العلاقات العُمانية الأوروبية.. نحو روابط أوسع

يختار العمانيون ممثليهم في مجلس الشورى - صورة أرشيفية من الدورة الماضية. .الصور أرشيفية من وكالة الأنباء العمانية
(مواقع التواصل الاجتماعي)

تجمع سلطنة عمان والاتحاد الأوروبي مصالح مشتركة في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية، إذ تتميز عمان بموقع إستراتيجي مميز ومرتبط بطرق التجارة الدولية الرئيسية، الذي يشكل أهمية كبيرة في تحقيق المصالح الأوروبية بالمنطقة، ولتعزيز العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والسلطنة وقع الطرفان اتفاقية تعاون في سبتمبر/أيلول 2018، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون بين دائرة العمل الخارجي الأوروبي ووزارة الخارجية العمانية، بهدف تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات القطاعية ذات الاهتمام المشترك.

من الناحية الأمنية، تتشارك السلطنة مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة القرصنة البحرية التي تعد من أهم المشاكل الأمنية، التي يواجهها الجانبان في المحيط الهندي، ومنذ عام 2008 والسلطنة شريك مهم في عملية القوة البحرية للاتحاد الأوروبي في مكافحة تهديد القرصنة من خلال عملية "أتلانتا" لمكافحة القرصنة على سواحل الصومال وسواحل القرن الأفريقي وخليج عدن، عبر التنسيق بين الجهات الأمنية ومراقبة أمن السواحل العمانية، وتبادل المعلومات مع الاتحاد الأوروبي.

وفيما يخص المصالح السياسية المشتركة بين الجانبين، تعد سياسة السلطنة المنفتحة مع العالم والمتزنة مع أقطاب الصراع بالمنطقة، وخصوصا تلك المتمثلة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، متماثلة إلى حد كبير مع سياسات الاتحاد الأوروبي في المنطقة، وقد أبرزت السلطنة أدوارها في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ما جعل جهود السياسة العمانية الخارجية مكملة لجهود الدبلوماسية الأوروبية في الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة بما يخدم المصالح الأوروبية فيها.

والسلطنة تعد مركزا لوجستيا رئيسيا لمنطقة الشرق الأوسط بوجود أهم 3 موانئ كبرى: ميناء صحار، والدقم، وصلالة، وعدد من المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة البحرية والبرية. وبهدف إقامة السلطنة منظومة لوجستية متكاملة، تم في أغسطس/آب ٢٠٢٠ إنشاء الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وذلك للإشراف على المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم والمنطقة الحرة بالمزيونة والمنطقة الحرة في صلالة والمنطقة الحرة في صحار.

 

أولت السلطنة على المدى الطويل اهتماما كبيرا في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تنويع مصادر دخلها، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك تعتبر عُمان أول دول مجلس التعاون الخليجي، التي عملت على تطوير الخطط والرؤى للحد من اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها

كما ركزت السلطنة على تعزيز قدرات موانئها للوصول للعالمية ولا سيما ميناء الدقم، الذي بلغت قيمة الاستثمارات فيه حوالي 60 مليار دولار، جاذبا العديد من استثمارات الدول منها إيران والكويت والصين والمملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها من الدول.

وفي آخر إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تمت الإشارة إلى أن الاستثمار الأميركي والبريطاني يشكل أعلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عمان في الربع الأول من عام 2020. بينما ظهرت بعض دول الاتحاد الأوروبي بنسب استثمارات ضئيلة جدا بالرغم من البيئة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تهيأت منذ صدور قانون الاستثمار الأجنبي رقم (50/2019)، والمزايا التي يقدمها للمستثمر؛ من إجازة الأجنبي بتملك مشروع استثماري بنسبة 100%، والإعفاءات الضريبية والرسوم الجمركية، كما أنه لا يقيد المستثمر بحد أدنى من رأس المال، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات تأسيس المشروعات الاستثمارية، وحق الانتفاع من الأراضي الاستثمارية لفترة طويلة، وتحويل المستثمر رأس المال إلى بلده، يضاف إلى أن الثقة الاستثمارية تترسخ وتتعزز بأمن واستقرار الدول، وحسب تقييم "نامبيو" لعام 2020، فقد تصدرت السلطنة خامس دول العالم أمانا وخلوا من الجريمة، والثالثة عربيا.

 

أولت السلطنة على المدى الطويل اهتماما كبيرا في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تنويع مصادر دخلها، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك تعتبر عُمان أول دول مجلس التعاون الخليجي، التي عملت على تطوير الخطط والرؤى للحد من اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها، ونتيجة لهذه السياسة حققت السلطنة هذا العام ما يقارب 8 مليارات دولار بنسبة 28% من إجمالي مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي؛ أي بنسبة زيادة مقدرة بـ6% عن عام 2019. بالرغم من أزمة وباء كوفيد-19 وتدابير الإغلاق المرافقة له، والتي وضعت الاقتصاد في صورة حرجة؛ إلا أن السلطنة سعت إلى تجنب السحب من احتياطاتها السيادية المقدرة بـ17 مليار دولار، واتجهت نحو وضع سياسات خفض الإنفاق، واعتماد خطة التوازن المالي قصيرة المدى 2020-2024 بهدف تحسين الوضع الاقتصادي ورفع التصنيف الائتماني للسلطنة.

كما يشهد الاتحاد الأوروبي حاليا أوقاتا صعبة نتيجة تفشي الوباء والأثار الاقتصادية الحادة له، وتزامنها مع خروج المملكة المتحدة "بريكست" (Brexit) من المنظومة الأوروبية. في ظل هذه الظروف الصعبة، تتطلب المصالح التجارية والاقتصادية بين السلطنة والاتحاد الأوروبي العمل المشترك الموسع وتحريك الاتفاقيات العالقة، منها اتفاقية التجارة الحرة التي كان الطرفان يديرانها بصفة جماعية من خلال الحوار الخليجي الأوروبي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي؛ إلا أن هذه المفاوضات أصيبت ببعض الفتور نتيجة عدم الاتفاق في بعض مواد التعرفة الجمركية الخليجية الأوروبية، واستمرار أزمة الخليج في حصار قطر منذ 2017.

ولزيادة نسب الصادرات والواردات بين السلطنة ودول الاتحاد الأوروبي وفتح آفاق أوسع للتعاون التجاري بين الجانبين، غدى موضوع البدء في مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية بين السلطنة ودول الاتحاد الأوروبي، أمر بالغ الأهمية في إزالة العوائق التجارية والنمو الاقتصادي.

يعتبر الاتحاد الأوروبي مستثمرا مهما في السلطنة للاستفادة من موانئ عمان والمناطق الاقتصادية والحرة البحرية والبرية، ولاسيما بوجود بنك الاستثمار الأوروبي، الذي يعد أكبر مؤسسة مالية بالعالم، بأصول تزيد عن 600 مليار يورو، وأهمية توجيه استثماراته لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ونظرا إلى أن قطاع السياحة والنقل أكثر القطاعات تضررا من تفشي الوباء العالمي، ومع توقعات المحللين أن يكون تعافيها طويل المدى يصل إلى 6 سنوات، وبهدف تقليل الأثر السلبي لقطاع السياحة والنقل للجانبين لا بد من العمل على إنهاء إجراءات الإعفاء المتبادل للتأشيرات بين السلطنة ومجموعة دول شنغن.

ختاما، إن التعاون والشراكة في وقت الأزمات يخلق فرصا لروابط أوسع، وطرقا نحو الاستدامة الاقتصادية والاستقرار السياسي والأمني للدول.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.