لنوظف الطاقة في الصالح العام للبشرية

BERLIN, GERMANY - JUNE 02: Members of the German Greens Party (Buendnis 90/Die Gruenen) protest outside the U.S. Embassy against the announcement by U.S. President Donald Trump the day before that he will pull the USA out of the Paris Agreement on June 2, 2017 in Berlin, Germany. Politicians and governments across Europe have reacted with dismay and frustration over Trump's decision to pull the world's second biggest emitter of greenhouse gases out of the Paris Agreement. Nearly all the world's acountries signed the agreement in 2015 with the goal of setting a limit to global warming in an effort to counter climate change. (Photo by Sean Gallup/Getty Images)

تشكل الأزمة المناخية التي يواجهها العالم الآن انعكاسا لأزمة أوسع نطاقا: الخلط العالمي بين الوسائل والغايات؛ فنحن نواصل استخدام الوقود الأحفوري لأننا قادرون على استخدامه (الوسيلة) وليس لأنه مفيد لنا (الغاية).

وهذا الخلط هو السبب الذي دفع البابا فرانشيسكو والبطريرك المسكوني بارثولوميو إلى تحفيزنا للتفكير بعمق بشأن ما هو مفيد حقا للبشرية، وكيفية تحقيقه.

في وقت سابق من هذا الشهر؛ دعا كل من البابا والبطريرك قادة الأعمال والعلماء والأكاديميين إلى روما وأثينا على التوالي، للتعجيل بالانتقال من الوقود الأحفوري إلى طاقة متجددة آمنة.

في القسم الأعظم من العالَم اليوم؛ انحرف الغرض من السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا. فالسياسة يُنظَر إليها على أنها مصارعة على السلطة مسموح فيها بكل شيء، والاقتصاد على أنه اندفاع لا هوادة فيه ولا شفقة إلى الثروة، والتكنولوجيا على أنها أكسير سحري لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي.

في القسم الأعظم من العالَم اليوم؛ انحرف الغرض من السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا. فالسياسة يُنظَر إليها على أنها مصارعة على السلطة مسموح فيها بكل شيء، والاقتصاد على أنه اندفاع لا هوادة فيه ولا شفقة إلى الثروة، والتكنولوجيا على أنها أكسير سحري لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي

وفي حقيقة الأمر، ووفقا لفرانسيس وبارثولوميو؛ فنحن في احتياج إلى السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا لخدمة غرض أعظم كثيرا من السلطة، أو الثروة، أو النمو الاقتصادي؛ نحن في احتياج إلى كل هذا لتعزيز رفاهة الإنسان اليوم ورفاهة أجيال المستقبل.

وربما تكون أميركا هي الأكثر خلطا وارتباكا؛ فالولايات المتحدة اليوم تتمتع بثراء أبعد من الخيال، حيث يعادل كل من دخل الأسرة المتوسطة ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما يقارب 60 ألف دولار أميركي.

وبوسع الولايات المتحدة أن تحصل على كل شيء؛ ولكن بدلا من ذلك نجد أن ما لديها اليوم هو: التفاوت المتزايد في الدخل، وانخفاض متوسط العمر المتوقع، وارتفاع معدلات الانتحار، وانتشار وباء السمنة، والجرعات الزائدة من المواد الأفيونية، وإطلاق النار في المدارس، والاختلال الاكتئابي، وغير ذلك من العلل الخطيرة.

وفي العام الماضي؛ تكبدت الولايات المتحدة خسائر قدرها 300 مليار دولار بسبب كوارث مرتبطة بالمناخ، بما في ذلك ثلاثة أعاصير ضخمة، وقد ارتفعت وتيرة وحدة هذه الأعاصير بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتمتلك الولايات المتحدة القوة الهائلة، والثروة، والنمو؛ لكنها تعاني رغم ذلك من تراجع الرفاه.

والواقع أن اقتصاد الولايات المتحدة خاضع لسيطرة جماعات الضغط التابعة للشركات الكبرى، بما في ذلك شركات النفط الضخمة. ويجري تخصيص الموارد -بلا هوادة- لتطوير المزيد من حقول النفط والغاز، ليس لأنها مفيدة لأميركا والعالم، بل لأن ذلك هو مطلب المساهمين والمديرين في إكسون موبيل وشيفرون وكونوكو فيليبس، وغيرها من الشركات.

ويعمل ترمب وأتباعه يوميا لتقويض الاتفاقيات الدولية والضوابط التنظيمية المحلية، التي كان الهدف منها التعجيل بالتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.

أجل، نحن قادرون على إنتاج المزيد من النفط والفحم والغاز؛ ولكن لأي غرض؟ ليس من أجل سلامتنا: فمخاطر الانحباس الحراري الكوكبي تخيّم على رؤوسنا فعلا؛ وليس لأننا نفتقر إلى البدائل: فالولايات المتحدة تتمتع بوفرة من الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، وغير ذلك من مصادر الطاقة الأولية التي لا تسبب الانحباس الحراري الكوكبي.

المؤسف في الأمر أن الاقتصاد الأميركي تحول إلى قوة جبارة خارجة عن السيطرة، وهو يطارد الثروة النفطية ويعرّض قدرتنا على البقاء لمخاطر جسيمة.

