أشد أيام ترامب حلكة وسوادا
هذا ليس التوقيت المناسب لكي تكون دونالد ترامب.. من المؤكد أن وقتا طويلا مَرّ منذ كان ذلك مناسبا، لكن هذه هي الفترة الأشد قسوة في رئاسته حتى الآن.
ويُظهِر ترامب ذلك دون مداراة؛ إذ كان مساعدوه يكافحون لإسكاته، ليس بدنيا، ولكن كل ما هو دون ذلك. وكما هو متوقع، لم تكلل جهودهم بالنجاح تماما. وتفيد تقارير صحافيين مسؤولين أن مساعدي ترامب في البيت الأبيض (الأشبه بالغربال) يقولون إن الرئيس الأميركي يشعر بالوحدة والضيق.
لا ينبغي أن يكون الشعور بالوحدة مفاجئا، لأن ترامب ليس شخصا يقيم صداقات وثيقة. وقد أثبت مرارا وتكرارا أن الولاء في نظره شارع ذو اتجاه واحد. وعمليا، لا أحد يعمل لصالحه قد يشعر بالأمان. بل وربما لا أحد غير ابنته إيفانكا قد يكون في مأمن من غضبه الشديد الذي يدفع في النهاية العديد من الشركاء إلى الخروج من دائرته.
مؤخرا، ازدادت حدة شعور ترامب الطبيعي برثاء الذات؛ فهو لا يزال يشكو وينوح لأن المدعي العام جيف سيشنز أنقذ نفسه من التحقيق في تدخل روسيا في انتخابات عام 2016. لكن ترامب يواجه مشاكل أشد سوءا. فرئيس حملته السابق بول مانافورت لم يُدَن بثماني تهم بالاحتيال والتهرب الضريبي فحسب، بل وربما بما يحقق أعظم مخاوف ترامب، قرر أيضا التعاون مع روبرت مولر، المستشار الخاص الذي يقود التحقيق في الشأن الروسي والجهود التي بذلها ترامب لعرقلة التحقيق بشأن ما إذا كانت حملته (بل وحتى إدارته) تآمرت مع الكرملين. ومن الواضح أن مولر العنيد ضغط على مانافورت لحمله على التعاون لتجنب محاكمة أخرى مكلفة.
ترامب ليس شخصا يقيم صداقات وثيقة. وقد أثبت مرارا وتكرارا أن الولاء في نظره شارع ذو اتجاه واحد. وعمليا، لا أحد يعمل لصالحه قد يشعر بالأمان، بل وربما لا أحد غير ابنته إيفانكا قد يكون في مأمن من غضبه الشديد الذي يدفع في النهاية العديد من الشركاء إلى الخروج من دائرته |
ألقى ترامب بعض تلميحات إلى أنه قد يعفو عن مانافورت، لكنه نُصِح -واستمع إلى النصيحة هذه المرة- بأن القيام بذلك قبل انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني سيكون كارثيا على الجمهوريين وبالتالي عليه شخصيا. ومن الواضح أن مانافورت حسب أنه لا يستطيع أن يراهن على العفو في وقت لاحق -فماذا لو أصبح ترامب ذاته عُرضة لخطر قانوني شديد في ذلك الوقت؟ ــ ولا يستطيع أن يتحمل محاكمة أخرى. كما أن صفقته مع مولر تجرده من أغلب ممتلكاته وعشرات الملايين من الدولارات، لكنه كان على استعداد لقبول خسائر مالية ضخمة لتجنب احتمال قضاء بقية حياته في السجن.
إلى جانب خفض عقوبة السجن المحتملة (بمقدار غير معلوم)، كان مانافورت يريد أيضا ترتيبا يضمن بقاء عائلته في مأمن. فهو في نهاية المطاف يعتزم إعطاء المدعين تحت رئاسة مولر كل ما يرغبون في معرفته عن بعض أنصار القِلة الروسية المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، وهم أشخاص ليسوا لطيفين بشكل خاص في التعامل مع من يخونهم.
وما يزيد الطين بلة أن محامي ترامب منذ فترة طويلة، وهو مايكل كوهين، وافق أيضا على التعاون مع المدعي العام. ويعرف كوهين الكثير عن ممارسات ترامب التجارية السابقة، كما كشف عن أنه رتب لدفع المال للنساء اللواتي مارس ترامب معهن الجنس (وإن لم يعترف بذلك) مقابل صمتهن قبل الحملة الانتخابية الرئاسية. وهذا أيضا وضع ترامب في مواجهة خطر قانوني.
والآن يتعلق ترشيح بيرت كافانوه، الذي اختاره ترامب لكي يحل محل قاضي المحكمة العليا المتقاعد أنتوني كينيدي، بأرق الخيوط، ويمكن سحبه في أي لحظة. كان كافانوه اختيارا لا يخلو من خطورة منذ البداية. وباختياره من قائمة ضمت مرشحين محتملين آخرين محافظين بشدة قدمتها إلى الرئيس الجمعية الفيدرالية اليمينية، كان كافانوه متميزا بوجهات نظره غير العادية بشأن السلطة الرئاسية. وقد كتب كافانوه أنه يعتقد أن الرئيس لا يجوز التحقيق معه أو مقاضاته أثناء توليه منصبه.
لو استولى الديمقراطيون على مجلس النواب فقط، فسوف تصبح حياة ترامب أشد تعقيدا، نظرا لمجموعة من التحقيقات التي سوف يطلقونها، وإجراءات الاتهام والعزل المحتملة. وإذا استولى الديمقراطيون على مجلس الشيوخ أيضا، فقد يجد ترامب نفسه في مأزق بالغ القسوة |
الواقع أن هذا الرأي القائل بأن الرئيس فوق القانون فريد (بقدر ما هو معروف) بين الباحثين القانونيين الجادين. وجاذبية هذه الرأي في نظر ترامب واضحة. فضلا عن ذلك، تميل آراء كافانوه إلى أقصى اليمين بشأن قضايا أخرى أيضا، وفي جلسات تأكيده أعرب عن هذه الآراء بلا أدنى شك. وفيما يتصل بأمور أخرى، بما في ذلك حقوق الإجهاض، كان زلقا في ردوده، وهناك أدلة جديرة بالتصديق تشير إلى أنه كذب على اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ بشأن مسائل أخرى.
لكن أغلب الجمهوريين في اللجنة كانوا مستعدين لدفع ترشحه إلى الإقرار بسرعة: فبرغم أنه لم يكن اختيارا شعبيا، فقد حصل على دعم القاعدة الجمهورية، بما في ذلك الكثير من اليمين المسيحي. وقد ظل هذا الدعم الأساسي ثابتا حتى بعد أن تقدمت كريستين بلاسي فورد، وهي أستاذة في جامعة كاليفورنيا، فزعمت أن كافانوه اعتدى عليها جنسيا وهو مخمور عندما كانا في المدرسة الثانوية.
وكان القادة الجمهوريون حريصين كل الحرص على تأكيد كافانوه قبل انتخابات التجديد النصفي، خشية أن يبقى ناخبوهم في بيوتهم بسبب إحباطهم بل وربما حتى غضبهم لو لم يتم تأكيده، وفي هذه الحالة قد يتحول أسوأ كوابيسهم، استيلاء الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب، إلى حقيقة. وكان هذا هو الموقف عندما ظهرت تقارير حول امرأة أخرى تدعي تعرضها لسوء سلوك جنسي من جانب كافانوه، وإن كانت قصتها أقل رسوخا، على الأقل في البداية.
وإضافة إلى كل هذا الارتباك نشر أحد كتب بوب وودوارد بعنوان "الخوف"، والذي يعرض (مثله في ذلك مثل كتب سابقة عن ترامب، ولكن بدرجة أعظم وبقدر أكبر من العمق) صورة مدمرة للبيت الأبيض المختل. وبشكل خاص، أظهر الكتاب -إلى جانب مقال افتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز كتبه مسؤول كبير في الإدارة لم يذكر اسمه- إلى أي مدى قد يذهب المساعدون لمنع رئيس غافل، وجاهل، ومصاب بجنون الاضطهاد والعظمة، من ارتكاب فِعلة كارثية باندفاع وتهور.
وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال/إن بي سي صَدَر يوم الأحد الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول، تقدم الديمقراطيين على الجمهوريين لانتخابات مجلس النواب بنحو 12 نقطة مئوية، وهو فارق غير عادي. وكان من الممكن على نحو متزايد أن يستعيد الديمقراطيون السيطرة أيضا على مجلس الشيوخ. وكان ترامب يأمل أن لا يمثل مشكلة في هذه السباقات، لكن هذه النتيجة كانت محتمة. فلم يكن لدى الجمهوريين سوى القليل الذي يمكنهم اللجوء إليه.
وحتى لو استولى الديمقراطيون على مجلس النواب فقط، فسوف تصبح حياة ترامب أشد تعقيدا، نظرا لمجموعة من التحقيقات التي سوف تطلقها الأغلبية الجديدة بكل تأكيد، وإجراءات الاتهام والعزل المحتملة. وإذا استولى الديمقراطيون على مجلس الشيوخ أيضا، فقد يجد ترامب نفسه في مأزق بالغ القسوة. لكن هذا وارد على أية حال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.