ماكرون.. الجاذبية وحدها لا تكفي مع ترمب!

U.S. President Donald Trump laughs as he holds hands with French President Emmanuel Macron during the official arrival ceremony for Macron on the South Lawn of the White House in Washington, U.S., April 24, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst

لقرون عديدة؛ كانت فرنسا والولايات المتحدة الأميركية أصدقاء وحلفاء ومنافسين، وكل من البلدين يعتبر قوة عالمية ومثالا للديمقراطية الليبرالية، كما تمكنا من تحقيق الديمقراطية عبر الثورة.

وفي واقع الأمر؛ كانت فرنسا أول حليف للولايات المتحدة عند نشأتها، إذ قدمت الدعم العسكري خلال الحرب الثورية الأميركية، وكان تلك أولى حالات عديدة تعاون خلالها البلدان في الجهود العسكرية.

لقد حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -خلال رحلته الأخيرة إلى العاصمة واشنطن– أن يستخدم التاريخ لتعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين، وذلك أملا في أن تحصل فرنسا على المزيد من النفوذ لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامبا لتي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.

حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -خلال رحلته الأخيرة إلى العاصمة واشنطن- أن يستخدم التاريخ لتعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين، وذلك أملا في أن تحصل فرنسا على المزيد من النفوذ لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها

ولكن مشاعر الود والصداقة لدى ماكرون لا يمكن أن تخفي حقيقة أن البلدين يعملان في ظروف مختلفة تماما عن الماضي، ناهيك عن عدم الحصول على أي إشارة يمكن التعويل عليها من إدارة ترامب.

لقد أراد الجنرال شارلز ديغول خلال الحرب الباردة أن تكون فرنسا بمثابة الجسر بين الغرب والشرق، وهذا يعني أن تكون حليفا وثيقا للولايات المتحدة في الأوقات الجيدة والأوقات السيئة معاً، بينما تكون كصديق لا يمكن التعويل عليه في الأوقات الصعبة بالنسبة للاتحاد السوفياتي والصين.

واليوم يريد ماكرون أن تصبح فرنسا جسرا ما بين الغرب؛ أي بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهذه تبدو مهمة أسهل نظرا للتاريخ والقيم المشتركة للطرفين، علما بأن ذلك التاريخ وتلك القيم هما اللذان حاول ماكرون استحضارهما، بينما كان يعمل على ترسيخ صورته كمدافع عن الديمقراطية الليبرالية والعالمية، مستخدما لغة ورؤية يشوبها التفاؤل على الطراز الأميركي.

إن هذه ليست أول مرة يحاول فيها رئيس فرنسي أن يتصرف كقائد أميركي، ولكن نيكولا ساركوزي -الذي صاغ لنفسه لقب "ساركو الأميركي"- كان حريصا بشكل أكبر على الوقوف إلى جانب جورج بوش الابن، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؛ ولكن ماكرون على النقيض من ذلك يتبنى قيم وخطاب باراك أوباما.

لا توجد أمور مشتركة كثيرة بين ماكرون وترامب الذي -طبقا لكلمات مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي– هو أقرب لأن يكون زعيم مافيا من كونه رئيس أميركا؛ حيث يبدو غير مهتم إطلاقا باستدامة الزعامة الدولية للولايات المتحدة، مما يعني أن التحدي الذي ينتظر ماكرون قد يكون أكثر صعوبة من التحدي الذي واجه ديغول.

لو كانت زيارة ماكرون مباراة كرة قدم لتضمنت ألعابا تم تنفيذها بحرفية (مثل خطاب ماكرون في الكونغرس الأميركي) قبل أن تنتهي بالتعادل. ولكن تحت المظهر الخادع للود المتبادل في واشنطن؛ تميزت زيارة ماكرون بالخلافات العميقة، بما في ذلك الخلافات المتعلقة بالتغير المناخي والاتفاق النووي مع إيران.

إن إعلان ماكرون عدم وجود كوكب آخر لم يؤد لأي تحرك جوهري من قِبل ترامب للانضمام مجددا لاتفاقية باريس للمناخ. ورغم ذكر اتفاق جديد وموسع مع إيران؛ فإن ترامب يستمر في تبني الرؤى الراديكالية لوزير خارجيته الجديد مايك بومبيو ومستشاره للأمن القومي جون بولتون.

حاول ماكرون -عبر ترسيخ نفسه صوتا للمنطق والاعتدال والمسؤولية- أن يضع الأساس لظهوره كعامل حقيقي من عوامل التغيير؛ فهو يريد أن يعالج قضايا حقيقية تهم فرنسا وأوروبا والعالم. ولكن من غير الواضح ما إن كانت تكتيكاته ستنجح، وخاصة فيما يتعلق بترامب

إن قيام ماكرون بإقامة علاقات صداقة وثيقة مع ترامب يعني أنه يعرّض نفسه للخطر؛ فلن يبدو الأمر جيدا لو تحالف ماكرون -بشكل وثيق- مع ترامب الذي يتخذ قرارات كارثية، وقد ينتهي به المطاف بين أنياب نظام العدالة الأميركي. إن ترامب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وهو ما يعني أن أي علاقة وثيقة معه من المؤكد أنها ستصبح عبئا سياسيا.

لو أن ذلك القرب -الذي يسترضي غرور ترامب- سيؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية؛ فإن ذلك يعني أن جهود ماكرون مستحَقة، ولكن تملق ترامب شيء ومحاولة الحصول منه على تنازلات دبلوماسية وتجارية شيء آخر مختلف تماما، ويبدو أن ماكرون حقق النجاح على جبهة واحدة فقط من عدة جبهات.

لقد حاول ماكرون -عبر ترسيخ نفسه صوتا للمنطق والاعتدال والمسؤولية- أن يضع الأساس لظهوره كعامل حقيقي من عوامل التغيير؛ فهو لا يريد أن يتألف إرثه من خطب قوية فقط، بل يريد أن يعالج قضايا حقيقية تهم فرنسا وأوروبا والعالم. ولكن من غير الواضح تماما ما إن كانت تكتيكاته ستنجح، وخاصة فيما يتعلق بترامب.

إن السؤال هو عما إن كانت المقاربة البديلة تجاه ترامب (المقاربة الأقل ودا والأكثر عملية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل) ستؤدي إلى نتائج أفضل. يبدو أن ذلك غير مرجَّح؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بتحصيل تنازلات عملية، فإن ميركل على أقل تقدير لا تستطيع أن تحقق ما هو أسوأ من ذلك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان