الإمارات.. دولة مارقة بقفاز ذهبي

ميدان - بن زايد سجون زنازين
(الجزيرة)

حسب علماء العلاقات الدولية، فإن "الدولة المارقة" (Rogue State) هي تلك الدولة التي يحكمها نظام سلطوي أو شمولي، وتنتهك حقوق الإنسان بشكل خطير، وتنخرط في أنشطة إرهابية بما يجعلها تمثل تهديدا للأمن والسلم الدولييْن.

بدأ الاستخدام السياسي لهذا المصطلح منذ منتصف التسعينيات، وذلك من خلال مقال نشره مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، أنتوني ليك، في مجلة "الشؤون الخارجية" (Foreign Affairs)، حيث أطلقه على 5 دول في حينها هي: كوريا الشمالية، كوبا، إيران، ليبيا، والعراق تحت حكم صدام حسين. ومنذ ذلك الوقت تم استخدام المصطلح بشكل مكرر وكثيف في حقل العلاقات الدولية خاصة في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتحولات التي شهدها العالم، خاصة على مستوى السياسة الخارجية الأميركية.

وقد وصل الأمر إلى حد وصف بعض الباحثين والمفكرين مثل نعوم تشومسكي ووليام بلوم للولايات المتحدة باعتبارها دولة مارقة؛ نتيجة لسياساتها الخارجية، خاصة خلال مرحلة الحرب الباردة، حيث كانت تستخدم القوة لفرض هيمنتها وتدخلها في العديد من الدول، ودعم الانقلابات العسكرية، والمساعدة على قيام أنظمة سلطوية مارقة كما هي الحال في أميركا اللاتينية خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات.

الإمارات بالإضافة إلى القوة الصلبة، فإنها تستخدم أيضا أدوات القوة الناعمة كالدين والإعلام والاقتصاد من أجل تنفيذ أجندتها الخارجية. وهي تعتمد في ذلك على حجم ضخم من الثروة والنفوذ المالي، الذي تدفع منه مكافآت سخية لشراء كل ما، ومن هو قابل للشراء

ولكن مفهوم الدولة المارقة شهد تحولات عديدة على مدار العقدين الأخيرين، واتسعت رقعته، ليضم الدول، التي تمارس أنشطة تخريبية وعدائية ضد خصومها، ويقترب سلوك حكامها من سلوك رجال العصابات والمافيا، حيث يستخدمون كافة الوسائل غير المشروعة لتحقيق أهدافهم من خلال توظيف وتمويل المرتزقة وأمراء الحروب، وغسل الأموال، والتجسس واختراق خصوصيات الأفراد، سواء الحلفاء أو الخصوم، وشراء ولاءات السياسيين داخليا وخارجيا.. إلخ. وبهذا المعنى، فإن دولة الإمارات يمكن وضعها داخل فئة الدول المارقة الجديدة بامتياز. فهذه الدولة لا تقوم فقط بما سبق؛ بل تستخدم شبكة علاقاتها وحلفائها الدوليين للتغطية على سلوكها العصابوي المارق.

فلا تكاد تجد أزمة أو فضيحة سياسية أو مالية أو استخباراتية في منطقتنا، وأحيانا خارجها، إلا وتجد دولة الإمارات حاضرة فيها سواء بسياسيها أو برجالها وعملائها. فمن تمويل لحركات المعارضة في مصر، خاصة "حركة تمرد"، وذلك من أجل تهيئة الأوضاع للانقلاب الذي قاده وزير الدفاع آنذاك الجنرال عبد الفتاح السيسي في يوليو/تموز 2013.

ولاحقا تمويل نظامه ودعمه بشكل سخي بمليارات الدولارات ودعمه السياسي في واشنطن، إلى شن حرب مدمرة على اليمن بالتحالف مع السعودية، والسعي لتقسيمه والاستيلاء على موارده وموانئه، إلى تمويل مجرم الحرب في ليبيا خليفة حفتر، ومساعدته عسكريا ولوجستيا ومده بالمرتزقة من روسيا والسودان وتشاد من أجل الاستيلاء على السلطة، إلى حصار قطر والتخطيط لغزوها عسكريا، واستخدام كافة الوسائل لتدمير اقتصادها، والتحريض عليها دوليا من خلال شبكة عملاء من دبلوماسيين وسياسيين وإعلاميين وباحثين، إلى تمويل ورعاية محاولة الانقلاب في تركيا صيف 2016، والمحاولات المتواصلة لتخريب وتدمير عملتها واقتصادها، إلى شراء ولاءات سياسيين أوروبيين وأميركيين من أجل تنفيذ أجندتها الاستئصالية ضد تيارات الإسلام السياسي في كافة أنحاء الأرض بدءا من إندونيسيا وماليزيا (شرقا)، مرورا بالمنطقة العربية، وصولا إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وإذا كانت الدول المارقة تستخدم القوة الصلبة أو الخشنة في سياساتها الخارجية، فإن الإمارات بالإضافة إلى القوة الصلبة، فإنها تستخدم أيضا أدوات القوة الناعمة كالدين والإعلام والاقتصاد من أجل تنفيذ أجندتها الخارجية. وهي تعتمد في ذلك على حجم ضخم من الثروة والنفوذ المالي، الذي تدفع منه مكافآت سخية لشراء كل ما، ومن هو قابل للشراء من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين وباحثين وصحفيين ورجال دين.. إلخ، وذلك تحت يافطات متعددة ذات أسماء براقة كما هي الحال مع مراكز الأبحاث والأكاديميات والجامعات والمجالس الدينية، التي تحتضنها وترعاها ليس فقط بالداخل، وإنما بالخارج أيضا.

كذلك تضم قائمة المستفيدين من هذه الأموال العديد من رؤساء وزعماء الدول سواء الحاليين أو السابقين. وهي تستفيد في ذلك من ثروة هائلة يتجاوز حجمها تريليون دولار تُدار من خلال صندوق أبو ظبي السيادي، ناهيك عن عوائد صادراتها النفطية، التي تتجاوز 50 مليار دولار سنويا، بحسب أخر الإحصاءات. وهي تقوم بشراء النفوذ عبر استخدام "دبلوماسية الشيكات"، التي يتم توزيعها عبر دبلوماسييها وسفرائها ورجالها في الخارج. فحسب العديد من التقارير، فإن السفارات الإماراتية في البلدان المهمة كأميركا وبريطانيا وفرنسا ومصر تعمل كـ"آلات صرف العملة" (ATM)، التي تصرف بدون حساب على أنشطتها في تلك البلدان، متسترة في ذلك خلف الحصانة الدبلوماسية.

أما المدهش في السلوك الإماراتي، فهو اعتراف أصحابه ومؤيديه به؛ بل افتخارهم به، وبما يرونه إنجازات غير مسبوقة يحققها لهم هذا السلوك المارق. وذلك إلى الدرجة التي دفعت بعض هؤلاء المؤيدين إلى القول بأن العرب يعيشون حاليا تحت ظلال ما يسميه بـ"اللحظة الإماراتية"، التي جاءت نتيجة لضعف وتراجع دور الدول العربية الكبرى كمصر والسعودية والعراق وسورية. وقد فات على هؤلاء أن بلدهم يسير الآن في الطريق نفسه إن لم يكن أسوأ من تلك التي سارت فيها تلك البلدان، وأدت إلى تراجع مكانتها ونفوذها إقليميا ودوليا؛ ولكنهم قوم لا يفقهون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.