تنظيم "الدولة الإسلامية" ما بعد البغدادي

FILE - This file image made from video posted on a militant website Saturday, July 5, 2014, which has been authenticated based on its contents and other AP reporting, purports to show the leader of the Islamic State group, Abu Bakr al-Baghdadi, delivering a sermon at a mosque in Iraq during his first public appearance. An online image released Wednesday purported to show the Islamic State affiliate in Egypt had beheaded a Croatian hostage. (AP Photo/Militant video, File)

أسدِل الستار مؤخرا على حقبة قيادة أبو بكر البغدادي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك ليلة الأحد (27 أكتوبر/تشرين أول 2019) بغارة جوية أميركية شاركت فيها مقاتلات حربية وطائرات مسيرة مفاجئة، وقتلت خلالها قوةٌ أميركية خاصة البغدادي في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

وقد أثيرت جملة من الأسئلة بشأن مستقبل التنظيم ما بعد البغدادي، ودلالة توقيت عملية الاغتيال، ومعرفة هوية الزعيم الجديد، وماهية الإستراتيجيات والآليات القتالية التي سيلجأ إليها التنظيم بعد خسارته لقائده، ومدى مصداقية ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على "خلافة داعش 100%".

إن أي قراءة تعرفية دقيقة لطبيعة السيناريوهات المستقبلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" بعد البغدادي، لا بد أن تستند إلى فهم طبيعية الهيكلة التنظيمة، والسردية الإيديولوجية لتنظيم الدولة مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى، ومعرفة ماهيىة العناصر المنتمية إليه.

فعندما تولى البغدادي زعامة تنظيم "الدولة الإسلامية" بالعراق -منذ قرابة تسع سنوات- خلفا لأبي عمر البغدادي، ورث منظمة محاصَرة ومشتتة وضعيفة وهشة ومتداعية وتوشك على الأفول، وسرعان ما صعد بالتنظيم خلال أربعة أعوام ليصبح قوة قتالية مرعبة تسيطر على مساحات واسعة بالعراق وسوريا ويتمدد في بلدان عديدة، وقد تطلب وقف تمدده وإنهاء سيطرته المكانية تشكيل تحالف دولي من أكثر من 75 دولة بقيادة الولايات المتحدة.

وسط محيط تسود فيه ذهنية المؤامرة؛ ثمة قناعة شائعة أن أميركا -فضلا عن غيرها من القوى- لم تكن جادة في اغتيال البغدادي، وأنها كانت توظفه لتحقيق أجندة سياسية وأهداف إستراتيجية، وتفسر نظرية المؤامرة هذه نجاح عملية اغتيال البغدادي بانتهاء دوره الوظيفي؛ لكن الحقيقة أن اغتيال البغدادي لم يكن مهمة سهلة، فمنذ صعود نجمه تواصلت عمليات تعقُّبه لاغتياله من أطراف محلية وإقليمية ودولية عديدة، ووضعت واشنطن مكافأة مالية كبيرة (25 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تقود إلى مكانه.

وقد نجا البغدادي من سلسة طويلة من محاولات الاغتيال بهجمات جوية، وأصيب مرة واحدة على الأقل -بحسب تقارير استخبارية-  وأعلن عن مقتله مرات عديدة. وزعمت الحكومة العراقية أنها تمكنت من قتله أكثر من مرة، وجاءت عملية الاغتيال الأخيرة الناجحة تتويجا لسلسلة طويلة من العمليات الفاشلة السابقة.

لقد أعلِن مقتل البغدادي عدة مرات من قبل أطراف مختلفة، ومن أشهرها إعلان وزارة الدفاع الروسية في 16 يونيو/حزيران 2017 بأن ثمة معلومات تدل على مقتل البغدادي بإحدى غارات القوات الجوية الروسية على الرقة السورية موضع شك، وقد تكاثرت إعلانات مقتل البغدادي عقب سيطرة التنظيم على الموصل 2014، بلغت ذروتها في مارس/آذار 2015.

