الاتحاد الأوروبي وموقفه من الوجود التركي في سوريا

استمرار تدفق اللاجئين السوريين نحو الحدود التركية اليونانية
(الجزيرة)

"نحن نحذر تركيا من ضرورة الانسحاب من سوريا"، كان هذا ما قالته وزيرة الخارجية السويدية، آن ليندي، خلال اجتماع مع نظيرها التركي، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي مشترك عُقد أثناء زيارتها الأسبوع الماضي لتركيا، وقد ذكّرت وزيرة الخارجية السويدية بطبيعة الوجود التركي في سوريا، وبالموقف الأوروبي من هذا التدخل، وبوجهة النظر التركية أيضا.

 

اغتنم وزير الخارجية التركي مولود جاويش هذه الفرصة؛ للرد على نظيرته السويدية، التي اعتُبر تصريحها خاليا من الحياد، وقال بطريقة دبلوماسية "لا أعلم من أعطاكم صلاحية تخولكم أن تطالبوا تركيا بالانسحاب من سوريا، أو تحذروها بضرورة الانسحاب.. نحن لا نريد تقسيم سوريا على عكسكم أنتم، فأنتم من تدعمون حزب العمال الكردستاني، الذي يسعى إلى تقسيم سوريا، ومن أجل ذلك، تطالبون تركيا بالانسحاب".

 

إن ما قاله وزير الخارجية التركي ليس موجها في الحقيقة إلى وزيرة الخارجية السويدية فقط؛ بل إلى دول الاتحاد الأوروبي أيضا. بهذا الردّ، أوضح الموقف التركي وموقف بعض الدول الأوروبية ومساعيها من الملف السوري، ورسم صورة واضحة لما يجري على أرض الواقع، حيث إنه بالنظر إلى القوات التركية إلى جانب قوات دول أخرى في الأراضي السورية، يبدو جليا أن الوجود التركي يصب في مصلحة الشعب السوري، هذا فضلا عن التأييد الواضح، الذي يحظى به من الشعب السوري، كما أن المناطق السورية التي تنتشر فيها القوات التركية باتت تشكل ملجأ للسوريين الفارين من ويلات الحرب.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي 4 ملايين لاجئ، مما يعني أنه يعيش تحت حماية تركيا ما مجموعه 10 ملايين سوري، وهذا دليل على أن تركيا تدير شؤونهم أفضل من النظام السوري ذاته.

إن عدد السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها تركيا يصل إلى 6 ملايين نسمة، وذلك من إجمالي 14 مليون نسمة؛ أي ما يعادل 40% إلى 45% من إجمالي السكان، ويعيش هؤلاء السوريون في أراضٍ تمثل مساحتها أقل من 10% من المساحة الإجمالية للبلاد.

 

ومن خلال هذه المعطيات، من الواضح أن المناطق التي تسيطر عليها تركيا تعد بمثابة ملجأ للمواطنين السوريين، الذين يفرون من مناطق الاشتباكات طلبا للحماية، كما أن ردّ وزير الخارجية التركي يعطي صورة واضحة عن الرؤية التركية من جهة، وأهداف الدول الأخرى في سوريا من جهة أخرى.

 

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي 4 ملايين لاجئ، مما يعني أنه يعيش تحت حماية تركيا ما مجموعه 10 ملايين سوري، وهذا دليل على أن تركيا تدير شؤونهم أفضل من النظام السوري ذاته.

 

إن المواطنين السوريين داخل الحدود السورية يفرون إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا هربا من الظلم، الذي يمارسه النظام وحزب العمال الكردستاني وروسيا وإيران.. إنهم يوقنون بأنهم سيجدون الأمان والخدمات الأساسية في هذه المناطق.

