انهيار الغرب

Canada's Prime Minister Justin Trudeau and G7 leaders Britain's Prime Minister Theresa May, France's President Emmanuel Macron, Germany's Chancellor Angela Merkel, Japan's Prime Minister Shinzo Abe and U.S. President Donald Trump discuss the joint communique following a breakfast meeting on the second day of the G7 meeting in Charlevoix city of La Malbaie, Quebec, Canada, June 9, 2018. Adam Scotti/Prime Minister's Office/Handout via REUTERS. ATTENTION EDITORS - T

بعد قمة مجموعة السبع الأخيرة في كيبيك (كندا)؛ لم يعد هناك أي شك في أن الغرب يمر بأزمة. نعم، غالباً ما تتبع الدول "الغربية" سياسات خارجية متباينة (حرب العراق مثلا)، ويعد "الغرب" مفهوما غامضا بحد ذاته. لكن ذلك يعتمد على مجموعة من الأعمدة الأيديولوجية المشتركة، التي بدأت تنهار الآن تحت ثقل سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أميركا أولاً".

إن انتقادات ترامب المتواصلة لحلفائه واضحة للغاية إذ تتمثل في قوله: "لا يمكننا السماح لأصدقائنا باستغلالنا باسم التجارة". وبغض النظر عن دعمه غير المشروط للمملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ يبدو أن ترامب مستعد لتدمير الفهم الإستراتيجي الأساسي الذي طالما حافظت عليه الولايات المتحدة تجاه حلفائها.

قبل بضع سنوات فقط؛ كان من المستحيل أن ترفض الولايات المتحدة التوقيع على بيان مشترك لمجموعة السبع. كما لم يخطر ببال أحد أن الإدارة الأميركية قد تهاجم زعيمًا كنديًا مستخدمة اللهجة التي تحدث بها ترامب ومستشاره التجاري بيتر نافارو مؤخراً مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، واصفا إياه بأنه "شخص ضعيف وغير صادق".

إذا كانت الأخلاق السيئة هي المشكلة الوحيدة مع إدارة ترامب فهذا مطمئن، لكن هذه الإدارة تسعى أيضا إلى سياسات ملموسة تقوّض أهم تحالفات أميركا. إن الرسوم الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم من كندا والاتحاد الأوروبي جعلت التوصل إلى إجماع في قمة مجموعة السبع الأخيرة مستحيلاً

بعد لقائه مع الدكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة؛ أكد ترامب أنه يتمتع "بعلاقة جيدة" مع ترودو. وأضاف بعد ذلك أنه يتمتع "بعلاقة جيدة جدا مع الرئيس كيم في الوقت الحالي". وقوله إن العلاقات الأميركية مع هذين الزعيمين قابلة للمقارنة ليس فقط غير ملائم، بل إنه أمر مضحك حقا، ويعكس انعدام الرؤية لدى ترامب.

إذا كانت الأخلاق السيئة هي المشكلة الوحيدة مع إدارة ترامب فهذا مطمئن، لكن هذه الإدارة تسعى أيضا إلى سياسات ملموسة تقوّض أهم تحالفات أميركا. إن الرسوم الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم من كندا والاتحاد الأوروبي جعلت التوصل إلى إجماع في قمة مجموعة السبع الأخيرة مستحيلاً.

إعلان

لن تضر هذه التعريفات الجمركية -التي فرضها ترامب- بالمُصدرين الأجانب فقط، بل أيضا بالعمال والشركات الأميركية في القطاعات التي تعتمد على الفولاذ والألمنيوم. ومع ذلك؛ يبدو ترامب غير مكترث للحقائق والمنطق الاقتصادي.

ولتبرير سياساته المدمرة؛ يختار ترامب حالات معزولة -مثل التعريفات الجمركية المرتفعة على منتجات الألبان في كندا- ويقدمها دون أي سياق، متغاضيا عن حقيقة أن متوسط معدل الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة أعلى فعلا من معدل الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا.

وفي حين عمدت قمة مجموعة السبع إلى تبادل الاتهامات؛ تم عقد اجتماع آخر ذي أهمية كبيرة في مدينة تشينغداو الصينية، حيث عقدت منظمة شنغهاي للتعاون -التي تضم الصين والهند وكزاخستان وقيرغيزستان وباكستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان– قمتها السنوية.

