقع خدمات التقييم والأنشطة التفاعلية.

استخدام الإنترنت في العملية التعليمية ليس وليد اليوم بل يعود إلى ما قبل عام 2000. ومعظم الجامعات تستخدم اليوم ما يسمى "أنظمة إدارة التعلم". وفي ظل "أزمة كورونا" التي يعيشها العالم؛ توجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكتروني كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية

وطبقا لنفس الموقع؛ فقد زادت عمليات تحميل برامج iOS وغوغل التعليمية بنسبة 45% في أسبوع، ولعل كثيراً من قُرّاء هذه السطور يخوضون هذه التجارب بأنفسهم أثناء مكوثهم "القسري" في بيوتهم.

ورغم إيجابيات التعلم الإلكتروني فإن أسئلة تدور في خلد الكثيرين عن فعاليته كبديل كلي للطرق التقليدية ومدى الاستعداد لذلك؟ وما هي التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني؟

1- المحتوى التعليمي: يلجأ كثير من المعلمين إلى ما يسمى "التصميم التعليمي" (Instructional Design)، لإعداد مادة تعليمية تحقق الأهداف بكفاءة عالية. ويقوم هذا التصميم عموما على دراسة الاحتياجات التعليمية للطلاب، وتحديد الأهداف والوسائل المناسبة لتحقيقها، وأدوات لقياس مدى التعلم والتغذية الراجعة. ومن النماذج المستخدمة في التصميم التعليمي ADDIE وASSURE وغيرها، والتعلم الإلكتروني ليس استثناء في هذا الجانب.

ولكن ما هو التحدي هنا؟ هنالك عدة جوانب ينبغي مراعاتها قبل استخدام التعلم الإلكتروني نعرض أهمها:
الوسائل التعليمية: فاختيار الوسائل التعليمية يشكل تحديا أساسيا في التصميم التعليمي التقليدي والإلكتروني، إلا أنه في هذا الأخير أكبر، لاسيما مع الحاجة الماسة لتوظيف التعلم التفاعلي الذي يزيد انتباه الطلبة بإشراكهم المباشر كمساهمين لا كمتلقين، وهذا سيزيد من عامل التحفيز وسيحقق نتائج أفضل. وهنا يجب أن يبذل المعلم جهداً معتبرا لتحديد الوسائل التفاعلية المناسبة لكل هدف؛ فعملية إشراك الطلبة الموجودين في أماكن مختلفة، والمحافظة على انتباههم عبر الأجهزة، ليست بالأمر اليسير ولكنها بالتأكيد ليست مستحيلا.

وينطبق نفس الأمر على عملية التقييم وبالذات لاحتساب العلامات (Summative Assessment)؛ فبينما تعتبر الامتحانات الكتابية الوسيلة الأكثر شيوعاً وخصوصاً في الامتحانات النصفية والنهائية -على الرغم من التحول الملحوظ نحو وسائل التقييم البديلة (Alternative Assessment)- فإن التقييم الإلكتروني يبدو متعسرا، لتعذر عملية المراقبة تفاديا للغش باستخدام نفس الأجهزة.

يتوفر على شبكة الإنترنت الكثير من البرامج والتطبيقات لتحقيق تفاعل الطلبة في العملية التعليمية فرادى أو مجموعات، منها Quizziz  وSocrative وPadlet وkahoot وMindmaps، ناهيك عن التطبيقات التي توفرها غوغل ومايكروسوفت وأبل وغيرها. وكل ما يحتاجه المعلم هو التخطيط الجيد لاختيار الوسيلة المناسبة لكل هدف تعليمي، إلا أنها ربما ليست وافية بعدُ للتقييم النهائي ورصد علامات الطلبة.

تغطية الاحتياجات وأنماط التعلم المختلفة: إن مراعاة تنوع أنماط التعلم جزء من عناصر التخطيط لعملية تعليمية عادلة وناجعة؛ فهناك -حسب نموذج (VARK) لفليمنج وميلز- أربعة أنماط أساسية في التعلم: السمعي (Auditory Learners)، والبصري  (Visual Learners)، والحركي (Kinesthetic Learners)، ونمط التعلم بالقراءة والكتابة (Read and Write Learners).

إن مسؤولية المعلم هنا أن ينوع وسائله لتغطي الاحتياجات المختلفة؛ فالتركيز على التحدث من طرفه طيلة وقت الحصة التعليمية قد يكون مناسباً للسمعيين، لكنه مضجر للبصريين والحركيين. وهنا يحتاج المعلم إلى أن يختار البرامج والتطبيقات المناسبة لتجهيز "تركيبة" من المواد التعليمية تتماشى مع الأنماط المختلفة.

2- جاهزية المعلم: يطلق مصطلح "جيل بيبي بومرز" (Baby Boomers Gen) على الفئات التي وُلدت ما بين عامي 1944 و1964، ومن أكبر المشاكل التي تواجه هذه الفئة -فيما يتعلق بموضوع هذا المقال- هو الجاهزية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في عملية التعلم، وهذا ليس انتقاصا منهم ولكنه واقع فرضه الاكتشاف المتأخر لكثير من أجهزة التكنولوجيا والتطبيقات.

وكان من هؤلاء من استشعر أهمية الالتحاق بركبها فتعلمها واستخدمها، ومنهم من ظن أنه في غنى عنها. إلا أن طغيان التكنولوجيا، وشغف الأجيال بها، والوعي البيئي بضرورة التقليل من استخدام الأوراق، إلى غيرها من العوامل؛ أدت إلى التحول التدريجي والكبير نحو التكنولوجيا، مما شكّل صدمة لهذه الفئة التي غدت الآن تحت أمر واقع يحتم عليها استخدام التكنولوجيا، وبتفصيل يتعدى تحميل ملفات ومشاركتها على السحابات الإلكترونية إلى ما هو أبعد من ذلك.

وهنالك فئة أخرى -ليست من هذا الجيل وإنما من "جيل إكس" و"جيل الميلينيالز" (millennials)- عاشت حالة من الإنكار والتجاهل لكل هذه المتغيرات، فلم تعمد إلى استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب في السابق، وهي الآن تعيش نفس المعضلة إلا أنها ربما أفضل حالاً من الجيل السابق، نظراً لمعرفتها بأساسيات التكنولوجيا.

ولذلك نجم عن أزمة كورونا إطلاق دورات للمعلمين في مجال التعلم الإلكتروني ووسائله المتنوعة. ومما لا شك فيه أنهم سيواجهون تحدياً "مضحكا" وهو سرعة طلابهم في مواكبة التكنولوجيا مقارنة بهم، وخيارهم هنا هو تقبُّل الأمر بروح رياضية وبعض المرح!

من المؤكد أن الأزمة التي واجهت القطاع التعليمي -بسبب تفشي فيروس كورونا- دفعت التعلم الإلكتروني نحو الواجهة، فغدا خياراً لا بديل عنه (إلا في حالة انعدام البنى التحتية). وسيواجه المعلمون تحديات كبيرة لمواكبة هذا التحول المفاجئ، إلا أنه بالتخطيط المناسب يمكن التغلب على كثير من العقبات

3- توفر التكنولوجيا: يعدّ توفر التكنولوجيا عاملاً مهماً لنجاح فكرة التعلم الإلكتروني، فبدونه سيغدو الأمر مجرد حلم. وهناك مستويات مختلفة لهذا التحدي؛ فتوفر الأجهزة وشبكة الإنترنت وسرعة الإنترنت وحُزَم الإنترنت، كل منها يُعدّ تحدياً بذاته أو مجتمعاً مع الأخريات. فقد يتوفر للطالب (أو حتى المعلم) الجهاز، إلا أنه قد لا تتوفر لديه خدمة إنترنت أساساً، وإن توفرت فقد تكون بطيئة، أو ربما بحزمة غير كافية لتغطية عروض الفيديو والمواد ذات الحجم الكبير.

وهنا لا بد للمعلم من أن يعرف أوضاع طلابه جميعاً ليختار الطرق الأكثر مناسبة للمجموع؛ فمثلاً إذا كانت المشكلة تتعلق بعدم توفر حزم كافية لدى الطلبة، فهنا يمكن تحضير المواد بأحجام صغيرة أو متوسطة، وقد يكون من الأفضل أيضا تقليل استخدام الفيديو في اللقاءات المباشرة أو استخدامها لوقت قصير.

خاتمة؛ من المؤكد أن الأزمة التي واجهت القطاع التعليمي -بسبب تفشي فيروس كورونا- دفعت التعلم الإلكتروني نحو الواجهة، فغدا خياراً لا بديل عنه (إلا في حالة انعدام البنى التحتية). وسيواجه المعلمون تحديات كبيرة لمواكبة هذا التحول المفاجئ، إلا أنه بالتخطيط المناسب يمكن التغلب على كثير من العقبات.

يبقى هناك سؤال مهم يدور في خلد الكثيرين، ألا وهو: هل سيستمر زخم التعلم الإلكتروني فيما بعد كورونا، أم إنه سيخبو وتعود الأمور إلى مسارها السابق؟ تتعدد الآراء هنا بين من يظن -أو ربما يتمنى- أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ومن يعتقد أنه لا رجعة عن التعلم الإلكتروني الذي طال انتظار التحول إليه بشكل أكبر. وربما يكون هذا محور مقال آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.