تحديات التحالف الأميركي مع كرد سوريا
أسباب التحالف
معضلة الرقة
امتحان عفرين
مع تقدم العملية العسكرية التركية في عفرين بموازاة المفاوضات التركية/الأميركية الجارية بشأن مستقبل شمال سوريا؛ ثمة أسئلة كثيرة تُطرح عن مستقبل التحالف الأميركي مع كرد سوريا.
ولاسيما أن مرحلة ما بعد تحرير الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عمّقت الشكوك في مصداقية الشعارات الأميركية بشأن الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، والاستمرار في دعم الكرد بالسلاح والمدربين والمستشارين العسكريين، في ظل تسارع الأحداث وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين الباحثين عن النفوذ والدور في سوريا.
ظروف التحالف
شكّلت معركة كوباني البداية الفعلية لإقامة التحالف الأميركي مع كرد سوريا، إذ وجدت الإدارة الأميركية في مقاتلي وحدات حماية الشعبحليفا موثوقا به لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا، فاتخذت سلسلة إجراءات وخطوات لدعم هذه الوحدات بالسلاح والمعدات الحربية، وبإمدادهم بمستشارين عسكريين وجنود، ثم تطورت هذه الخطوات بإقامة قواعد عسكرية في المناطق التي سيطر عليها الكرد.
مرحلة ما بعد تحرير الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عمّقت الشكوك في مصداقية الشعارات الأميركية بشأن الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، والاستمرار في دعم الكرد بالسلاح والمدربين والمستشارين العسكريين، في ظل تسارع الأحداث وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين الباحثين عن النفوذ والدور في سوريا |
ولعل الإدارة الأميركية سعت من وراء ذلك إلى تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها محاربة "داعش" بالمقاتلين الكرد، وممارسة المزيد من الضغوط على النظام السوري، ومواجهة النفوذ الإيراني والروسي، وجعل المناطق الكردية في سوريا مناطق نفوذ أميركية في ظل صراع القوى الإقليمية والدولية على الساحة السورية.
وفي المقابل؛ فإن الكرد السوريين -الذين يعيشون في محيط غير مستقر- وجدوا في الدعم الأميركي المقدم لهم وسيلة لحماية مناطقهم والحصول على المزيد من السلاح، والتطلع إلى حجز دور لهم في مستقبل سوريا، وتحقيق تطلعاتهم القومية بعد عقود من الإقصاء والتهميش.
وهكذا فإن التطلعات المتبادلة للطرفين جعلت من التحالف بينهما قوة فاعلة على الأرض، تُرجمت بأول انتصار على "داعش" في كوباني، ثم السيطرة على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا توجت بالرقة، حيث شكلت هذه السيطرة محطة فاصلة لجهة المخاوف المحلية والإقليمية والدولية من التحالف الأميركي/الكردي.
ولعل في مقدمة الدول التي وقفت في وجه هذا التحالف تركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة، إذ رأت فيه تهديدا حقيقيا لأمنها القومي. وعليه؛ فقد تحول هذا التحالف إلى مشكلة متفاقمة في العلاقات التركية/الأميركية.
ورغم كل المحاولات الأميركية لإدارة أزمة العلاقة بين الحليفين التركي والكردي، فإنها عجزت عن احتواء الصدام بينهما مع بدء تركيا عملية عفرين العسكرية، والحديث عن أنها ستتسع إلى منبج ثم مناطق شرقي الفرات وصولا إلى الحدود العراقية.
وقد أدى هذا التطور الميداني إلى نقل العلاقة بين الأطراف الثلاثة إلى مرحلة جديدة، يبدو فيها أن الولايات المتحدة تتجه إلى بناء تفاهمات مع تركيا بخصوص الشمال السوري على حساب حليفها الكردي.
معضلة الرقة
ثمة من يرى أن الولايات المتحدة بعد معركة الرقة افتقدت "المصداقية الأخلاقية" في شعارها القاضي بمحاربة "داعش"، على اعتبار أن التنظيم تعرض لهزيمة عسكرية في سوريا والعراق، وأن دعمها المتواصل للكرد بالسلاح والمعدات الحربية لم تعد له علاقة بمحاربة التنظيم، بقدر ما له علاقة بالإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا والمنطقة ككل.
وربما كانت جملة الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية -عقب معركة الرقة- وضعتها في مواجهة معقدة مع كل من تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، إذ رأت هذه الأطراف أن الهدف الأميركي من قرار إنشاء قوة حدودية مؤلفة من ثلاثين ألف عنصر هو تقسيم سوريا وإقامة كيان كردي، وهو ما قوبل برد فعل تركي غاضب ترجم بعملية "غصن الزيتون".
ثمة من يرى أن الولايات المتحدة بعد معركة الرقة افتقدت "المصداقية الأخلاقية" في شعارها القاضي بمحاربة "داعش"، على اعتبار أن التنظيم تعرض لهزيمة عسكرية في سوريا والعراق، وأن دعمها المتواصل للكرد بالسلاح والمعدات الحربية لم تعد له علاقة بمحاربة التنظيم، بقدر ما له علاقة بالإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا والمنطقة |
وقد تكون أنقرة وجدت أن انتظار المزيد من الخطوات الأميركية في الشمال السوري سيصبح أكثر تكلفة، إذا تأخرت عن القيام بعملية عسكرية توقف المشروع الكردي الذي يهدف إلى الربط بين عفرين وباقي المناطق الكردية، وربما يفكر في وصل هذه المناطق بالبحر الأبيض المتوسط لحسابات لها علاقة بمشاريع الغاز والنفط.
