على الاتحاد الأوروبي وقف تمويل النهج الاستبدادي

European Union leaders take part in an EU summit in Brussels, Belgium, October 20, 2017. REUTERS/Virginia Mayo/Pool

منذ توسع الاتحاد الأوروبي عام 2004 ليشمل عدة دول شيوعية سابقا في أوروبا الوسطى والشرقية؛ كانت آليته التمويلية الإقليمية موجهة -بشكل كبير- نحو الحد من عدم المساواة الاقتصادية بين الدول الأعضاء القديمة و"الجديدة".

ولضمان التماسك داخل الاتحاد الأوروبي؛ لطالما اعتبر التغلب على أوجه التفاوت بين البلدان، وتحسين البنية التحتية للتجارة والنقل والاتصالات في جميع أنحاء الكتلة أمراً بالغ الأهمية.

إن سياسة الاتحاد الأوروبي المتماسكة هي في الواقع من أبرز مبادراته؛ إذ تعزز الاستثمارات التي تتم في إطار صندوق التماسك للتنمية الإقليمية، وتدعم الابتكار، وتحسن نوعية التعليم، وتوسع شبكات النقل الرقمي، وتدعم البرامج التي تسعى لتحسين السوق الموحدة بتعزيز النمو والإنتاجية والتخصص. تساعد سياسة التماسك المواطنين والمجتمعات المحلية والشركات بجميع أنحاء الاتحاد، وخاصة الدول الأعضاء حديثا.

بدلاً من تبني القيم التي ألهمت مثل الاتحاد الأوروبي السخاء في التمويل؛ تعمل حكومتا بولندا وهنغاريا الاستبداديتان على تقويض دولة القانون في بلادهما وتفكيك أنظمتهما القضائية. وإذا تقدمت إحدى الدولتين بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي اليوم فإنه قد يُرفض

ستغطي ميزانية صندوق التماسك للسنوات السبع القادمة الفترة ما بين عاميْ 2020 و2027، وتضع المفوضية الأوروبية مقترحات بشأن كيفية تقسيمها. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات بشأن هذه المقترحات شرسة للغاية. فمن ناحية؛ برزت أولويات جديدة في السنوات الأخيرة، من بينها الحاجة إلى حماية أكبر للحدود، ونظام لإدارة الهجرة، ومشاريع دفاعية مشتركة إضافية.

ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن قادة الاتحاد الأوروبي يأملون الحفاظ على الإنفاق عند المستويات الحالية، حتى بعد خروج المملكة المتحدة في الربيع المقبل. وبمجرد الاتفاق على أولويات الإنفاق؛ سيتعين على البرلمان الأوروبي الموافقة على الميزانية النهائية.

ولعل أهم تطور سياسي -منذ مفاوضات الموازنة الأخيرة عام 2014 (وهو تطور أكثر أهمية من تدفق اللاجئين أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)- يتجلى في ظهور حكومات شعبوية يمينية غير ليبرالية في هنغاريا وبولندا.

وفي إطار ميزانية التماسك ما بين 2014 و2020 -التي بلغ مجموعها 350 مليار يورو (424 مليار دولار)- تلقت بولندا وهنغاريا 77 مليار يورو (93 مليار دولار)، و22 مليار يورو (26 مليار دولار) على التوالي؛ مما جعلها أكبر ورابع أكبر المستفيدين من أموال الاتحاد الأوروبي. وينبغي الإشارة إلى أن المساهمين في الميزانية الصافية -مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة- يدعمون هذه الهبة بشكل كبير.

ومع ذلك، وبدلاً من تبني القيم التي ألهمت مثل هذا السخاء؛ تعمل حكومتا بولندا وهنغاريا الاستبداديتان على تقويض دولة القانون في بلادهما وتفكيك أنظمتهما القضائية. وإذا تقدمت إحدى الدولتين بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي اليوم فإنه قد يُرفض.