إن أي قراءة تعرفية دقيقة لطبيعة السيناريوهات المستقبلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" بعد البغدادي، لا بد أن تستند إلى فهم طبيعية الهيكلة التنظيمة، والسردية الإيديولوجية لتنظيم الدولة مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى، ومعرفة ماهيىة العناصر المنتمية إليه

يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر التنظيمات الجهادية تطورا على صعيد تماسك الهيكلة التنظيمية والصلابة الإيديولوجية، فقد شكّل ذروة تطور غير مألوفة في نشاط الجماعات "الجهادية" العالمية، وبدت هيكلته وإيديولوجيته مبتكرة في العديد من خصائصها وإستراتيجياتها.

فرغم طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من مناطق سيطرته الحضرية المدينية في العراق وسوريا، وخسارته آخر جيب مكاني له في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور يوم 23 مارس/آذار 2018 على أيدي "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن؛ فإن التنظيم لا يزال يتمتع بقدرات قتالية وتمويلية وإعلامية كبيرة.

وقد كشفت الوقائع الميدانية عن سرعة تكيّف التنظيم مع التطورات الميدانية، وتمتعه بمرونة شديدة بالتحول من نهج المركزية إلى حالة اللامركزية؛ حيث تمكن من إجراء إعادة هيكلة تنظيمية على الصعيد العسكري والأمني والإداري والشرعي والإعلامي، فمع نهاية المشروع السياسي للتنظيم كدولة "خلافة"، عاد إلى حالة "المنظمة"، ورجع إلى الاعتماد على تكتيكاته القتالية التقليدية بالاعتماد على نهج الاستنزاف وحرب العصابات.

في هذا السياق؛ فإن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على تنظيم الدولة بعد مقتل البغدادي، لا يعدو كونه جهلا فاضحا، وكذبا واضحا، وتبريرا لقراره الانسحاب من سوريا. وقد أعلن ترامب قبل ذلك عن هزيمة "داعش" 16 مرة، وهو ما لا يشاركه في تقييمه أحد في العالم، ولذلك تولت الردود على ادعاءاته على نطاق واسع.

فجو بايدن المنافس لترامب على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب في انتخابات 2020، قال: إن "تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يمثل تهديدا للشعب الأميركي ولحلفائنا، وعلينا مواصلة الضغط لمنعه من إعادة تجميع صفوفه أو تهديد الولايات المتحدة مجددا"، أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فقالت في بيان: إن "مقتل البغدادي أمر مهم. لكنه لا يعني موت تنظيم الدولة الإسلامية".

وغردت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي -عبر "تويتر"- قائلة: "البغدادي.. تقاعد مبكر لإرهابي لكن ليس لتنظيمه"، كما غرد رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بقوله إن "مقتل البغدادي لحظة مهمة في قتالنا ضد الإرهاب، لكن المعركة ضد داعش لم تنته بعد". أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أكد أن مقتل البغدادي "ضربة موجعة لداعش، ولكنّها لا تمثّل سوى مرحلة".

إن موجة الانتقادات الواسعة لإعلانات ترامب المتتالية عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، قوبلت دوما بالإدانة والاستنكار والاستغراب، وقد تبجح عقب مقتل البغدادي بصواب رؤيته بشأن محاولة التخفيف من موجة الانتقادات، ومحاولة صرف الأنظار عن مشاكله الداخلية، فقد خلق إعلان ترامب المفاجئ الانسحاب من سوريا في كانون أول/ ديسمبر 2018 حالة من الفوضى والبلبلة، أدت إلى استقالة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس اعتراضا على القرار.

وعندما أعلن ترامب هذا الشهر أنه سيسحب القوات الأميركية من شمال سوريا مُفسحاً المجال لشن هجوم تركي على الأكراد -حلفاء واشنطن في وقت ما- حذر كثيرون من أن ترامب يُضعِف بذلك شوكة الحملة الرامية إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وحسب الخبراء والمحللين؛ فإن ترامب أهدى تنظيم الدولة بانسحابه أكبر فوز له منذ أكثر من أربع سنوات وأمّن آفاق مستقبله.

