عرب أفريقيا.. بين رغبات الاندماج ومعوقات التكيف
اهتمام عربي متأخر
منغصات الاندماج
يشكل انعقاد القمة الأفريقية المزمع تنظيمها يوم 30 يونيو/حزيران الجاري في العاصمة الموريتانية نواكشوط، محطةً هامة في مسار تمدد وانتشار مساعي تعزيز الأواصر الأفريقية إلى الفضاءات العربية، التي تنتمي جغرافياً إلى قارة أفريقيا.
فرغم دينامية المبادرات والتكتلات الإقليمية الساعية للاندماج خارج وداخل أفريقيا في العقدين الأخيرين؛ فإن الدول العربية المنتمية إلى الاتحاد الأفريقي ظلت مشلولة الأداء الدبلوماسي، وفاقدة للفاعلية التي تتناسب مع حجم بعضها داخل الاتحاد والتكتلات الأفريقية المعنية بقضايا الاقتصاد والتنمية، والمحاذية لها جغرافياً.
كل ذلك كان قبل موجة حراك التطبيع المتسارع التي أطلقتها -قبل أشهر- دول محورية في الشمال الأفريقي، في خطوات تصالحية مع الاتحاد وبعض تكتلاته الإقليمية الهامة.
اهتمام عربي متأخر
قبل حوالي سنة تقريبا؛ عبّرت ثلاث دول في شمال أفريقيا عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لتنمية دول غرب أفريقيا (إكواس)، في توجه عكس رغبة صانعي القرار بدول المغرب وموريتانيا وتونس للانضمام لهذا التكتل المحوري، والذي يضم دولا مؤثرة سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا في رسم ملامح إستراتيجيات القارة مثل نيجيريا والسنغال.
ومع أن أي بلد من هذه البلدان الثلاثة لم ينل لحد الساعة العضوية الكاملة لهذا التكتل، إلا أن موريتانيا -التي كانت عضوا سابقا في هذا التكتل قبل الانسحاب منه سنة 2000- والمغرب قطعتا أشواطا كبيرة لدخول "إكواس".
أما تونس فلم تترجم رغبتها الانخراط في التكتل بإجراءات ملموسة، وقد يكون لحسابات وضعها الداخلي المتقلب علاقة ببطء تحقيق طموح التقارب مع أهم نادٍ في أفريقيا جنوب الصحراء.
وكانت عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الأفريقي -في دورته الـ28 المنعقدة في يناير/كانون الثاني 2017 بأديس أبابا– خطوةً هامة، باعتبارها تشكل تصالحا للمغرب مع فضائه الأفريقي، وتعزز الحضور العربي في البيت الأفريقي.
رغم دينامية المبادرات والتكتلات الإقليمية الساعية للاندماج خارج وداخل أفريقيا في العقدين الأخيرين؛ فإن الدول العربية المنتمية إلى الاتحاد الأفريقي ظلت مشلولة الأداء الدبلوماسي، وفاقدة للفاعلية التي تتناسب مع حجم بعضها داخل الاتحاد والتكتلات الأفريقية المعنية بقضايا الاقتصاد والتنمية، والمحاذية لها جغرافياً |
لكن هذه العودة المغربية أيقظت -في المقابل- صراع الأجندات داخل الاتحاد الأفريقي، ونقلت التنافس المحموم بين الجزائر والمغرب من جغرافيا شمال أفريقيا إلى المظلة الجامعة للأفارقة.
فرؤية الاتحاد الأفريقي التقليدية -التي تُغلّب الثوابت الأساسية لمنظمة الوحدة الأفريقية (سلف الاتحاد الأفريقي) كالدفاع عن سيادة واستقلال الحوزة الترابية للدول الأعضاء، على غيرها من الملفات والتحديات الكبيرة التي تواجه القارة الأفريقية اليوم- أصبحت في تنافس مع رؤية جديدة تعتمد المقاربات البراغماتية وتجنح لتبني الاتحاد أساسا للقضايا التنموية والاقتصادية.
