ما لم يذكره وثائقي "الساعات الأخيرة" على الجزيرة
بداية؛ أقدم التهنئة للإعلامي المتميز جمال الشيال على إنتاج الفيلم الوثائقي "الساعات الأخيرة"، الذي تمت إذاعته على قناة الجزيرة يوم الأحد 24 فبراير/شباط 2019.
لقد استطاع الفيلم توثيق عدة مواقف: أولها؛ ما سماه د. عمرو دراج عملية الخداع الإستراتيجي التي قامت بها المؤسسة العسكرية المصرية طوال فترة من الزمن، ولعب عبد الفتاح السيسي فيها دورا محوريا.
ثانيا؛ تم إلقاء الضوء على الدور الذي قامت به ما تسمى القوى المدنية في تهيئة وتسهيل قبول الانقلاب العسكري في الخارج، واستخدامهم لإتمام هذه الخدعة ثم الاستغناء عنهم.
ثالثا؛ ألقى الفيلم الضوء على الدور الأميركي وموقف واشنطنمن الأطراف المختلفة أثناء الانقلاب، وتباين المواقف داخل الإدارة الأميركية. وتم تناول دور بعض الدول الخليجيةومواقفهم ذلك الوقت.
بصفتي الشاهد الرئيسي للأحداث الأخيرة، ورغم ما استطاع الفيلم توثيقه كما ذكرت؛ فإنني أبدي بعض التحفظ على صورة معينة فُرضت على المشاهد في بداية الفيلم، وتم توظيف أجزاء من الشهادات لخدمة هذه الصورة |
كما استعرض الفيلم السيولة في المواقف من الأطراف المختلفة، وكيف أن عملية التفاوض كانت قائمة ومستمرة حتى الساعات الأخيرة.
وأخيرا؛ ركّز الفيلم على الموقف الشخصي للرئيس محمد مرسي من التطورات، مع إلقاء الضوء على البعد الإنساني والنفسي في اللحظات الأخيرة.
وبصفتي الشاهد الرئيسي للأحداث الأخيرة، ورغم ما استطاع الفيلم توثيقه كما ذكرت؛ فإنني أبدي بعض التحفظ على صورة معينة فُرضت على المشاهد في بداية الفيلم، وتم توظيف أجزاء من الشهادات لخدمة هذه الصورة.
وما أستطيع التحدث عنه هو إحدى الوقائع التي ذكرتها وللأسف لم تُعرض بالكامل، وهي تحديدا واقعة العشاء الرسمي؛ عندما أكد السيسي ضرورة الحفاظ على د. مرسي والمشروع الإسلامي، فللأسف لم يكمل الفيلم باقي هذه الرواية وأخطأ في وضع سياقها الزمني.
فقد حدثت هذه الواقعة في الفترة الأولى لتولي الفريق السيسي وزارة الدفاع، وليس كما أشار الفيلم من أنها حدثت قرب النهاية.
والأهم من ذلك هو أنني ذكرت هذه القصة نموذجا لكوننا -كفريق رئاسي- كنا نتعامل مع هذا الرجل على أنه يتلاعب منذ البداية، وأنه يظهر ويقول شيئا ويضمر شيئا آخر.
ففي اللحظة التالية لهذه النقطة -والتي لم ترد في الفيلم- سألني جمال الشيال: وماذا كان رد فعلك؟ فقلت له إني بصعوبة تمالكت نفسي حتى لا أضحك. وهو ما يخرج هذه الواقعة من السياق الذي وُضعت فيه، وهي أننا كفريق رئاسي كنا مغيبين ولم ندرك ما يحدث إلا بعد فوات الأوان، وهي الصورة التي أراد الفيلم أن يوصلها، وهي عملية الخداع التي قام بها الجيش فعليا.
وللأسف؛ لم يتعرض الفيلم لجزء كبير من الحوار الذي تم تسجيله معي، ربما لالتزام البرنامج بوقت محدد، أو ربما لكثرة الضيوف.
ما دفعني للتعليق هنا هو أنني وجدت هذه الصورة المغلوطة قد استقرت عند كثير من المشاهدين بشأن حقيقة إدراكنا لما يُحاك حولنا. فما غاب عن الفيلم -رغم أنه تم توثيقه خلال اللقاء- هو: متى وكيف واجهنا كفريق محاولات الانقلاب المختلفة؟ |
وما دفعني للتعليق هنا هو أنني وجدت هذه الصورة المغلوطة قد استقرت عند كثير من المشاهدين بشأن حقيقة إدراكنا لما يُحاك حولنا. فما غاب عن الفيلم -رغم أنه تم توثيقه خلال اللقاء- هو: متى وكيف واجهنا كفريق محاولات الانقلاب المختلفة؟
وتعليقي هذا ليس بهدف تقييم ما إن كنا تصرفنا تصرفاً صحيحاً أو ناقصاً، ولا أحاول حتى أن ألتمس المبررات. ولكنني أنفي بشدة التناول السطحي للأحداث، وتصدير صورة أن الفريق الذي كان حول الرئيس لم يكن يعلم، وأنه خُدع بسهولة، وأنه لم يقاوِم.
وكما ورد في الفيلم؛ قام الجيش بلعبة الخداع والاستخدام، فقد خدع من خدع واستخدم من استخدم، وفي النهاية تم الانقلاب بالدبابة وتجييش كل مؤسسات الدولة العميقة، وبدعم إقليمي وتعامي دولي، وتواطؤ -حتى ولو بنية حسنة- من القوى المدنية التي وفرت غطاء مدنيا له.
والسؤال الأعمق الذي أنا على استعداد للتفاعل معه (دون ادّعاء للحكمة وبمعلوماتنا وقتها) هو: ما الذي كان بالإمكان؟ وماذا تم لإيقاف المؤسسة العسكرية -المستعدة لاستخدام القوة المُمِيتة- بأساليب سلمية ديمقراطية في ظل مطالب تنموية حقيقية بعد ثورة شعبية وضغوط وقيود دولية؟ وإذا لم يكن هناك وسيلة واضحة لذلك؛ فما هي الطريقة الأفضل التي كانت ممكنة للانسحاب بدون القضاء على روح الثورة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.