إن تقييم قدرات تنظيم الدولة الإسلامية، والتنبؤ بإمكان عودته تكاثرت مؤخرا؛ فقد أشار تقرير حديث صدر في 6 أغسطس/آب الماضي عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى أن تنظيم الدولة أعاد ترتيب صفوفه ليظهر من جديد في سوريا، مستغلاً الانسحاب الأميركي، وأكد التقرير على أن التنظيم عزز من قدراته المسلحة في العراق.

إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على تنظيم الدولة بعد مقتل البغدادي، لا يعدو كونه جهلا فاضحا، وكذبا واضحا، وتبريرا لقراره الانسحاب من سوريا. وقد أعلن ترامب قبل ذلك عن هزيمة "داعش" 16 مرة، وهو ما لا يشاركه في تقييمه أحد في العالم، ولذلك تولت الردود على ادعاءاته على نطاق واسع

وعقب تقرير البنتاغون بيوم؛ قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن حول التهديد الذي يمثله التنظيم- إن الأخير يمتلك مبالغ تصل إلى 300 مليون دولار، بقيت معه بعد زوال "الخلافة" في العراق وسوريا، وأن انخفاض وتيرة الهجمات التي يشنها "قد يكون مؤقتا".

وأعرب عن ثقته بقدرة التنظيم على توجيه هذه الأموال لدعم أعمال إرهابية داخل العراق وسوريا وخارجهما عبر شركات غير رسمية لتحويل الأموال، مؤكدا تمتعه بالاكتفاء الذاتي المالي عبر شبكة من المؤيدين والجماعات التابعة له في أماكن أخرى بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.

يؤكد محللون وخبراء عسكريون أن القضاء على "الخلافة" لا يعني أن خطر "المنظمة" قد زال؛ فالإعلان عن هزيمة التنظيم، ينطوي على خلط بين الهزيمة المتحققة للمشروع السياسي للتنظيم كدولة "خلافة" تفرض سيطرتها على مساحات جغرافية واسعة وتقيم حكامتها على عدة ملايين من السكان، وبين حالة المنظمة التي تعمل بطريقة مختلفة، وبهذا لم يهزم تنظيم "الدولة الإسلامية"  كمنظمة.

فحسب تقرير معهد "دراسات الحرب" في واشنطن، بعنوان "عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل" الصادر نهاية يونيو/حزيران 2019، فإن تنظيم "الدولة" اليوم أقوى مما كان عليه إبان حقبة "دولة العراق الإسلامية" التي ورثت "القاعدة في بلاد الرافدين"، فعندما انسحبت أميركا من العراق عام 2011 كان لدى التنظيم في العراق حوالي 700 إلى 1000 مقاتل، بينما بلغ عدد مقاتليه بالعراق وسوريا في أغسطس/آب 2018 -وفقًا لتقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية- 30 ألف مقاتل.

وقد استطاع "تنظيم الدولة" تأسيس جيش كبير مكنه من استعادة الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق، والسيطرة على معظم شرق سوريا خلال ثلاث سنوات فقط، وسوف يتعافى التنظيم بشكل أسرع بكثير مما حدث في العودة الأولى، وسيصل إلى مستوى أكثر خطورة من القوة في ولادته الثانية.

إذا كان أبو بكر البغدادي قد ورث منظمة ضعيفة وهشة من سلفه أبو عمر البغدادي، فإنه سيوّرث خلَفه منظمة متماسكة هيكليا وممتدة جغرافيا؛ فقبل مقتله ظهر في شريط مصور يوم 29 أبريل/نيسان 2019 بعنوان "في ضيافة أمير المؤمنين"، مدشنا بذلك عودة مرتقبة للتنظيم بعد اكتمال عملية إعادة الهيكلة التنظيمية العسكرية والأمنية والإدارية والمالية والشرعية والإعلامية، وإقرار الخطط العسكرية لاستئناف "حرب استنزاف".

وقد تم استعراض "تقارير شهرية" عن فروع التنظيم وعددها 12 ولاية، وأعلن التنظيم وجوده رسميا في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن والسعودية والجزائر، وفي خراسان (منطقة أفغانستان وباكستان) و"القوقاز" و"شرق آسيا" وينشط غالبا في الفلبين والصومال، وفي "غرب أفريقيا" وينشط غالبا في نيجيريا.

تُظهر البيانات التي جمعها قسم المتابعة الإعلامية في "بي بي سي"، أنه رغم خسارة التنظيم للكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق بنهاية عام 2017؛ فإنه كان وراء 3670 هجوما في العالم خلال عام 2018 (حوالي 11 هجوما يوميا)، هذا بالإضافة إلى 502 هجوم في أول شهرين من 2019 أثناء حصار الباغوز.

ورغم ذلك؛ لا يزال التنظيم مقتصدا في تكتيكاته المفضلة ممثلة بالعمليات الانتحارية والانغماسية المتنوعة والمركبة، وقد اعتمد -منذ 31 مايو/أيار 2019- على تكتيكات جديدة في إطار "حرب الاستنزاف"، تقوم على مبدأ أطلق عليه "إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين"، وقد نشرت صحيفة "النبأ" التابعة له سلسلة من أربعة أجزاء لشرح التكتيك الجديد، حيث دعا التنظيم مقاتليه إلى تجنب الاشتباكات المباشرة مع العدو.

استطاع "تنظيم الدولة" تأسيس جيش كبير مكنه من استعادة الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق، والسيطرة على معظم شرق سوريا خلال ثلاث سنوات فقط، وسوف يتعافى التنظيم بشكل أسرع بكثير مما حدث في العودة الأولى، وسيصل إلى مستوى أكثر خطورة من القوة في ولادته الثانية

كما شرحت هذه السلسلة كيف يستطيع المقاتلون -من خلال حرب العصابات- إضعاف العدو دون تكبد خسائر، وقالت إن من بين أهداف هجمات الكر والفر احتجاز الرهائن وتحرير الأسرى والاستيلاء على أموال العدو.

إن مقارنة ولادة "تنظيم الدولة" الأولى بولادته الثانية تظهر قدرة التنظيم على الانبعاث مجددا؛ فقد شهد تنظيم "دولة العراق الإسلامية" بداية عام 2009 تراجعاً واضحاً، بعد اعتماد واشنطن على إستراتيجية الجنرال ديفد بتريوس بتدفق القوات وزخم الصحوات بالعراق، وتقلصت أعداد التنظيم إلى قرابة 700 إلى 1000 مقاتل في مناطق معزولة ونائية.

ومع حلول عام 2010؛ أصدر تنظيم "دولة العراق الإسلامية" مراجعة تقويمية وتقديراً للموقف، وحددت رؤيته المستقبلية في العراق مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية، فقد أصدر وثيقة إستراتيجية بعنوان "خطة إستراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية".

وعقب خروج القوات الأميركية من العراق عام 2011؛ أعلن التنظيم بدء العمل بخطة "هدم الأسوار" في يوليو/تموز 2012، ثم أعلن بدء خطة جديدة بعنوان "حصاد الأجناد" في 29 يوليو/تموز 2013، انتهت بالسيطرة على الموصل في يونيو/حزيران 2014.

تشير القدرات العسكرية والمالية والإعلامية لـ"تنظيم الدولة" إلى أن من سيخلف البغدادي في زعامة التنظيم سيكون في وضعية تتفوق على وضعية البغدادي عن استلامه قيادة التنظيم؛ فالهيكلة التنظيمية واضحة تماما، ولن يجد التنظيم صعوبة في اختيار القائد الجديد.

يبدو أن عبد الله قرداش هو الأوفر حظا في خلافة البغدادي؛ ووفقًا للمعلومات المتاحة عنه، فإن "قرداش" يلقب بـ"المدمر" ومعروف أيضًا باسم أبو عمر التركماني. ورغم نسبته إلى "التركمان"؛ فإن قيادات داخل تنظيم الدولة -من بينهم إسماعيل العيثاوي المعتقل في العراق- يؤكدون "قرشية قرداش". وقد رجح العيثاوي -في لقاء تلفزيوني له بعد اعتقاله- تولي "قرداش" قيادة التنظيم في حالة غياب البغدادي.

