هل يمكن لدول الخليج الاستهداء بأنساق الوحدة الأوروبية؟

اجتماع وزراء خارجية دلو مجلس التعاون الخليجي في الكويت تحضيرا للقمة الخلجيية- مصدر الصورة:وكالة الأنباء الكويتية (كونا)

مع أن مجلس التعاون الخليجي كان تجربة مثالية الأهداف، فإن الخبرة أثبتت أن بنيته الفكرية لم تستطع تلبية الحاجة إلى الاختلاف والتعدد على نحو ما كانت تلبي الدعوة إلى الحشد والتعبئة، وربما يتمثل حل هذه الإشكالية في الالتفات إلى الدراسة المتأنية لآفاق التجربة الأوربية في الاتحادات المتعددة الأشكال والأهداف والتاريخ والنتائج.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن سجل التاريخ المعاصر سبع روابط كبرى لتوحيد أوربا أو لانتظامها في شبه مسبحة واحدة، أربع من هذه الروابط تقتصر على دول أوربا فقط، وثلاث أخرى تضم دولا قليلة من خارجها.

وسنناقش في هذا المقال بطريقة عملية سريعة لا تخلو من التنويهات التاريخية المفيدة ما ترتب على عضوية هذه الكيانات من الفروق المنشئة للتمييز بين دول أوربا وبعضها البعض.

– نبدأ بإشارة سريعة إلى أوسع هذه الكيانات عضوية وهي منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي في أوربا: تأسست في أغسطس/آب 1975 وتضم الآن 57 عضوا منها 48 من الدول الأوربية الخمسين (ولا تفتقر إلى عضويتها إلا موناكو وكوسوفا فقط)، وبالإضافة إلى الدول الأوربية فإنها تضم تسع دول هي أميركا وكندا شريكتا أوربا في حلف شمال الأطلسي، ودولة أفريقية واحدة هي المغرب، و5 دول آسيوية هي الجمهوريات الإسلامية التي كانت سوفيتية ودولة آسيوية سادسة هي منغوليا. ويمكن القول بأن هذه المنظمة تجمع دول حلفى الناتو ووارسو معا.

– أما الناتو وهو حلف شمال الأطلسي (مقره في بروكسل) فلا يضم من خارج المنطقة الأوروبية إلا أميركا وكندا، تأسس من 10 دول في 4 إبريل/نيسان 1949 وأصبح يضم 29 دولة منها 27 أوروبية.

– مجلس أوربا الذي يتخذ من ستراسبورغ مقرا، وهو كيان مختلف عن البرلمان الأوربي الذي أصبح أكثر شهرة، والذي يتخذ من ستراسبورغ أيضا مقرا، وقد تأسس المجلس من 10 دول في 5 مايو/أيار 1949 أي بعد تأسيس الناتو بشهر وكانت 8 من الدول المؤسسة له قد اشتركت في تأسيس حلف الناتو، وهو يضم الآن 47 من الخمسين إذ لا تحظى بعضويته روسيا البيضاء ولا الفاتيكان ولا كوسوفو.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن سجل التاريخ المعاصر سبع روابط كبرى لتوحيد أوربا أو لانتظامها في شبه مسبحة واحدة، أربع من هذه الروابط تقتصر على دول أوربا فقط، وثلاث أخرى تضم دولا قليلة من خارجها

– منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (مقرها باريس) تأسست في 1961 عن الكيان الذي نشأ مواكبا لمشروع مارشال، وكانت الدول المؤسسة له 20 دولة 18 منها أوربية، ثم أميركا وكندا، وقد تطورت عضوية هذه المنظمة بضم أعضاء أوربيين وغير أوربيين حتى وصل إلى 35 عضوا منهم 9 أعضاء غير أوربيين: أميركا وكندا، وسبع دول قبلت تباعا هي اليابان 1964 وأستراليا 1971 ونيوزلندا 1973 والمكسيك 1974 وكوريا الجنوبية 1996 وإسرائيل 2010 وشيلي 2010.

– أما الكيان الذي عرف لوقت طويل باسم السوق الأوربية المشتركة (مقره في بروكسل) فتأسس في 1957 من ست دول وتطور حتى أصبح الاتحاد الأوربي الذي يضم الآن 28 دولة، وقد لخصت قصته في كتابي "حياتي في ألمانيا ".

– أما الرابطة الأكثر شهرة بسبب السياحة وهي رابطة اتفاقية شينغن فتضم الآن 26 دولة بطريقة رسمية (لكنها بحكم وقوع ثلاث من الدول داخل حدودها تصبح 29 بطريقة عملية). وهي تضم 22 دولة أعضاء في الاتحاد الأوربي وأربعا تجتمع مع بعضها فيما يسمى برابطة الإفتا أو التجارة الحرة التي تعرف نفسها صراحة بما يعني أنها أخت الاتحاد الأوربي.