 

ما الذي تفعله دول الاتحاد الأوروبي لحقن دماء السوريين، الذين يتعرضون للمذابح على يد النظام وعلى يد العناصر التي يدعمها النظام، وكذلك على يد حزب العمال الكردستاني؟ ما الذي تفعله هذه الدول لهؤلاء المواطنين، الذين تُهدم بيوتهم فوق رؤوسهم؟

 

من واجب تركيا الإنساني أن توفر الملجأ لهؤلاء الأشخاص، الذين اختاروا ترك منازلهم بحثا عن الأمن، وتفتح أبوابها أمامهم. أما دول الاتحاد الأوروبي، فقد عمدت إلى تغيير سياسات الهجرة الخاصة بها بعد وصول نسبة بسيطة من اللاجئين إلى أراضيها خوفا من المتاعب.

 

إن تأسيس منطقة آمنة داخل الحدود السورية كان في الحقيقة الحل الأمثل، الذي رأت فيه الدول الأوروبية خلاصها من ملف اللاجئين، لتلقي مسؤولية إنشائها على تركيا.

لم تحظ تركيا بالدعم المادي أو الاقتصادي أو السياسي المطلوب من الاتحاد الأوروبي رغم الدور المحوري، الذي تؤديه في منع تدفق موجات اللاجئين؛ لكنها تتلقى في المقابل الانتقادات اللاذعة من بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي ترى أن الوجود التركي في سوريا سوف يحول دون تأسيس دولة مستقلة لحزب العمال الكردستاني.

للأسف، بسبب تأييدها غير المفهوم لحزب العمال الكردستاني، أصبحت بعض الدول الأوروبية ترى أن الوجود التركي في سوريا غير مرحب به؛ لذلك تسعى إلى منعه.

 

بالإضافة إلى ذلك، إن علاقة دول الاتحاد الأوروبي بحزب العمال الكردستاني، القائمة على أسس غير منطقية، هي التي تقف وراء معارضتها للتدخل التركي في سوريا، وهذا ما يجعلها تتجاهل حقيقة أن وجود القوات التركية في سوريا يصد موجات اللاجئين، التي يمكن أن تتدفق إلى الاتحاد الأوروبي.

 

لم تحظ تركيا بالدعم المادي أو الاقتصادي أو السياسي المطلوب من الاتحاد الأوروبي رغم الدور المحوري، الذي تؤديه في منع تدفق موجات اللاجئين؛ لكنها تتلقى في المقابل الانتقادات اللاذعة من بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي ترى أن الوجود التركي في سوريا سوف يحول دون تأسيس دولة مستقلة لحزب العمال الكردستاني.

 

إن إرضاء الاتحاد الأوروبي لم يكن يوما من أهداف تركيا؛ بل كانت غايتها دائما مساندة القضايا الإنسانية، التي تحتم عليها فتح أبوابها أمام الفارين من المذابح واللاجئين الذين دُمرت منازلهم، ولا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وأن تغلق أبوابها في وجوههم؛ لأنها بذلك ستكون شريكة في الجريمة.

 

إن ما يحدث في سوريا لم يعد شأنا داخليا؛ بل أصبح يخص تركيا بدرجة أساسية، فالنيران التي تشتعل في بيوت السوريين قد وصلت شرارتها إلى تركيا، وحدوث أي مذابح في سوريا يعني توافد الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها.

 

خلال الأعوام الأربعة السابقة، وقبل قرارها دخول الأراضي السورية، كانت تركيا قد استقبلت حوالي 4 ملايين لاجئ سوري، بينما ما يزال عدد مماثل ينتظر عند الحدود.

 

بالإضافة إلى هذا كله، هناك منظمة إرهابية تتخذ من سوريا مقرا لها، وتوجه أنشطتها ضد تركيا؛ إلا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي ضد هذه التهديدات، كما تسعى لاستخدام كامل حقها للدفاع عن نفسها.

 

سيسجل التاريخ الموقف الأوروبي غير المبالي من هذه المنظمات الإرهابية التي تهدد تركيا، ودعمه المباشر وغير المباشر لها.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.