والولايات المتحدة ليست وحدها بطبيعة الحال في هذه المطاردة المجنونة للثروة والرفاه؛ إذ يتسبب نفس الخلط بين الوسيلة والغاية -في السعي لتحقيق الثراء السريع- في دفع الأرجنتين (التي تستضيف قمة مجموعة العشرين في وقت لاحق من هذا العام) إلى تنفيذ مشاريع استخراج الغاز الطبيعي بالاستعانة بتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، مع كل ما يرتبط بهذا من مخاطر مناخية وبيئية، بدلا من استغلال إمكانياتها السخية في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية.

ونفس فساد الغرض هو الذي يجعل الحكومة الكندية تضمن مشروع خط أنابيب جديد لتصدير إنتاجها من الرمال النفطية الملوثة والمكلفة إلى آسيا، في حين تقلل استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة الضخمة في كندا.

في اجتماعه مع المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط والغاز الكبرى؛ قال البابا فرانشيسكو: "لا ينبغي لرغبتنا في ضمان توفير الطاقة للجميع أن تؤدي إلى تأثيرٍ غير مرغوب، يتمثل في سلسلة من التغيرات المناخية المتطرفة الناجمة عن ارتفاع كارثي في درجات الحرارة العالمية، وبيئات أشد قسوة، ومستويات متزايدة من الفقر".

نحن قادرون على إنتاج المزيد من النفط والفحم والغاز؛ ولكن لأي غرض؟ ليس من أجل سلامتنا: فمخاطر الانحباس الحراري الكوكبي تخيّم على رؤوسنا فعلا؛ وليس لأننا نفتقر إلى البدائل: فالولايات المتحدة تتمتع بوفرة من الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، وغير ذلك من مصادر الطاقة الأولية التي لا تسبب الانحباس الحراري الكوكبي

وأشار إلى أن شركات النفط منهمكة في "بحث متواصل عن احتياطيات جديدة من الوقود الأحفوري، في حين حث اتفاق باريس بوضوح على الإبقاء على أغلب الوقود الأحفوري تحت الأرض". كما ذَكَّر فرانشيسكو المسؤولين التنفيذيين بأن "الحضارة تحتاج إلى الطاقة، ولكن لا ينبغي لاستخدام الطاقة أن يدمر الحضارة!".

وشدد على البعد الأخلاقي لهذه المشكلة قائلا: "إن الانتقال إلى الطاقة النظيفة التي يسهل الوصول إليها واجب ندين به للملايين من إخواننا وأخواتنا في مختلف أنحاء العالَم، والدول الأكثر فقرا وأجيال لم تأتِ بعدُ. ولن يتسنى لنا تحقيق تقدم حاسم على هذا المسار في غياب الوعي المتزايد بأننا جميعا جزء من أسرة إنسانية واحدة، توحدنا روابط الأخوة والتضامن. ومن خلال التفكير والعمل -انطلاقا من رغبة ثابتة في تعزيز هذه الوحدة الجوهرية- نستطيع أن نتغلب على كل الاختلافات؛ وبغرس حس التضامن العالمي بين الأجيال نستطيع أن ننطلق حقا وبعزيمة ثابتة على الطريق إلى الأمام".

بينما كان فرانشيسكو مجتمعا مع المسؤولين التنفيذيين في روما الأسبوع الماضي؛ كان بارثولوميو مجتمعا على نحو مماثل مع قادة المؤسسات العلمية، وهيئات الأمم المتحدة، وممثلي الأديان في اليونان والبيلوبونيز، لرسم مسار إلى السلامة البيئية.

وقد شدد بارثولوميو على الشواغل الأخلاقية الجوهرية فقال: "لا يمكننا أن نحكم على هوية أي مجتمع ومقياس أي ثقافة بدرجة التطور التكنولوجي، أو النمو الاقتصادي، أو البنية الأساسية العامة. بل تتحدد هيئة حياتنا المدنية وحضارتنا ويُحكَم عليها -في المقام الأول- تبعا لمدى احترامنا للكرامة الإنسانية وسلامة الطبيعة".

الواقع أن أتباع الكنائس الشرقية -الذين يتجاوز عددهم 300 مليون نسمة ويقودهم البطريرك المسكوني- يعيشون في مناطق تواجه مخاطر قصوى بسبب الانحباس الحراري الكوكبي: موجات الحرارة الشديدة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وموجات الجفاف المتزايدة الشدة.

وتعاني منطقة البحر الأبيض المتوسط فعلا من ضائقة بيئية وهجرة قسرية من مناطق الصراع. ومن الواضح أن تغير المناخ بلا ضابط أو رابط -الذي ساهم فعلا في تأجيج الصراعات- من شأنه أن يقود المنطقة إلى كارثة.

افتتح بارثولوميو مؤتمره في الأكروبوليس (قلب أثينا القديمة) حيث عَرَّف أرسطو الأخلاق والسياسة قبل 2300 سنة باعتبارهما مسعى إلى الرفاه. فقد كتب أرسطو: "ينبغي للمجتمع السياسي أن يسعى إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من الخير". ولا يتحقق هذا إلا برعاية وتنمية فضائل المواطنين.

وفي مناسبة شهيرة؛ قارن أرسطو بين نمطين من المعرفة: الدراية الفنية والحكمة العملية. وقد أعطانا العلماء والمهندسون المعرفة الفنية اللازمة للانتقال السريع من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخالية تماما من الكربون. ويحثنا فرانشيسكو وبارثولوميو على إيجاد الحكمة العملية لإعادة توجيه سياساتنا واقتصاداتنا نحو الصالح العام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.