وأشارت الصحيفة الرسمية الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني إلى أن اللقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان أكثر ودية من اللقاء بين ترامب وقادة مجموعة السبع الآخرين.

ومن الواضح أن ترامب لم ينجح في اقتراح عودة روسيا إلى مجموعة السبع، التي تم إخراجها بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014. ومع ذلك، كان يشير إلى شيء لم يعد من الممكن تجاهله: التقسيم المفرط للأندية الجيوسياسية.

إن انقسام الحكم العالمي يعارض على نحو متزايد المصالح الغربية، وبدلا من التوجه نحو العزلة وتقليص النفوذ على المستوى العالمي؛ يجب على القادة الغربيين توسيع نطاق التعاون في البحث عن حلول مستدامة للمشاكل العالمية. وتحقيقا لهذه الغاية، يجب عليهم خلق منتديات للحوار -مثل مجموعة العشرين- التي تجمع بين القوى الكبرى اليوم.

لكن نهج ترامب التصالحي مع روسيا يواجه عقبات طويلة الأمد؛ فقد أصبحت سياسة بوتين الخارجية عدوانية بشكل متزايد فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية الغربية، وأدت علاقة ترامب مع الكرملينإلى إثارة مخاوف جدية محليا ودوليا. وقد تفاقم هذا بسبب غروره تجاه حلفاء أميركا الأوروبيين.

إعلان
إن انقسام الحكم العالمي يعارض على نحو متزايد المصالح الغربية، وبدلا من التوجه نحو العزلة وتقليص النفوذ على المستوى العالمي؛ يجب على القادة الغربيين توسيع نطاق التعاون في البحث عن حلول مستدامة للمشاكل العالمية

بعد التفكير؛ أكد ترامب التزامه بالدفاع المشترك لحلف الناتو في العام الماضي، لكن هذا لا يعني أن التوترات قد تلاشت: فقد واصل ترامب مطالبة أعضاء آخرين في الناتو بزيادة إنفاقهم العسكري.

لكن يبدو أن ترامب لا يدرك أن مثل هذه الزيادة في الإنفاق لن تذهب إلى ميزانية حلف الناتو، أو لدفع أموال لأميركا من أجل حمايتها؛ وإنما لتعزيز القدرات الدفاعية لكل بلد.

وفي الواقع، أنشأ الاتحاد الأوروبي فعلا ما يسمى "التعاون المنظم الدائم"، لزيادة موارد الأمن والدفاع واستخدامها بطريقة جماعية وأكثر كفاءة، ويجب أن ترحب إدارة ترامب بمثل هذه الإجراءات. ومع ذلك؛ يبدو أنها تشكك في كل مبادرة مشتركة يطلقها الاتحاد الأوروبي.

خلال حملة الرئاسة الأميركية لعام 2016؛ أيد ترامب محاولة المملكة المتحدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ومنذ توليه منصبه؛ لم تتردد إدارته في إضعاف الكتلة كلما أمكنها ذلك.

ومنذ بضعة أيام؛ قال سفير الولايات المتحدة في ألمانيا ريتشارد غرِنِل إنه يعمل على "تمكين المحافظين الآخرين في أوروبا"، وهو خروج واضح عن البروتوكول الدبلوماسي. وبطبيعة الحال؛ فإن الأوروبيين الذين سيدعمهم ترامب وغرِنِل ليسوا محافظين حقاً، بل هم رجعيون. هدفهم عكس التقدم الذي حققناه نحن الأوروبيين في دفع مشروعنا المشترك إلى الأمام.

من الواضح أن ترامب يشعر بارتياح أكبر في التفاعل مع الدول الأخرى بشكل ثنائي. وليس من المستغرب إذن أن الاتحاد الأوروبي (معقل التعددية) لا يحظى بإعجابه.

لكن أوروبا وأميركا كانتا دائمًا أكثر نجاحًا عندما دعمتا بعضهما بعضا، وعملتا في إطار مؤسسي قائم على معايير مشتركة؛ وإن تفضيل ترامب لإستراتيجية "فرّق تَسُد" سيكون سببا في خسارة الغرب والعالم بشكل عام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان