ومن بعدها خطة تحويل العالم 2030، وكان موعد هذا الاستحقاق عام 2020، بالتزامن مع "الهوية الرقمية2020" (ID2020)، المرتبطة بصورة وثيقة مع اللقاح، الذي استثمر فيه مليارات الدولارات من الدول المانحة والشركات الخاصة، تحت شعارات براقة ومخادعة مفادها "القضاء على الأمراض المزمنة -المعدية وغير المعدية- التي تفتك بحياة مئات الملايين من البشر سنويا، وخاصة في الدول الأكثر فقرا في العالم"، ودائما كان المهندس والمسوق الأكبر لهذا الأمر، المهندس بيل غيتس.
قبل 5 سنوات، تحدث "بيل غيتس" بالتفصيل عن الفيروس، ومخاطره، وطرق انتشاره، وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، والاستعدادات اللازمة له، واللقاح وأنواعه، والتقنية الجديدة المستخدمة في إنتاجه؛ بل حتى الشركات المنتجة له، وآليات تمويل أبحاثه وتوزيعه.
في عام 2015 نفسه الذي انطلقت فيه خطة التنمية المستدامة 2030، فاجأ بيل غيتس العالم بالحديث عن الجائحة الصحية القادمة، وأن على العالم الاستعداد لمواجهتها قبل فوات الأوان، ووضع تصوره للتعامل معها، وهو يعتقد أنه تصور ليس له مثيل، وأن العالم ينبغي أن يتعامل معه بالجدية اللازمة. الآن، وبعد 5 سنوات، نراجع معا هذا التصور لنرى مدى تطابقه مع ما حدث بالفعل مع جائحة كورونا عام 2020. وقد نشر بيل غيتس تصوره كاملا في مقال طويل، زاد عن 6 آلاف كلمة، في مجلة "نيو إنغلاند" (New England) الدوائية منتصف عام 2015، بعنوان "الجائحة القادمة.. دروس من إيبولا". وفيما يأتي عرض لأهم النقاط التي وردت فيه:
هكذا نرى، كيف تحدث "بيل غيتس" قبل 5 سنوات، عن الفيروس، ومخاطره، وطرق انتشاره، وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، والاستعدادات اللازمة له، واللقاح وأنواعه، والتقنية الجديدة المستخدمة في إنتاجه؛ بل حتى الشركات المنتجة له، وآليات تمويل أبحاثه وتوزيعه.
كما ظل فيروس كورونا المستجد غامضا حتى الآن، حسب تأكيدات العديد من التقارير العلمية والطبية الخاصة به، فإن هذا اللقاح أشد غموضا، وقد يتضح بعض غموضه في قادم الأيام، وقد يظل غامضا إلى الأبد؛ لكن الواضح تماما أن حياة الناس بعد اللقاح لن تبقى على ما هي عليه الآن، وقريبا جدا.
بالعودة إلى الشركات الثلاث الفائزة في سباق إنتاج اللقاح، نجد أن الشركات الثلاث كانت على رأس اهتمامات بيل غيتس منذ وقت مبكر.
أما كيورفاك، فهي شركة ألمانية، تأسست رسميا -حسب موقعها الرسمي- عام 2000، وكانت الأولى في مجال العلاج بواسطة المنصات التكنولوجية القائمة على ما يعرف بـ"إم آر إن إيه" (mRNA) الطبيعي، الذي يقوم بتوجيه جسم الإنسان لإنتاج بروتيناته الخاصة القادرة على مكافحة مجموعة من الأمراض. وفي مارس/آذار 2015 دخلت مؤسسة بيل ومليندا غيتس شريكا في رأس المال بمبلغ وصل إلى 76 مليون دولار، وقال بيل غيتس بمناسبة هذه الاتفاقية "إذا استطعنا تعليم الجسم إنشاء دفاعاته الطبيعية الخاصة، يمكننا إحداث ثورة في طرق معالجة الأمراض ومنعها، إن تقنية مثل تقنيات (mRNA) تمنحنا الثقة بتحقيق ذلك في المستقبل"، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 قدمت المؤسسة دعما للشركة بقيمة مليوني دولار بغرض إنتاج لقاح قادر على تحقيق حماية واسعة ضد فيروسات الإنفلونزا، ولم يتم إنتاج اللقاح حتى الآن.