شغل "قرداش" منصب أمير ديوان الأمن العام في سوريا والعراق، وهو أحد أقوى الدواوين داخل التنظيم. كما أشرف في وقت سابق على ديوان المظالم، وهو ضمن الإدارات الخدمية التي أنشأها التنظيم خلال سيطرته على المدن، وتولى منصب مسؤول التفخيخ والانتحاريين في التنظيم.

وفي حال تعذر تولي "قرداش" قيادة التظيم، لأسباب منها احتمال مقتله حسب مصادر في التنظيم؛ فإن حجي عبد الناصر العراقي هو المرشح الثاني، وقد أدرجته الخارجية الأميركية على قوائم الإرهاب نهاية عام 2018. ويتولى العراقي قيادة ما يعرف بـ"اللجنة المفوضة" المسؤولة عن إدارة التنظيم، وتولى سابقا منصب العسكري العام لما يعرف بولاية الشام سابقًا، وأشرف بنفسه على قيادة معارك التنظيم في الرقة.

إن تنظيم الدولة الإسلامية ما بعد البغدادي لن يجد صعوبة في تعيين قائد جديد، وسيلتف التنظيم حوله ويسانده، فقد كشف التنظيم منذ تأسيسه عن قدرة فائقة على التكيّف مع التحولات والمستجدات، وقد تمكن -خلال فترة وجيزة بعد طرده من مناطق سيطرته- من إعادة الهيكلة والعمل كمنظمة لا مركزية، ولا تزال جاذبيته الإيديولوجية مرتفعة

إن خليفة البغدادي في قيادة تنظيم الدولة سيرث منظمة تتفوق بصورة واضحة على المنظمة التي ورثها البغدادي إبان حقبة "دولة العراق الإسلامية"؛ إذ تؤشر أرقام متطابقة -صادرة عام 2018 عن الأمم المتحدة ووكالة الاستخبارات ووزارة الدفاع بأميركا- إلى أن عدد مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا بين 20 و30 ألف مقاتل.

وحسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية؛ فإن هذا العدد لا يشمل مقاتلي التنظيم الموجودين في فروعه الأخرى، فخريطة نشاط التنظيم وانتشاره تتوسع في مناطق وبلدان عديدة، إذ يتمتع التنظيم بحضور كبير في أفغانستان، ولا يزال التنظيم يشن هجمات في شبه جزيرة سيناء المصرية، ويحافظ على قدرته التشغيلية في اليمن وجنوب شرق آسيا ووسط آسيا.

وتعتبر القارة الأفريقية ساحة بديلة لتنظيم الدولة مع إصراره على تعدد الجبهات والملاذات، وخصوصا منطقة الساحل والصحراء الأفريقية وكذلك غرب أفريقيا وشرقها. ولا تزال شبكات التنظيم ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و"ذئابه المنفردة" تشكل خطرا على أميركا وأوروبا.

خلاصة القول؛ إن تنظيم الدولة الإسلامية ما بعد البغدادي لن يجد صعوبة في تعيين قائد جديد، وسيلتف التنظيم حوله ويسانده، فقد كشف التنظيم منذ تأسيسه عن قدرة فائقة على التكيّف مع التحولات والمستجدات، وقد تمكن -خلال فترة وجيزة بعد طرده من مناطق سيطرته- من إعادة الهيكلة والعمل كمنظمة لا مركزية، ولا تزال جاذبيته الإيديولوجية مرتفعة، وقدراته المالية جيدة، وقدرته على استقطاب المقاتلين على الصعيد المحلي تتنامى.

وفي المقابل؛ لا يزال الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في العراق وسوريا هشًّا، وتفتقر القوات الرسمية المحلية إلى الكفاءة والموارد اللازمة لملاحقة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، في ظل تحول التنظيم إلى نهج حرب الاستنزاف وتكتيكات حرب العصابات.

ويشكل ضعفُ الاستقرار، وتراجع عمليات إعادة الإعمار، إلى جانب سوء الحوكمة، وسيادة منظومة الفساد، وشيوع الاستبداد، وتفشي الطائفية؛ الحاضنةَ الكافية لعودة تنظيم الدولة. وفي منطقة رخوة تعاني من التدخلات الخارجية وصراع القوى الإقليمية والعالمية؛ فإن عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" هي مسألة وقت ليس إلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.