لماذا لا تساوي المحكمة الجنائية الدولية بين المهجّرين السوريين والروهينغا؟

Judge Cuno Tarfusser (C), judge Chang-ho Chung (R) and judge Marc Perrin de Brichambautat (L) issue a ruling on South Africa's failure to arrest Sudanese President Omar al-Bashir during a three-day visit in June 2015, during a session of the International Criminal Court in The Hague, Netherlands, July 6, 2017. REUTERS/Evert Elzinga/Pool

الأردن واليونان وإيطاليا وألمانيا والسويد وهولندا والنروج والنمسا والدانمارك والمملكة المتحدة وبلجيكا وكندا، وغيرها من الدول الأطراف في نظام روما الأساسي؛ تسمح لنظام بشار الأسد بارتكاب جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري على أراضيها، فهل تخون تلك الدول أوطانها؟! سؤال ينتظر إجابة من قيادات وشعوب تلك الدول والمدّعين العامّين فيها.

ومن جهة أخرى؛ فإن المحكمة الجنائية الدولية تحركت للدفاع عن بنغلاديش الدولة الطرف في نظام روما الأساسي، ولم تتحرك للدفاع عن تلك الدول المذكورة أعلاه وغيرها من الدول الأطراف في نظام روما الأساسي؛ فهل المحكمة تدافع عن نظام الأسد؟!

ومن المعلوم أن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قضت بأن للمحكمة ممارسة الولاية القضائية في الترحيل المزعوم لشعب الروهينغيا من ميانمار إلى بنغلاديش، وذلك في جلسة بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2018 ومؤلفة من القاضي بيتر كوكاكس والقاضي مارك بيرين دي بريشامبوت والقاضي راين أديلايده صوفي العابيني-قانسو؛ حيث اتخذت بذلك قرارا بالأغلبية.

ورغم أن ميانمار ليست طرفاً في نظام روما الأساسي فإن بنغلاديش طرف فيه، مع أن بنغلاديش لم تطلب ذلك من المحكمة الجنائية الدولية أو تُحل إليها ممارسة اختصاصها. وقد كان السند القانوني للدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية هو المادة 12 (2-أ) من نظام روما الأساسي، فأعلنت اختصاصها وفقاً لذلك على أساس أن بنغلاديش دولة طرف في هذا النظام، وقد وقعت على أراضيها عناصر جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري، مما يجعل المحكمة الجنائية الدولية مختصة بالنظر في جريمتيْ الترحيل والتهجير لشعب الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش.

من المعلوم أن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قضت بأن للمحكمة ممارسة الولاية القضائية في الترحيل المزعوم لشعب الروهينغيا من ميانمار إلى بنغلاديش، ورغم أن ميانمار ليست طرفاً في نظام روما الأساسي فإن بنغلاديش طرف فيه، مع أن بنغلاديش لم تطلب ذلك من المحكمة الجنائية الدولية أو تُحل إليها ممارسة اختصاصها

ومن الجدير هنا أنْ نذكر أنّ المادة (12) من نظام روما الأساسي -وهي خاصة بالشروط المسبقة لممارسة الاختصاص- تنص على ما يلي:
"1- الدولة التي تصبح طرفا في هذا النظام الأساسي تقبل بذلك اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة (5).

2- في حالة الفقرة (أ) أو (ج) من المادة (13)؛ يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفاً في هذا النظام الأساسي، أو قبلت باختصاص المحكمة وفقا للفقرة 3.
(أ)- الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث، أو دولة تسجيل السفينة أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أو طائرة.
(ب)- الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.

3- إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازما بموجب الفقرة 2، جاز لتلك الدولة -بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة- أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث. وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقا للباب 9″.

ومن المعلوم أنه قد صدر هذا الحكم بناء على طلب مقدم من المدعي العام عملاً بالمادة 19 (3) من النظام الأساسي، والتي تنص على أن: "للمدعي العام أن يطلب من المحكمة إصدار قرار بشأن مسألة الاختصاص أو المقبولية. وفى الإجراءات المتعلقة بالاختصاص أو المقبولية؛ يجوز أيضا للجهة المحيلة عملا بالمادة 13 وكذلك للمجني عليهم أن يقدموا ملاحظاتهم للمحكمة".

وقد قال المدعي العام للمحكمة: "إنه رغم أن الأعمال القسرية التي يرتكبها الترحيل المزعوم لأفراد من الروهينغا وقعت في إقليم ميانمار (وهي دولة ليست طرفا في النظام الأساسي)؛ فإنه يجوز للمحكمة مع ذلك ممارسة ولايتها القضائية، لأن أحد عناصر هذه الجريمة (خارج الحدود) وقع على أراضي بنغلاديش (وهي دولة طرف في النظام الأساسي)".

وهذا ما تُقاس عليه تماماً حالة الشعب السوري، بل إنه يجب -من باب أولى- أن يطبق ذلك على الشعب السوري؛ حيث إنه وإن كانت الجمهورية العربية السورية ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن عناصر جريمتيْ: الترحيل والتهجير -أو النقل القسري للشعب السوري- قد وقعت في دول هي طرف في هذا النظام وفقاً للمادة 12 (2-أ) منه.

وأهم هذه الدول التي وقعت فيها عناصر جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري، والتي هي طرف في نظام روما الأساسي: المملكة الأردنية الهاشمية (الأردن)، التي لها حدود مباشرة مع سوريا؛ فقد بلغ عدد السوريين المُرحَّلين والمهجَّرين قسرياً في الأردن نحو مليونيْ شخص. كما أن عناصر هاتين الجريمتين امتدت إلى دول أخرى كل منها طرف في نظام روما الأساسي، ومنها مثلا: اليونان، إيطاليا، ألمانيا، السويد، هولندا، النرويج، النمسا، الدانمارك، المملكة المتحدة، بلجيكا، كندا… إلخ.

والترحيل والتهجير القسري للشعب السوري جرائم ذات معلومات عامة ومعروفة للجميع، وتنطبق عليها المادة (69) الفقرة 6 من نظام روما الأساسي، والتي لا يتطلب فيها إثبات لصفتها تلك. إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تُحرك ساكناً للدفاع عن كل تلك الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، والتي وقعت على أراضيها عناصر في جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري، كما فعلت المحكمة مع بنغلاديش.

فقد أفادت الدائرة التمهيدية للمحكمة بأنها في الحالة البنغلاديشية "تتمتع بالسلطة اللازمة للاستماع إلى طلب المدعي العام بخصوص شعب الروهينغا، بموجب المادة 119 (1) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك وفقا لمبدأ عدم الترخيص compétence de la competence) la) أو الاختصاص بالاختصاص (Kompetenz   Kompetenz – a)، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي ينص على أنه يحق لأي محكمة دولية تحديد مدى اختصاصها".

الترحيل والتهجير القسري للشعب السوري جرائم ذات معلومات عامة ومعروفة للجميع، وتنطبق عليها المادة (69) الفقرة 6 من نظام روما الأساسي، والتي لا يتطلب فيها إثبات لصفتها تلك. إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تُحرك ساكناً للدفاع عن كل تلك الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، والتي وقعت على أراضيها عناصر في جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري، كما فعلت المحكمة مع بنغلاديش

علاوة على ذلك، وفي ضوء حقيقة أن ميانمار ليست طرفا في النظام الأساسي؛ لاحظت الدائرة أنه: "في حين أن المحكمة تتمتع بشخصية قانونية دولية موضوعية، فإن ولايتها القضائية يجب أن تحددها حدود النظام الأساسي".

وفيما يتعلق بالمسألة المركزية الواردة في طلب المدعي العام بالحالة البنغلاديشية؛ قررت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية: "أولاً: أن المادة 7 (1-د) من النظام الأساسي تتضمن جريمتين منفصلتين (هما النقل القسري والترحيل)، وثانياً: يجوز للمحكمة أن تمارس ولايتها القضائية إذا ارتُكِب عنصر من عناصر الجريمة المذكورة في المادة 5 من النظام الأساسي أو جزء من هذه الجريمة في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي، بموجب المادة 12 (2-أ) من النظام الأساسي".

وقضت الدائرة على هذا الأساس بأن للمحكمة ولاية قضائية على جريمة الإبعاد التي يُزعم ارتكابها ضد أفراد من شعب الروهينغا. والسبب هو أن أحد عناصر هذه الجريمة (خارج الحدود) وقع على أراضي دولة طرف في النظام الأساسي (بنغلاديش). ووجدت الدائرة كذلك أنه يجوز للمحكمة أيضا أن تمارس ولايتها القضائية فيما يتعلق بأي جريمة أخرى منصوص عليها في المادة 5 من النظام الأساسي، مثل الجرائم ضد الإنسانية كالاضطهاد و/أو الأعمال اللاإنسانية الأخرى.

والنتيجة من مجمل ما تقدم هي أنه:
أولاً: من باب أولى قانوناً مع وجود السابقة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية (بالنسبة لجريمتيْ الترحيل والتهجير القسري لشعب الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش) أن تمارس المحكمة الجنائية الدولية ولايتها، فيبدأ مدعيها العام التحقيق في جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري للشعب السوري، حيث إن عناصر هاتين الجريمتين وقعت على أراضي دول عديدة أطراف في نظام روما الأساسي، وذلك وفقاً للمادة 12 (2-أ) من هذا النظام.

كما تتيح ذلك السابقة القضائية أيضاً المشار إليها أعلاه، دون الحاجة إلى أن تحيل أو تطلب تلك الدول ذلك من المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية؛ وأهم تلك الدول: الأردن، اليونان، إيطاليا، ألمانيا، السويد، هولندا، النروج، النمسا، الدانمارك، المملكة المتحدة، بلجيكا، كندا. ولكن يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية لا ترغب في الدفاع عن دول أطراف في نظام روما الأساسي، وقعت على أراضيها عناصر جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري، رغم أنها فعلت ذلك في الحالة البنغلاديشية.

ويعدّ ذلك كله دفاعاً مُستتراً من المحكمة -وبالأخص من مدعيها العام- عن نظام بشار الأسد وجرائمه، إذ لم يحل هذا المدعي العام الحالة السورية المتعلقة بجريمتيْ الترحيل والتهجير القسري إلى الدائرة التمهيدية، للفصل في موضوع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

ثانياً: لو أحالت الدول الأطراف في نظام روما الأساسي المذكورة أعلاه -والتي لجأ إليها السوريون- جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، وفقاً للمادة (14) من نظام روما الأساسي، واستناداً إلى المادة 12 (2-أ) من نظام روما الأساسي، وعملا بالسابقة القضائية أيضاً المشار إليها أعلاه؛ لكانت المحكمة مُجبرة على ممارسة اختصاصها، ولكن تلك الدول لم تفعل من أجل ألا يحاسب نظام الأسد المجرم!! فهل قيادات تلك الدول تخون أوطانها بذلك؟! سؤال ينتظر إجابة من قيادات وشعوب تلك الدول والمدّعين العامّين فيها.

لو أحالت الدول الأطراف في نظام روما الأساسي المذكورة أعلاه -والتي لجأ إليها السوريون- جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، وفقاً للمادة (14) من نظام روما الأساسي، واستناداً إلى المادة 12 (2-أ) من نظام روما الأساسي، وعملا بالسابقة القضائية البنغلاديشية؛ لكانت المحكمة مُجبرة على ممارسة اختصاصها، ولكن تلك الدول لم تفعل من أجل ألا يحاسب نظام الأسد المجرم!! فهل قيادات تلك الدول تخون أوطانها بذلك؟!

ثالثاً: يحق لشعوب تلك الدول قانوناً (الدول الأطراف في نظام روما الأساسي والواقعة على أراضيها عناصر جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري) التقدم بادعاءات لدى النائب/المدعي العام في كل دولة من تلك الدول (وفقاً للنظام القضائي لكل دولة)، بشأن وجود جريمتين وقعتا على أراضي دولة النائب/المدعي العام وفقاً لما تم بيانه أعلاه، ومطالبته بالتحقيق وبأن يطلب من القيادة السياسية في دولته (وهي سلطة تنفيذية مُلزَمة بالاستجابة لأوامر قضائها الوطني) بأن تُحيل هذه الأخيرة للمحكمة الجنائية الدولية، للتدخل على أساس مبدأ قانوني هو "عدم الكفاية القضائية" والتحقيق والمحاكمة بتلك الجريمتين.

رابعاً: أما الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي، والتي وقعت على أراضيها جريمتا الترحيل والتهجير القسري؛ فإنه وفقاً للمادة (12) (2-أ) التي نصت على دولة طرف بنظام روما الأساسي، أو دولة قبلت باختصاص المحكمة، ووفقاً لنص الفقرة 3 من ذات المادة (12)؛ يحق لتركيا مثلاً -وهي دولة غير طرف في نظام روما الأساسي- أن تُعلن قبولها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقاً للفقرة 3 من المادة (12) من نظام روما الأساسي.

وبالتالي يمكنها أن تحيل إلى/أو تطلب من المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام فيها التحقيق في جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري اللتين وقعتا على أراضيها، بفعل إجرام النظام بحق الشعب السوري؛ وذلك وفقاً للمادة (12) (2-أ) والسابقة القضائية المشار إليها أعلاه. وهذا ما ينطبق أيضاً على لبنان والعراق ومصر، وكل دولة غير طرف في نظام روما الأساسي هاجر إليها السوريون بسبب جريمتيْ الترحيل والتهجير القسري.

ملاحظة: في النهاية؛ لا بُدَّ من الإشارة إلى أن صاحب الرأي والتحليل القانوني الوارد هنا خبير دكتور في القانون، وقد فَضَّلَ عدم ذكر اسمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.