الهند وصحافة الفضائح

epa04227445 Indian women read newspapers with frontpage headlines and reports about India's new Prime Minister Narendra Modi at a small street bistro in Calcutta, Eastern India, 27 May 2014. Narendra Modi on 26 May was sworn in as India's 15th Prime minister vowing to build a 'glorious future' for the South Asian country. Modi on his first day in office was already scheduled to met with Afghan President Hamid Karzai and due to meet eight other regional leaders who attended his inauguration, according to the Ministry of External Affairs. EPA/PIYAL ADHIKARY

عندما ماتت نجمة السينما الهندية سريديفي كابور (54 عاما) غرقاً في حوض الاستحمام بفندق في دبي (فبراير/شباط الماضي)؛ فإن التغطية الإعلامية لوفاتها المأساوية أبرزت جميع ما هو خاطئ في الإعلام الهندي.

فسريديفي -التي عادت إلى السينما بعد توقف دام 15 عاما بنجاح منقطع النظير، وذلك بفيلمين ناجحين للغاية خلال السنوات الست الماضية- كانت تعيش حياة متواضعة وتقليديه، مع زوجها المنتج بوني كابور وبناتهما المراهقات؛ فهي لم تكن تلبس أو تتصرف بطريقة يمكن أن تخدم صحف الفضائح أو تشعل تكهنات صادمة.

لكن وفاة سريديفي أصبحت موضوع قصص شنيعة -وخاصة على التلفزيون- عما الذي يمكن أن يكون حصل خلف الباب المغلق لحمامها، ولدرجة أن أحد مقدمي البرامج التلفزيونية حاول أن يمثل كيفية الغرق في حوض الاستحمام. كما أن أحد السياسيين المشهورين بتبني جميع نظريات المؤامرة ذهب بعيدا في تحليلاته، لدرجة أنه قال إن هناك مؤامرة مقصودة فيما يتعلق بموتها.

إن الفروق بين الحقيقة والرأي والتكهنات، وبين التقارير الإخبارية والشائعة، وبين المعلومات ذات المصادر المعروفة والمزاعم التي لا أساس لها من الصحة، والتي يتعلمها طلبة الصحافة والإعلام في طول العالم وعرضه؛ أصبحت غير ذات صلة بوسائل الإعلام الهندية اليوم

مرحبا بكم في المشهد الإعلامي الاستثنائي بالهند، بحيث تتولى السلطة الرابعة مهام الشاهد وممثل الادعاء والقاضي وهيئة المحلفين والجلاد، ومع وجود أعداد كبيرة من القنوات التلفزيونية التي تتنافس طوال الوقت على نفس المشاهدين، وتستهدف نسب المشاهدة ذاتها؛ فقد تخلت الأخبار التلفزيونية -منذ أمد بعيد- عن التظاهر بتقديم خدمة عامة، وقامت عوضا عن ذلك وبشكل صارخ بتفضيل الإثارة على المحتوى.

عندما يتعلق الأمر بالصحافة المطبوعة فإن الوضع ليس أفضل كثيرا؛ فالصحف تتنافس اليوم في مشهد إعلامي متغير بسرعة ومزدحم بحيث إن شاشات التلفزيون وليس الصحف هي التي تحدد الإيقاع.

ففي كل صباح يجب على الصحف أن تصل إلى القراء الذين شاهدوا التلفزيون في اليوم الذي سبقه، وعوضا عن تقديم السياق والعمق والتحليل، فإن هذه الصحف تقوم بنشر عناوين براقة مثيرة للغرائز أو مستفزة.

لقد كانت النتائج مزعجة إلى حد كبير؛ فإذاعة الآراء هي أرخص طريقة لملء ساعة البث، ومقدمو البرامج الذين يميلون إلى الصراخ عادة ما يحققون أعلى نسب المشاهدة، وهذا يعزز الحافز للانخراط في تكهنات مثيرة بغض النظر عما إن كان لها أساس من الصحة أم لا، وذلك كما حصل في قضية سريديفي.

إن الأهم من ذلك هو أن الاندفاع للتغلب على التلفزيون بنشر سبق صحفي أضعف الحافز لدى الصحفي للتحقق من الخبر والادعاءات المرتبطة به، علما بأن هذا الانحدار في المعايير المهنية قد جعل الصحف تتواطأ مع مروجي "التسريبات" -التي يتم التلاعب بها- والمزاعم الخبيثة.

إن الفروق بين الحقيقة والرأي والتكهنات، وبين التقارير الإخبارية والشائعة، وبين المعلومات ذات المصادر المعروفة والمزاعم التي لا أساس لها من الصحة، والتي يتعلمها طلبة الصحافة والإعلام في طول العالم وعرضه؛ أصبحت غير ذات صلة بوسائل الإعلام الهندية اليوم.

