من سيخضع أولاً في صراع الناقلات.. إيران أم بريطانيا؟

REFILE - ADDING RESTRICTIONS Undated handout photograph shows the Stena Impero, a British-flagged vessel owned by Stena Bulk, at an undisclosed location, obtained by Reuters on July 19, 2019. Stena Bulk/via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. MANDATORY CREDIT.

رغم أن المتحدث الجديد باسم الحكومة الإيرانية السيد علي ربيعي رفض وجود أي علاقة لاحتجاز السفينة البريطانية في مضيق هرمز بموضوع احتجاز بريطانيا للسفينة الإيرانية في مضيق جبل طارق، وتبعه وزير الخارجية الإيرانية السيد محمد جواد ظريف في تصريح مشابه؛ فإنه لا يخفى على أحد أن أهم أسباب إيقاف السفينة البريطانية كان قيام البحرية البريطانية باحتجاز سفينة إيرانية قبلها بثلاثة أسابيع تقريبا.

ولتأكيد ذلك؛ ربما من الممكن الإشارة إلى تصريح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي -قبل احتجاز السفينة البريطانية بيومين- حين هدد بالرد على بريطانيا، وكذلك تصريحات رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني الذي قال إن احتجاز السفينة البريطانية كان ردا من قبل الحرس الثوري على احتجاز سفينة إيرانية.

وإذا ما دخلنا في الكواليس القانونية للاحتجازيْن؛ فإن البحرية البريطانية -حسب القوانين الدولية- قامت باحتجاز السفينة الإيرانية بحجة أنها تشك في أن مقصدها ميناء بانياس السوري، وهي بذلك تخرق العقوبات الأوروبية على الحكومة السورية؛ في حين أن بعض المتخصصين في الشؤون الدولية يؤكد أن العقوبات الأوروبية -وفقا للقوانين الدولية- لا تشمل الدول الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وعليه فحتى وإن كانت سفينة "غريس وان" الروسية التي كانت تحمل نفطا إيرانيا مكررا (مازوت وزفت وكيروسين) متجهة إلى سوريا؛ فإن البحرية البريطانية لا يحق لها إيقاف هذه الباخرة. هذا إضافة إلى أن إسبانيا اعترضت على إيقاف "غريس وان" في مياهها الإقليمية، وصرح وزير خارجيتها بأن البحرية البريطانية قامت بإيقاف هذه السفينة بطلب من الولايات المتحدة.

إذا دخلنا في الكواليس القانونية للاحتجازيْن؛ فإن البحرية البريطانية -حسب القوانين الدولية- قامت باحتجاز السفينة الإيرانية بحجة أنها تشك في أن مقصدها ميناء بانياس السوري، وهي بذلك تخرق العقوبات الأوروبية على الحكومة السورية؛ في حين أن بعض المتخصصين في الشؤون الدولية يؤكد أن العقوبات الأوروبية -وفقا للقوانين الدولية- لا تشمل الدول الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي

وهذه النقطة الأخيرة تؤكد أن الولايات المتحدة وبريطانيا خططتا لهذه العملية بأهداف أكبر من موضوع توجه السفينة إلى سوريا. فهم كانوا يعلمون جيدا بأن هذه السفينة لا يمكنها أن ترسوَ في ميناء بانياس السوري، وأنها كانت تدخل البحر الأبيض المتوسط لتوزع البترول المكرر على زبائن إيران الأوروبيين.

ويمكن القول إن أحد أهداف الأميركيين كان كشف الزبائن الأوروبيين الذين يشترون النفط الإيراني ويهرّبونه إلى أوروبا، وكذلك إقفال منافذ إيران لتجاوز العقوبات الأميركية.

ولكن حسب ما يشير إليه الدبلوماسيون في الخارجية الإيرانية؛ فإن أهم هدف للأميركيين والبريطانيين من العملية هو دفع إيران للرد باحتجاز سفينة بريطانية، كي يغطوا حينها على الإعلان الإيراني عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، إضافة إلى رفع نسبة التشنج في منطقة الشرق الأوسط وإقناع دول العالم بضرورة الانضمام إلى أي ائتلاف يشكّل لحماية الملاحة في مضيق هرمز.

ولهذا السبب؛ فإنه منذ احتجاز سفينة "غريس وان" اتخذ الإيرانيون قرارا بمحاولة حل الأزمة بشكل دبلوماسي، ورغم التصعيد في المنطقة لرفع التكلفة على بريطانيا بسبب احتجازها السفينة فإنهم حاولوا العمل خلف الكواليس لحل الأزمة.

ومن جهة أخرى؛ فإن مجموعات داخل إيران كانت تؤكد منذ البداية أن السبيل الوحيد للجم بريطانيا والولايات المتحدة هو احتجاز بواخر بريطانية -وليس حتى باخرة واحدة- من قبل الحرس الثوري، وعدم الاكتراث لأي خطة خلف الكواليس. ويمكن القول إن صوت الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي، وهو قائد سابق للحرس الثوري؛ كان أعلى هذه الأصوات في هذا المجال.

وفي الواقع؛ فإن وزير الخارجية البريطانية جيرمي هانت وعد نظيره الإيراني بحل أزمة الناقلة قبل حلول يوم 19 يوليو/تموز، ولكن الإيرانيين فوجئوا بقرار المحكمة تمديد احتجاز هذه السفينة لمدة ثلاثين يوما. وعلى الفور؛ استغل الحرس الثوري مخالفات السفينة البريطانية "ستينا إمبرو" فقام باحتجازها بنفس الطريقة التي قامت بريطانيا باحتجاز سفينة "غريس وان".