– الرابطة الأكثر تعبيرا عن نفسها في الحياة اليومية للأوربيين والزائرين هي عملة اليورو الذي تم الاتفاق عليه بدءا من 1985 ثم الأخذ به حسابيا، ثم تفعيله في سوق التعاملات مع مطلع 2002.

من المفترض نظريا أن تكون كل دولة أوربية تتمتع بهذه العضويات السبع لكن الواقع أن هذا لايزال بعيدا، وإذا اعتبرنا نظام النقاط بمثابة تعبير عن حظوظ الدول الأوروبية من هذه العضويات فإننا نستطيع أن نرتب هذه الدول في مجموعات، تبدأ بأعلاها وهي الحائزة لسبع نقاط 26% فقط، وتنتهي إلى أقلها الحائزة على نقطة واحدة فقط.

المجموعة الأولى 13 دولة (26%) تتمتع بالعضويات السبع كلها، وهذه الدول من ثلاث طبقات:

– الطبقة الأولى: الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوربي حين كان يسمى السوق الأوربية المشتركة (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ).

– الطبقة الثانية تضم ثلاث دول أوربية قديمة في السوق الأوربية لكنها ليست مؤسسة وإنما تحوز ترتيب العاشر والحادي عشر والحادي عشر (مكرر) في أقدمية هذه العضوية وهي اليونان وإسبانيا والبرتغال.

– الطبقة الثالثة أربع دول من شرق أوربا انضمت للاتحاد الأوربي في 2004 (ضمن عشر دول)، وتحتل كل منها ترتيب السادس عشر (مكرر) في ترتيب عضوية الاتحاد الأوربي، ويتعلق الأمر بدولتين من دول البلطيق التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي وهي إستونيا ولاتفيا والدولتان السلافيتان أو السلوفيتان (وليستا السلفيتين)؛ سلوفينيا وهي إحدى الدول السبع الناشئة من تفكك الاتحاد اليوغسلافي، وسلوفاكيا وهي واحدة من الدولتين التي انقسمت إليهما تشيكوسلوفاكيا.

المجموعة الثانية 7 دول (14%) تحقق ست عضويات، وتنقصها عضوية واحدة أيا ما كانت هذه العضوية الناقصة ( الشنغن أو اليورو أو منظمة التعاون الاقتصادي) لكن الملاحظ أن أصحاب النقاط الخمس يجمعون عضوية الاتحاد الأوربي و الناتو والمجلس ومنظمة الأمن بلا استثناء 

– دولتان في الاتحاد الأوربي تتمتعان بست عضويات لكنهما ليستا عضوتين في حلف شمال الأطلنسي؛ وهما النمسا، وفنلندا التي صورت رمزا من رموز الحياد بأسلوب مختلف عن أسلوب الحياد السويسري، وقد انعقدت فيها ثلاث قمم بين الرئيسين الأميركي والسوفييتي/الروسي مع اختلاف الرؤساء، وبهذا فإن فنلندا هي أكثر الدول الإسكندنافية اندماجا في الاتحاد الأوربي شأنها شان الدانمارك (مع اختلاف طبيعة النقاط).

إذا اعتبرنا نظام النقاط بمثابة تعبير عن حظوظ الدول الأوروبية من هذه العضويات فإننا نستطيع أن نرتب هذه الدول في مجموعات بدءا من أعلاها وهي الحائزة لسبع نقاط 26% فقط، وانتهاءا بأقلها الحائزة على نقطة واحدة فقط

– أربع دول أوربية تتمتع بست عضويات لكنها لا تستخدم اليورو حتى الآن وهي الدانمارك التي كانت سابع الدول المؤسسة للسوق الأوربية المشتركة، كما أنها من المؤسسات لحلف الناتو، وبهذا فإن الدانمارك هي أكثر الدول الإسكندنافية اندماجا في الاتحاد الأوربي بخمس نقاط شأنها شان فنلندا، ويشترك مع الدانمارك في هذا الوضع المميز ثلاث من دول أوروبا الشرقية حديثة الانضمام لكل من الاتحاد الأوربي (في 2004) وحلف الناتو (1999): بولندا والتشيك والمجر.

– دولة تتمتع بست عضويات لكنها ليست عضوا في منظمة التعاون الاقتصادي وهي ليتوانيا.

المجموعة الثالثة 6 دول (%12)، تحقق خمس عضويات من العضويات السبع:
– دولتان تتمتعان بخمس عضويات لكنهما ليستا عضوين في الاتحاد الأوربي ولا اليورو وهما دولتان إسكندنافيتان: أيسلندا والنرويج، وإن اعتبرت أيسلندا أوثق صلة بالاتحاد الأوربي لأنها من الدول المرشحة للانضمام للاتحاد.

– دولة تتمتع بخمس عضويات لكنها ليست عضوا في اليورو ولا في حلف الأطلسي وهي السويد.