وعلى غرار تركيا؛ صعّد محور روسيا وإيران والنظام السوري موقفه المناهض للوجود العسكري الأميركي في شرقي الفرات، إذ إن موسكو باتت تتحدث بلغة جازمة عن وجود مخطط أميركي لتقسيم سوريا، فيما تحشد إيران مع حزب الله وقوات النظام السوري لاستعادة مناطق في شرقي الفرات، ولاسيما الحقول النفطية والغازية القريبة من ضفة النهر.
ولا يُستبعد اعتبار القصف الأميركي لمواقع هذه القوات -التي قيلت إنها كانت تحضر لهجوم كبير لاستعادة حقل كونيكو للغاز- إشعارا أميركيا بأن هذه المناطق تابعة لنفوذ واشنطن، وأنها جاهزة للقتال للاحتفاظ بسيطرتها عليها، فالإدارة الأميركية باتت تتصرف في هذه المناطق وكأنها باقية فيها فترة طويلة.
إذ باتت تتحدث عن وجود مدني ودبلوماسي لها فيها، وتبحث عن خطط لإعادة إعمار الرقة، وخصصت ميزانية من الموازنة العامة الأميركية لقوات سوريا الديمقراطية، في إشارة قوية إلى أن وجودها في سوريا لم يعد مرتبطا بمحاربة "داعش" بل بقضايا لها علاقة بالنفوذ ومواجهة المشاريع الإيرانية والروسية في المنطقة.
امتحان عفرين
شكل الموقف الأميركي من العملية العسكرية التركية في عفرين امتحانا كبيرا للتحالف الكردي/الأميركي، إذ وجد الكرد في الموقف الأميركي الصامت من العملية التركية "خيانة أخلاقية" للتضحيات التي قدموها لحليفهم الأميركي.
والتبريرات الأميركية بأن عفرين واقعة خارج شرقي الفرات وتحت النفوذ الروسي لم تقنع الكرد بوجاهة "خيانة" الحليف الأميركي لتطلعاتهم؛ خاصة أن الكرد يرون أن مشاركتهم في عمليات محافظتيْ الرقة ودير الزور لم تكن من أجل المناطق الكردية فحسب، وإنما جاءت في سياق مقتضيات هذا التحالف ولتأسيس نظام سياسي جديد في سوريا يقوم على اللامركزية.
كرد سوريا يتذكرون ما جرى لإقليم كردستان العراق عقب الاستفتاء على الانفصال وخسارة كركوك في ساعات قليلة؛ حيث يُلقي الكرد باللائمة على الحليف الأميركي الذي وقف عمليا ضد تطلعهم لإقامة دولة مستقلة. ومن دون شك؛ فإن التحالف الأميركي مع كرد سوريا دخل مرحلة جديدة يمكن وصفها بالاختبار الصعب |
ومما ضاعف حجم الإحساس الكردي بالمرارة من الحليف الأميركي؛ التقاربُ الأميركي/التركي الحاصل بعد زيارة وزير الخارجية الأميركية المُقال ريكس تيلرسون إلى أنقرة فبراير/شباط الماضي، والحديث عن التوصل إلى تفاهم بشأن منبج يقضي بإخراج قوات سوريا الديمقراطية منها وإعادة انتشارها في شرقي الفرات.
ويعدّ هذا الأمر ضربا للطموحات الكردية، كما شكل انتقال فصائل من قوات سوريا الديمقراطية من دير الزور إلى عفرين -للدفاع عنها في مواجهة العملية التركية- شرخا في العلاقة الأميركية/الكردية، خاصة في ظل الحديث الأميركي عن أن هذا الانتقال سيؤثر على وتيرة محاربة تنظيم "داعش" واحتمال عودته إلى الساحة مجددا.
والحال أن قوات سوريا الديمقراطية وجدت نفسها في "أزمة أخلاقية" بسبب ما يجري في عفرين، واحتمال خسارتها في ظل التقدم التركي مع الفصائل السورية المقاتلة تحت رايتها. ولعل الحسابات الأميركية هنا تتجاوز قضية عفرين إلى احتمال عودة الكرد إلى كنف النظام السوري، بعد إرسال الأخير قوات تابعة له إلى عفرين، والحديث عن زيادة وتيرة التنسيق بين الجانبين.
وفي العمق؛ فإن كرد سوريا يتذكرون ما جرى لإقليم كردستان العراق عقب الاستفتاء على الانفصال وخسارة كركوك في ساعات قليلة؛ حيث يُلقي الكرد باللائمة على الحليف الأميركي الذي وقف عمليا ضد تطلعهم لإقامة دولة مستقلة.
ومن دون شك؛ فإن التحالف الأميركي مع كرد سوريا دخل مرحلة جديدة يمكن وصفها بالاختبار الصعب، وسيتحدد مستقبل هذا التحالف في ضوء نتائج الحوار الأميركي/التركي الجاري بخصوص شمال سوريا، ولكن ما لا يدركه الكرد هو أن الحسابات الأميركية في العلاقة مع تركيا تتجاوز الأزمة السورية نفسها إلى موقع تركيا في الصراع الروسي/الأميركي.
فواشنطن تحس بخسارتها الشديدة من التقارب التركي/الروسي في حين تقوم إستراتيجيتها -منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- على إعطاء قيمة إستراتيجية لموقع تركيا في العلاقات الدولية، بغض النظر عمن يحكم تركيا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.