وتدعم هذه الرؤية دول أفريقية في طليعتها المغرب، في الوقت الذي تتصدر فيه الجزائر المجموعة الأفريقية المساندة للرؤية التقليدية للاتحاد.
ولا يقتصر تأثير الخلافات العربية البينية على فاعلية أداء الدول العربية في الاتحاد الأفريقي على دول شمال أفريقيا فقط؛ فالتوتر الدبلوماسي المستمر الذي يطبع علاقات الخرطوم بالقاهرة يلقي هو الآخر بظلاله على تنسيق مواقف هذين البلدين المحوريين بشأن الملفات الأفريقية، ويقلص من ثقلهما القاري والإقليمي في أفريقيا.
وذلك ما يجعل الدول الأفريقية القريبة منهما جغرافياً تستفيد من هذه التناقضات فتوظفها لخدمة مصالحها الإستراتيجية، كحالة إثيوبيا التي تستفيد اليوم من دعم السودان لها في بناء "سد النضهة" على جزئها من النيل، بينما تتخوف مصر من التأثير السلبي لهذا السد على مخزونها المائي.
استحضار الدول العربية الأفريقية لتبايناتها في الاتحاد الأفريقي والحرص على تصفية حساباتها بأدوات أفريقية؛ أضعف الدور العربي في الاتحاد، وفوّت على العرب الأفارقة حمل رؤية عربية موحدة ومؤثرة داخل الاتحاد الأفريقي تمنح العرب صوتا موحدا، وتتيح لهم بناء إستراتيجيات موجهة لأفريقيا.
فقد كان بإمكان العرب الاستفادة من فرص الاستثمارات الهائلة بأفريقيا، التي توفر أرضية للتأثير الإستراتيجي والدبلوماسي والسياسي والاقتصادي في قارة تتزايد أهميتها يوما بعد آخر؛ كما ضيعت الخلافات على الدول العربية الأفريقية أن تكون جسر تواصل فعال بين أفريقيا وباقي دول الجامعة العربية.
وذلك رغم القوة العسكرية لمصر والجرائر اللتين تحتلان الترتيب الأول والثاني في أفريقيا على مستوى التسليح، ورغم مساهمتهما المالية المعتبرة؛ حيث تتحملان -من بين أربع دول أفريقية- تغطية نحو نصف ميزانية الاتحاد الأفريقي.
منغصات الاندماج
تصطدم مساعي الدول العربية الأفريقية للانضمام إلى بعض التكتلات الأفريقية والتأثير في قرارات الاتحاد الأفريقي، بجملة من المطبات الأخرى تتجاوز عمق خلافاتها الذاتية.
وترتبط هذه المعوقات بإشكالات جوهرية تتمثل في الهوة السحيقة بين أغلب هذه الدول ومثيلاتها الأفريقية في محيطها الجغرافي، وفي الفضاء الأفريقي على مستوى الممارسة الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، وتحكم النخب العسكرية في الحياة العامة والسياسية.
محدودية نقاط التلاقي والتقاطعات في التوجهات الكبرى بين عرب أفريقيا وباقي دول القارة ستشكّل معوقات جوهرية في وجه تلاحم الدول العربية بالاتحاد مع بقية الدول الأعضاء. وستكون الدول العربية الطامحة للانضمام إلى "الإكواس" بالذات أمام تحدي الاندماج، بسبب ضريبة العضوية الكاملة، التي تتعلق بالسماح للمنظمة بهامش كبير من الحرية للتدخل في الأوضاع الداخلية للبلدان الأعضاء، وتقييم مسارها الديمقراطي الداخلي |
فموريتانيا -التي تستضيف القمة الأفريقية القادمة- من أكثر البلدان التي تم تعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي، وذلك إثر انقلابين عسكريين كان الأول منهما سنة 2005 والثاني سنة 2008، حين أطاح العسكر بأول رئيس مدني منتخب بصفة ديمقراطية.
وقد سجل الاتحاد الأفريقي أول رد فعل إقليمي ودولي عملي على عزل الرئيس المصري محمد مرسي بتعليقه عضوية مصر في الاتحاد، كما ندد القرار ساعتها بالإطاحة بمرسي وطالب العسكر في مصر بالتراجع عن الانقلاب وتسليم السلطة إلى الرئيس المعزول مرسي.
وقبل إعلان قرار التعليق؛ قال ساعتها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا: "لدينا فعلا حكومة منتخبة، وهي منتخبة بعملية ديمقراطية مستوفية الشروط؛ ومن ثم فإن ما يحدث في مصر حاليا يثير قلقا بالغا، ليس فقط بالنسبة لنا في أفريقيا وإنما يجب أن يكون مبعث قلق كبير لكل من يؤمن بالعملية الديمقراطية".
فالقيم الديمقراطية أصبحت مشاعة في أفريقيا بشكل متنامٍ، والاتحاد الأفريقي نفسه يلعب دورا معتبرا في تعزيز وترسيخ هذه القيم، برفضه المطلق لأي سلوك أو تصرف يحط من الإجراءات الديمقراطية في القارة، ويتسبب في إعاقة مسار عملية التناوب السلمي على السلطة.
وتلعب الدول المحورية في أفريقيا –مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال- جهودا رئيسية في هذا المجال، وذلك عبر تقديمها لنماذج مشجعة في التعاقب على السلطة بشكل ديمقراطي وسلمي، وانحيازها ودعمها للأنظمة المدنية الشرعية.
وهو ما عزز بشكل تدريجي خلوَّ قصور البلدان الأفريقية -على مدار العقد الأخير- من ذوي البزات العسكرية، بسبب تصدي الاتحاد والتكتلات الإقليمية الفاعلة فيه للانقلابات العسكرية، وإجبار قادتها على التراجع عنها.
في المقابل؛ لا تبدو أغلب الدول العربية الأفريقية وأكثرها تأثيرا في تناغم وانسجام -حتى الآن- مع تطلعات الشعوب والنخب الأفريقية (بما فيها الحاكمة منها)؛ بل إن بعض هذه الدول يحرص على تكريس محور ممانعة في وجه قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فاستمرار تحكّم العسكر والنُّخب الخارجة من عباءته -بشكل مباشر وغير مباشر- في دول مؤثرة وفاعلة (كمصر والسودان والجزائر وموريتانيا)؛ جعل دينامية تعاطي هذه الدول فاترة مع القضايا التي تمثل توجها إستراتيجياً ومصيرا بالنسبة لأفريقيا.
ويشكل موضوع محاربة الفساد أرضية أخرى من أرضيات الخلاف بين الطرفين. ففي حين ما زالت عقدة محاربة الفساد وإرساء قيم الشفافية في تسيير الأموال العمومية تتحكم في معظم قادة الأنظمة العربية الأفريقية؛ تتجه أنظمة أفريقية للقطيعة مع الفساد، حيث تتصدر نيجيريا وجنوب أفريقيا حراك الحرب على الفساد.
فرئيس نيجيريا محمد بخاري تم منحه لقب "بطل الحرب على الفساد" في القمة الأفريقية الأخيرة، التي كرست شعارها للحرب على الفساد؛ وكانت جهود محاربة الفساد مبررا للإطاحة برئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما، الذي عزله حزبه عن السلطة بعد تنامي تهم وشُبَه الفساد التي تحوم حوله.
إن محدودية نقاط التلاقي والتقاطعات في التوجهات الكبرى بين عرب أفريقيا وباقي دول القارة ستشكّل معوقات جوهرية في وجه تلاحم الدول العربية بالاتحاد مع بقية الدول الأعضاء.
وستكون الدول العربية الطامحة للانضمام إلى "الإكواس" بالذات أمام تحدي الاندماج، بسبب الضريبة والاستحقاقات التي قد تدفعها مقابل العضوية الكاملة، والتي تتعلق بالسماح للمنظمة بهامش كبير من الحرية للتدخل في الأوضاع الداخلية للبلدان الأعضاء، وتقييم مسارها الديمقراطي الداخلي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.