تقوم الحكومتان بقمع المنظمات غير الحكومية واستهداف وسائل الإعلام أو الاستيلاء عليها. وفي بقايا الصحافة الحرة الهنغارية؛ لا تزال توجد تقارير موثوقة أحيانا تدّعي أن رئيس الوزراء فيكتور أوربان وشركاءه ينهبون أموال الاتحاد الأوروبي لمصلحتهم، ولمصالح عائلاتهم وشركائهم التجاريين. وفي الواقع؛ كانت حكومة أوربان بالفعل موضوعًا لعدد من التحقيقات التي قام بها المكتب الأوروبي لمكافحة الغش.

ورغم هذا السلوك؛ أعيد انتخاب أوربان (في أبريل/نيسان الماضي). والآن، يمتلك حزبه "فيدز" -بالتحالف مع الديمقراطيين المسيحيين- أغلبية الثلثين في البرلمان، وهو ما يكفي لتعديل الدستور.

من غير المقبول استخدام أموال دافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي لتمويل المشاريع الباطلة للنخب غير الليبرالية، والتي لا تخشى تقويض المؤسسات الديمقراطية التي تجعل الاتحاد الأوروبي على ما هو عليه. ولذلك؛ فمن الأهمية بمكان توزيع موارد صندوق التماسك بدءا من عام 2020، شريطة أن تحافظ الدول الأعضاء المستفيدة على سيادة القانون وتطبيقها

وخلال الحملة الانتخابية، غمرت حكومة أوربان البلاد بدعاية كراهية الأجانب، وبالدعاية المعادية للسامية. ووفقًا لمراقبي الانتخابات من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فإن التصويت "تميز بتداخل واسع النطاق بين موارد الدولة والحزب الحاكم، مما أدى إلى تقويض قدرة المترشحين على التنافس على قدم المساواة".

وفي هذه الأثناء؛ يخضع حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا حاليا لتحقيق تجريه المفوضية الأوروبية، بسبب الانتهاكات المستمرة لمعايير سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي وانتهاكها لاستقلال القضاء.

من غير المقبول استخدام أموال دافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي لتمويل المشاريع الباطلة للنخب غير الليبرالية، والتي لا تخشى تقويض المؤسسات الديمقراطية التي تجعل الاتحاد الأوروبي على ما هو عليه. ولذلك؛ فمن الأهمية بمكان توزيع موارد صندوق التماسك بدءا من عام 2020، شريطة أن تحافظ الدول الأعضاء المستفيدة على سيادة القانون وتطبيقها.

وتحقيقا لهذه الغاية؛ ينبغي على الاتحاد الأوروبي وضع إجراء موضوعي لرصد الامتثال وتجميد الأموال إذا لزم الأمر. وعلى سبيل المثال؛ إذا تم استخدام المادة (7) من معاهدة الاتحاد الأوروبي ضد دولة عضو بسبب انتهاك سيادة القانون، فإنه يجب وضع جميع الأموال المخصصة لذلك البلد في صندوق احتياطي.

وإلى أن يتم وقف أو إلغاء الإجراء المنصوص عليه في المادة (7)؛ ينبغي إعادة توجيه تلك الأموال لدعم الجامعات ومؤسسات الأبحاث، ومجموعات المجتمع المدني الأخرى في ذلك البلد.

سيوضح هذا النهج للمواطنين في الدول المتعثرة أن الاتحاد الأوروبي لا يريد معاقبة هؤلاء على سلوك حكوماتهم، ومن شأنه أيضا أن يمنح تلك الحكومات حافزًا أقوى بكثير للالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي، ودعم القيم المشتركة التي تسمح للسوق الموحدة بالعمل بشكل صحيح.

الحقيقة المحزنة هي أن الحكومات غير الليبرالية -مثل تلك التي تتولى السلطة الآن في بولندا وهنغاريا- تُبدي رغبة كبيرة في الحصول على أموال الاتحاد الأوروبي، بينما ترفض قيمه. لقد حان الوقت لإثبات أن ازدراء معايير الاتحاد الأوروبي له ثمنه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.