وكان الحرس الثوري قد قام -قبلها بيومين- باحتجاز سفينة بريطانية أخرى كانت ترفع علم بنما، وذلك باتهامها بتهريب البنزين الإيراني، وقد أكدت السلطات البنمية أن هذه السفينة كانت تهرّب الوقود. وفي نفس الليلة؛ قام الحرس الثوري الإيراني باحتجاز سفينة بريطانية أخرى باسم "مصدر"، ولكن تم الإفراج عنها بعد أقل من ساعة تقريبا.

سحبت الولايات المتحدة يدها من موضوع حماية السفن البريطانية مؤكدة أنها تقع على عاتق البحرية البريطانية، ومشددة على ضرورة إيجاد ائتلاف دولي لحماية الملاحة في المنطقة، ربما يكون المقصود منه حمل الدول العربية على أن تدفع فاتورته. وحسب بعض المصادر الدبلوماسية الأوروبية في طهران؛ فإن الدول الأوروبية غير مقتنعة بالانجرار خلف الولايات المتحدة في تحدياتها لإيران

وقد سحبت الولايات المتحدة يدها من موضوع حماية السفن البريطانية مؤكدة أنها تقع على عاتق البحرية البريطانية، ومشددة على ضرورة إيجاد ائتلاف دولي لحماية الملاحة في المنطقة، ربما يكون المقصود منه حمل الدول العربية على أن تدفع فاتورته.

وحسب بعض المصادر الدبلوماسية الأوروبية في طهران؛ فإن الدول الأوروبية غير مقتنعة بالانجرار خلف الولايات المتحدة في تحدياتها لإيران، وعليه فإنها غير مستعدة لكي تشكل ائتلافا يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الصراعات، وبدلا من ذلك تفضل العمل على خفض الصراع في المنطقة.

وفي هذا السياق؛ تجد بريطانيا نفسها في مستنقع ربما لم تكن تتوقعه، ذلك أن الدول الأوروبية لا تجاريها في حماية سفنها، وخاصة بعد انتخاب بوريس جونسون لرئاسة الحكومة البريطانية، وهو الموالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كما أن تكلفة هذه الحماية عالية جدا على بريطانيا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ولا يمكن لبحريتها أن تحمي جميع السفن البريطانية بالمنطقة فعددها يتجاوز ستمئة سفينة شهريا. وقد تضاعفت تكلفة تأمين السفن البريطانية التي تريد أن تتجه للمنطقة أكثر من عشرة أضعاف، الأمر الذي يضر بشكل كبير بالاقتصاد البريطاني.

وفي المقابل؛ فإن إيران لا تريد أن تزيد التوتر في المنطقة ولكنها تعلم جيدا أنها إذا سمحت للموضوع بأن يمرّ مرور الكرام فيمكن أن يتحول إلى بدعة، يتم من خلالها احتجاز حاملات النفط الإيرانية في أرجاء العالم، وبالتالي يتم تصفير صادرات النفط الإيراني بشكل واقعي. ولذلك فإنها هددت دوما بأنها لن تسمح لأي دولة بأن تصدّر نفطها من هذه المنطقة إذا لم يُسمح لها هي بتصدير نفطها.

وفي حين يتصور البعض أن المقصود من تهديدات إيران هو إقفال مضيق هرمز؛ فإن الأشهر الماضية أثبتت أن المقصود ليس إظهار القدرة على إقفال مضيق هرمز فقط، بل وإثبات أن إيران وحلفاءها يمكنهم أن يدمروا كل آبار البترول والمرافئ وخطوط إمداد النفط في المنطقة، كي لا تستطيع دول المنطقة إنتاج البترول وتصديره.

وطبعا من شأن القيام بهذا العمل أن يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، وهذا ما يريده "فريق الباءات الأربع" (جون بولتون/ بنيامين نتانياهو/ محمد بن زايد/ محمد بن سلمان)؛ كما يسميه وزير الخارجية الإيرانية.

حسب ما يتوقعه الدبلوماسيون الأجانب في طهران؛ فإن الحكومة البريطانية الجديدة ستسعى لحل هذه المسألة بشكل دبلوماسي لتخطي هذه العقبة بالسرعة الممكنة، وطبعا تحتاج لإيجاد سبيل لحفظ ماء وجه بريطانيا في هذا المجال. وعليه؛ فمن المتوقع أن تتجاوب إيران وبريطانيا مع الوساطات الدولية مثل الوساطة العُمانية

وبالتأكيد؛ فإن إيران أيضا لا تريد لهذه الحرب أن تحصل، ولكن إيجاد ائتلاف أميركي لحماية الملاحة في المنطقة -كما يسعى له "فريق الباءات الأربع"- من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إيران وأعضاء هذا الائتلاف، لأن الائتلاف رسميا سيكون موجها تجاه إيران. وعليه؛ فإن إيران أيضا تفضل ألا تدخل في هذه المتاهة ويريد حل الأزمة بشكل سياسي.

وحسب ما يتوقعه الدبلوماسيون الأجانب في طهران؛ فإن الحكومة البريطانية الجديدة ستسعى لحل هذه المسألة بشكل دبلوماسي لتخطي هذه العقبة بالسرعة الممكنة، وطبعا تحتاج لإيجاد سبيل لحفظ ماء وجه بريطانيا في هذا المجال. وعليه؛ فمن المتوقع أن تتجاوب إيران وبريطانيا مع الوساطات الدولية مثل الوساطة العُمانية.

ويمكن أن يكون مفتاح الحل هذه المرة عبر الروس الذين يملكون سفينة "غريس وان"، ويشكل عدد من ملاحيهم كوادر السفينة البريطانية المحتجزة في ميناء بندر عباس الإيراني. ولكن المؤكد هو أن نطاح الكباش بين إيران وبريطانيا سوف يستمر حتى نرى من سينهار أولا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.