وأما مودرنا، فهي شركة أميركية، تأسست عام 2010، تبرعت لها مؤسسة بيل ومليندا غيتس في يناير/كانون الثاني 2016 بمبلغ 20 مليون دولار بهدف تطوير تقنيات منصة جديدة للأجسام المضادة أو اللقاحات لتقليل اكتساب فيروس نقص المناعة البشرية. ولم تفلح الشركة في ذلك حتى الآن، وكانت خسائر الشركة عام 2019 قد بلغت 1.5 مليار دولار منذ إنشائها، مع خسارة 514 مليون دولار في عام 2019 وحده.
وأما بيونتك (BioNTech)، فهي شركة ألمانية تأسست عام 2008 متخصصة في إنتاج لقاحات تعتمد على تقنية (mRNA)، وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي تلقت الشركة من مؤسسة بيل وميليندا غيتس دعما وقدره 55 مليون دولار، مرشحا أن يصل إلى 100 مليون دولار، لإنتاج لقاحات للقضاء على فيروسي الإيدز والسل، على أن تقدم الشركة للمؤسسة اللقاحات التي تحتاجها الدول الفقيرة بتكلفة ميسورة. وقد وقعت شركة "فايزر" (Pfizer) الأميركية العملاقة عقد شراكة مع بيونتك في 2018 لتسويق اللقاحات.
وتعد فايزر من الشركات التي تقيم علاقة تعاون وطيدة مع مؤسسة بيل ومليندا غيتس منذ تأسيسها، وفي سبتمبر/أيلول 2016، قدمت المؤسسة لها دعما وقدره 16.5 مليون دولار، لدعم أبحاثها حول الالتهابات الرئوية.
ولذلك لم يكن مستغربا إهمال بيل غيتس للقاحات التي أنتجتها دول عديدة، من بينها الصين وروسيا؛ بل كان من أشد المحذرين من التعامل معها، إلا بعد التأكد من سلامتها، وهكذا أغلق أمامها باب السوق الدولية للأدوية، إلا في حدود ضيقة جدا.
نعم، تحدث بيل غيتس كثيرا عن الجائحة إلى أن جاءت، وجمع لها عشرات المليارات، وتحدث كثيرا عن اللقاح الذي سيحصن العالم من الجائحة، وأخيرا ظهر اللقاح المنتظر معتمدا على تقنية (mRNA) الموعودة، في غضون شهور قليلة، وبالضبط في الموعد الذي حدده بيل غيتس مبكرا، حين قال إن اللقاح سيكون جاهزا نهاية العام الجاري، وسيتم إنتاج ملياري جرعة منه بنهاية العام 2021، على الرغم من أنه لم يثبت نجاحها في علاج أي مرض آخر من قبل، على مدى أكثر من 10 سنوات.
فهل هذا اللقاح هو ذاته الذي كان يجري تصنيعه منذ سنوات، وطالما روج له بيل غيتس في المؤتمرات والمحافل الدولية المختلفة؟
وهل كان الحديث المبكر عن الجائحة من أجل التهيئة لإجبار الناس على أخذ اللقاح؟ خصوصا أن الحديث يدور منذ وقت مبكر عن تطعيم جميع البشر، وأن سائر معاملات حياتهم القادمة ستكون مرتبطة بأخذ اللقاح، وأن الذين لن يأخذوا اللقاح ستضيق عليها الحياة بصورة كبيرة جدا.
أم أن الأمر لا علاقة له بالصحة، وإنما لتنشيط تجارة الدواء التي يزيد إجمالي مبيعاتها عن ضعف مبيعات السلاح في العالم؟
إنها الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها بدقة حاليا، نظرا لغياب المعلومات القاطعة، بالرغم من كثرة المؤشرات والدلالات.
انطلق سوق اللقاح كما يراد له أن يكون، وتعاقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على شراء أكثر من مليار لقاح حتى الآن، سيبدأ تسليم الدفعات الأولى منها قبل نهاية العام الجاري، والبقية أثناء العام القادم.
وفي الأسابيع القليلة القادمة سنشهد طوابير الناس تتزاحم في المراكز الصحية المنتشرة في بلدانها لأخذ اللقاح، ومعه شهادة التحصين الخاصة به.
وكما ظل الفيروس غامضا حتى الآن، حسب تأكيدات العديد من التقارير العلمية والطبية الخاصة به، فإن هذا اللقاح أشد غموضا، وقد يتضح بعض غموضه في قادم الأيام، وقد يظل غامضا إلى الأبد؛ لكن الواضح تماما أن حياة الناس بعد اللقاح لن تبقى على ما هي عليه الآن، وقريبا جدا.