– دولة تتمتع بخمس عضويات لكنها لا تستخدم اليورو ولا الشينغن وهي بريطانيا التي هي من الدول المؤسسة للحلف، كما أنها ثامن دولة في تاريخ السوق الأوربية المشتركة.

– دولة تتمتع بخمس عضويات لكنها ليست عضوا في حلف الأطليي ولا الشينغن وهي جمهورية إيرلندا.

– دولة تتمتع بخمس عضويات لكنها ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي ولا في منظمة التعاون الاقتصادي؛ وهي مالطا.

المجموعة الرابعة 8 دول (%16)، تحقق أربع عضويات فقط من العضويات السبع:

– دولة تتمتع بأربع عضويات في الناتو والمجلس ومنظمة التعاون الاقتصادي ومنظمة الأمن ومرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي لكنها لم تصبح عضوا فيه ولا تستخدم الشينغن ولا اليورو وهي تركيا.

– دولة هي أحدث أعضاء الناتو وعضو في المجلس ومنظمة الأمن كما أنها تستخدم اليورو بطريقة غير رسمية ومرشحة للانضمام للاتحاد الأوربي بينما هي ليست عضوا في منظمة التعاون الاقتصادي ولا الشينغن، و هي الجبل الأسود.

– دولة تتمتع بأربع عضويات لكنها لا تستخدم اليورو، كما أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوربي ولا حلف الناتو وهي سويسرا.

– دولة تتمتع بأربع عضويات لكنها ليست في حلف الأطلسي ولا منظمة التعاون الاقتصادي ولا الشينغن وهي قبرص.

– دولة عضو في المجلس ومنظمة الأمن فقط وتستخدم اليورو بصفة رسمية والشينغن بما يسمى حكم الأمر الواقع سان مارينو.

– ثلاث دول شرقية تتمتع بأربع عضويات لكنها لا تتمتع بعضويات منظمة التعاون الاقتصادي ولا اليورو ولا الشينغن، اثنتان منها تمتعتا بعضوية حلف وارسو، وهما رومانيا وبلغاريا أما الثالثة فكانت جزءا من الاتحاد اليوغسلافي وأصبحت عضوا في حلف الناتو في 2009 وهي آخر أعضاء الاتحاد الأوربي انضماما بترتيب الـ 28، وهي كرواتيا.

المجموعة الخامسة 5 دول (تمثل 10%) تتمتع بثلاث عضويات:
– دولة تتمتع بعضوية حلف الناتو والمجلس ومنظمة الأمن ومرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي وهي ألبانيا.

– الرابطة الأكثر تعبيرا عن نفسها في الحياة اليومية للأوربيين والزائرين هي عملة اليورو الذي تم الاتفاق عليه بدءا من 1985 ثم الأخذ به حسابيا، ثم تفعيله في سوق التعاملات مع مطلع 2002

– دولة تتمتع بعضوية حلف الناتو والمجلس ومنظمة الأمن وهي ليختنشتاين. وهنا ينبغي لنا أن نشير إلى أن ليختنشتاين ليست دولة في داخل محيط دولة أخرى وإنما هي ذات حدود مع دولتين هما النمسا وسويسرا.

– دولة عضو في المجلس ومنظمة الأمن وتستخدم اليورو بطريقة ودية أو غير رسمية وهي أندروا (ذات حدود مع دولتين هما فرنسا وإسبانيا).

– دولة عضو في منظمة الأمن فقط، وتستخدم اليورو بصفة رسمية كما تستخدم الشينغن بما يسمى حكم الأمر الواقع: الفاتيكان.

– دولة عضو في المجلس فقط وتستخدم اليورو بصفة رسمية كما تستخدم الشينغن بما يسمى حكم الأمر الواقع: موناكو.

المجموعة السادسة 9 دول (%18) وهي الدول ذات النقطتين
– دولتان تحوزان عضوية المجلس ومنظمة الأمن وليستا في الاتحاد الأوربي ولا الناتو ولا منظمة التعاون الاقتصادي ولا الشينغن ولا اليورو، لكنهما مرشحتان للاتحاد وهما صربيا ومقدونيا.

– سبع دول أوربية أعضاء في المجلس ومنظمة الأمن لكنها لا تتمتع بعضوية الاتحاد الأوربي ولا الناتو ولا الشينغن ولا اليورو، ولا هي مرشحة وهذه الدول هي: روسيا وأوكرانيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا ومولدافيا والبوسنة.

المجموعة السابعة دولتان (%4) ذات نقطة واحدة.

– دولة في منظمة الأمن فقط لكنها لا تتمتع بعضوية الاتحاد الأوربي ولا حلف الناتو ولا الشينغن ولا اليورو، وهي روسيا البيضاء.

– دولة ليست عضوا حتى الآن في الاتحاد الأوربي ولا المجلس ولا حلف الناتو ولا منظمة الأمن ولا منظمة التعاون الاقتصادي ولا الشينغن، لكنها تستخدم اليورو بطريقة غير رسمية وهي كوسوفو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.