نقطة التحول القادمة في معركة المناخ

FILE - This July 10, 2008 file photo made with a fisheye lens shows ice floes in Baffin Bay above the Arctic Circle, seen from the Canadian Coast Guard icebreaker Louis S. St-Laurent. In the annual Arctic Report Card, released Tuesday, Dec. 15, 2015 by the National Oceanic and Atmospheric Administration. a record emerged for sea ice, which appears when Arctic Ocean water freezes. If governments are serious about the global warming targets they adopted in Paris, scientists say they have two options: eliminating fossil fuels immediately or finding ways to undo their damage to the climate system in the future. The first is politically impossible _ the world is still hooked on using oil, coal and natural gas _ which leaves the option of a major cleanup of the atmosphere later this century. (AP Photo/The Canadian Press, Jonathan Hayward)

*باتريشا اسبينوزا وآن هيدالجو

ستعقد في شهر سبتمبر/أيلول 2018 بمدينة سان فرانسيسكو القمة العالمية للعمل المناخي، وهي واحدة من أضخم التجمعات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي. إن هذه الفعالية والتي سيكون شعارها "دعونا نرفع الطموح للمستوى التالي" تهدف إلى أن تكون بمثابة انطلاقة لبذل المزيد من الجهود لتمكين العالم من تحقيق الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015.

إن هذه الفعالية هي بمثابة فرصة ذهبية لإحراز تقدم فيما يتعلق بالجهود لمكافحة الاحتباس الحراري، ولكن لا يمكن اغتنام هذه الفرصة إلا بمشاركة جميع الأطراف التي لديها مصلحة في هذا الخصوص.

لقد وافق المجتمع الدولي بموجب اتفاقية باريس للمناخ على الحد من ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية لتقتصر على 2 درجة مئوية فقط -وفي الوضع المثالي 1.5 درجة مئوية فقط- فوق مستويات ما قبل الصناعة ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تم تكليف الحكومات بتطوير خططها الخاصة بها للعمل المناخي "المساهمات التي يتم تحديدها على مستوى الحكومات ".

لكن الحكومات لا تستطيع عمل ذلك لوحدها فالجميع -بما في ذلك على جميع المستويات الحكومية وقادة قطاع الأعمال والمستثمرين والمجتمع المدني- يتوجب عليهم المساهمة، وهذا يتطلب شكلا جديدا من التعددية الشاملة بحيث نستطيع كذلك تطبيقه من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي تكمل التزامات اتفاقية باريس.

مهمة الحد من الارتفاع الحراري لن تكون سهلة، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي تدعونا للتفاؤل، فهناك زخم عالمي غير مسبوق من أجل بناء مستقبل يتميز بالكربون المنخفض والأمن المناخي واقتصاد ديناميكي صديق للبيئة ومجتمع مزدهر وبيئة صحية

إن هذه المهمة لن تكون سهلة، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي تدعونا للتفاؤل، فهناك زخم عالمي غير مسبوق من أجل بناء مستقبل يتميز بالكربون المنخفض والأمن المناخي واقتصاد ديناميكي صديق للبيئة ومجتمع مزدهر وبيئة صحية.

تشكل الطاقة المتجددة على مستوى العالم 70% من صافي الإضافات للقدرة على توليد الطاقة في سنة 2017 طبقا لتقرير الوضع العالمي عن الطاقة المتجددة لسنة 2018، كما أنه طبقا لتحالف آندر تو فإن هناك أكثر من 200 دولة ومنطقة وسلطة محلية ملتزمة بخفض انبعاثات غاز الدفيئة الخاصة بها بما لا يقل عن 80% أقل من مستويات 1990 بحلول سنة 2050.

إن المراكز الحضرية كذلك قد عملت على تحسين قدراتها فيما يتعلق بالابتكار والقيادة بالنسبة للمناخ؛ فمدينة نيويورك أعلنت تعديل 14500 بناية من أكثر البنايات تلويثا للبيئة في المدينة، كما أصبحت مدينة شينزين أول مدينة في العالم لديها أسطول حافلات يعمل بشكل كامل بالطاقة الكهربائية، وأنشأت مدينة أوسلو ميزانية لحساب التأثير المناخي، وذلك من أجل الاسترشاد بها عند اتخاذ القرارات المالية.

على المستوى التجاري هناك أكثر من 700 شركة بقيمة سوقية تتجاوز مبلغ 16 تريليون دولار أميركي قد عملت التزامات شاملة تتعلق بالمناخ وذلك طبقا لائتلاف وي مين بيزنيس، كما قام 289 مستثمر لديهم أصول تصل قيمتها إلى 30 تريليون دولار أميركي تقريبا بالتوقيع على المناخ 100+، وهي مبادرة مدتها خمس سنوات من أجل التواصل مع أضخم الشركات التي تبث غاز الدفيئة في الجو، وذلك من أجل تحسين إدارتها لموضوع التغير المناخي والحد من الانبعاثات وتعزيز الإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ، ونتيجة لذلك فإن إصدار السندات الخضراء العالمية قد يصل إلى 300 مليار دولار أميركي هذا العام.

نحن ما زلنا بعيدين عن مرحلة الأمان فالعلماء يتفقون أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية يجب أن تصل إلى نقطة تحول سنة 2020 لو أردنا أن نحصل على الحياد الكربوني (أي انبعاثات قليلة لدرجة القدرة على امتصاصها بشكل آمن من قبل الغابات والتربة وغيرها من الأنظمة الطبيعية) بحلول منتصف القرن. وحتى الآن فهناك 50 بلدا تقريبا ربما قد حققت ذروة الانبعاثات فيها، وهناك بلدان أخرى عديدة قد تحذو حذوها قريبا، وهذا يعتبر تقدما ولكنه ليس كافيا.

في واقع الأمر فإن غازات الدفيئة في الجو ما تزال تتراكم بمعدل قد يأخذنا قريبا إلى ما هو أعلى من عتبة الدرجة ونصف مئوية، مما يعني أنه لن يكون بإمكاننا تجنب بعض من أسوأ التأثيرات للتغير المناخي.

أصبحت أحوال الطقس القاسية أكثر شيوعا، وطبقا للتوجهات الحالية فإن معدل درجات الحرارة العالمية قد يرتفع ليصبح أعلى من 3 درجات مئوية، مما قد يعرض للخطر أنظمة طبيعية حيوية مثل الشعاب المرجانية والغابات المطيرة والمناطق القطبية

لقد أصبحت أحوال الطقس القاسية أكثر شيوعا كما رأينا في درجات الحرارة التي سجلت ارتفاعا لم يسبق له مثيل هذا العام. وطبقا للتوجهات الحالية فإن معدل درجات الحرارة العالمية قد يرتفع ليصبح أعلى من 3 درجات مئوية، مما قد يعرض للخطر أنظمة طبيعية حيوية مثل الشعاب المرجانية والغابات المطيرة والمناطق القطبية.

إن جميع الأطراف الذين لديهم مصلحة في هذا الخصوص بحاجة إلى تعزيز التزاماتهم المناخية. ومن أجل البدء بتلك العملية فقد أصدرت القمة العالمية للعمل المناخي وشركاؤها مجموعة واسعة من التحديات الجديدة تشمل أهدافا تتعلق بالقضاء على الانبعاثات في المدن وهي تستهدف قيام 500 شركة بتبني أهداف علمية ومبادرات من أجل زيادة عدد المركبات التي لا تبث أي انبعاثات في الجو.

إن مثل هذه الجهود لن تحمي بيئتنا فحسب؛ بل ستعزز كذلك من اقتصاداتنا. وطبقا لتقرير أصدرته مؤسسة ذا نيو كلايمت إيكونومي مؤخرا فإن التحول القائم في قطاع النقل فقط على خفض الكربون سيخلق 23 مليون فرصة عمل عالميا بشكل سنوي.

وربما الأهم من ذلك كله أن إظهار الطموح المتعلق بالعمل المناخي من قبل القادة من كافة القطاعات من المرجح أن يلهم الحكومات زيادة المساهمات التي تحددها قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في بولندا في ديسمبر/كانون الأول القادم حيث ستعمل الحكومات على وضع اللمسات الأخيرة لإرشادات تطبيق اتفاقية باريس.

إن التصرف وحيدا يمكن أن يكون صعبا، علما أن العمل الجماعي يمكن أن يمكن جميع المشاركين ويلهمهم لعمل المزيد. ولو أردنا أن نترك كوكبا صحيا للأجيال المستقبلية فإننا بحاجة لعمل المزيد.

—————-
* باتريشا اسبينوزا هي السكرتيرة التنفيذية لمعاهدة الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بالتغير المناخي.
آن هيداجو هي عمدة باريس ورئيسة مبادرة مدن سي 40.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.