إن المقاربة الحالية المتعلقة بالحقائق يشوبها تردد كبير في إصدار التصحيح والتنويه، مما يعني أن الأخبار الصادمة التي لم يتم التحقق من صحتها تؤدي إلى أضرار كبيرة، وعندما يتم نشر التصحيح أو التنويه فإنه عادة ما يكون ضعيفا جدا ومتأخرا، بحيث لا يتمكن الأشخاص الأبرياء من إنقاذ سمعتهم.

لقد عايشت بنفسي مساوئ الصحافة الهندية، بعد أن تعرضت لسيل من التكهنات والشائعات والاتهامات وما هو أسوأ من ذلك، خلال السنوات الأربع الماضية التي تلت الوفاة المأساوية لزوجتي.

وعوضا عن إظهار ضبط النفس والحذر الذي يتوقعه المرء من الصحافة المسؤولة، والتي تغطي مسائل الحياة والموت؛ قامت الصحافة بتوزيع اتهامات لا أساس لها من الصحة تتعلق بالقتل والانتحار.

إن المحاكمة الإعلامية المتعلقة بوفاة زوجتي -والتي أشعلتها تسريبات ذات دوافع سياسية- استمرت بشكل مقصود لأطول فترة ممكنة، وتم تحويلها إلى مسرحية هزلية مع برامج حوارية تلفزيونية متلصصة، تناقش اتهامات وافتراضات غير قائمة على أي دليل أو حتى بحث أولي.

لقد تم نشر ادعاءات خبيثة بدون إخضاعها للنقد، كما فشل مديرو التحرير في توجيه حتى أبسط الأسئلة عن مدى صحة تلك الادعاءات، علما بأن تجربتي لم تكن فريدة من نوعها.

الصحافة الهندية اليوم تقوم بنشر أخبار بطريقة متهورة، أو تنشر أخبارا عابرة ليس لديها تأثير على رفاهية العامة، كما تركز بشكل دائم على الأخبار السطحية والمثيرة. وبهذه الطريقة؛ تعمل الصحافة على التقليل من شأن الخطاب العام وتتخلى عن مسؤولياتها كجهة حامية للديمقراطية ومدافعة عنها

ليس مفاجئا أن الثقة في الصحافة الهندية تتآكل، وقد لخّص لي صديق المشكلة باقتضاب حين قال: "عندما كنت شابا كان أبي لا يصدق أي شيء ما لم يتم نشره في جريدة ‘تايمز أوف إنديا‘، واليوم هو لا يصدق أي شيء تنشره جريدة ‘تايمز أوف إنديا‘".

إن هذا يجب أن يشكّل مصدر قلق بالنسبة لجميع الهنود الذين يفكرون بطريقة صحيحة؛ فالصحافة الحرة هي شريان الحياة للديمقراطية، والصحافة الحرة مثلها كمثل الطين الذي يلعب دورا مهما في تماسك لبنات حرية بلادنا، وهي النافذة المفتوحة في تلك اللبنات.

من المفترض أن تعمل الصحافة على تمكين المواطنين الأحرار من تبني اختيارات مستنيرة لمن يحكمهم وكيفية عمل ذلك، ومن خلال النظر بشكل نقدي إلى أعمال المسؤولين المنتخَبين أو قلة أعمالهم؛ فإن من المفترض أن هؤلاء المواطنين قادرون على التحقق من خضوع الحاكمين للمساءلة أمام من يضعونهم في تلك المناصب.

وعوضا عن ذلك؛ فإن الصحافة الهندية اليوم تقوم بنشر أخبار بطريقة متهورة، أو تنشر أخبارا عابرة ليس لها تأثير على رفاهية العامة، كما تركز بشكل دائم على الأخبار السطحية والمثيرة. وبهذه الطريقة؛ تعمل الصحافة على التقليل من شأن الخطاب العام وتتخلى عن مسؤولياتها كجهة حامية للديمقراطية ومدافعة عنها.

إن هذا لا يعني المطالبة بفرض قيود على الصحافة الحرة لأنه لا يوجد شخص هندي ديمقراطي يطالب بذلك، ولكن هذه مطالبة بصحافة أفضل. إن الحكومة بحاجة إلى صحافة حرة ومهنية لإبقائها أمينة وفعالة، بحيث تكون بمثابة مرآة ومبضع؛ فالفأس الحاد لا يخدم المجتمع.

وإذا أرادت الهند أن تُؤخذ على محمل الجد كلاعب عالمي مسؤول، وكنموذج لديمقراطية القرن الواحد والعشرين؛ فيجب علينا أن نأخذ أنفسنا بالجد والتصرف بمسؤولية. وإن أفضل بداية لنا هي صحافتنا التي تعتبر واجهة الهند التي يرانا الناس عبرها، ويحكمون علينا بموجبها سواء بشكل عادل أو غير عادل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان