إستراتيجية لليبراليين ضد الشعبويين

Supporters of the PEGIDA movement, "Patriotische Europaeer Gegen die Islamisierung des Abendlandes," which translates to "Patriotic Europeans Against the Islamification of the Occident," take part in a rally in Dresden, Eastern Germany on December 15, 2014. More than 10,000 people demonstrated against "criminal asylum seekers" and the "Islamisation" of the country, in the latest show of strength of a growing far-right populist movement, according to police. AFP PHOTO / JENS SCHLUETER

هل فازت الشعبوية؟ سيكون من السهل التنبؤ بذلك، خاصة في ضوء ما يحدث في قلب أوروبا. إذ يقود الآن إيطاليا -التي تعد من أوائل المؤيدين للاندماج الأوروبي- ائتلافا شعبويا بنسبة تأييد بلغت 61%، في حين تراجعت شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتبلغ نسبة 29% (تعتبر الأدنى منذ وصوله إلى السلطة)، وهو الذي كان يعتبر في يوم من الأيام مضادا للشعبوية.

مع ذلك؛ فإن المعركة بين "حزب العقل" و"حزب العاطفة" (أي بين التقدميين والشعبويين) لم تنته بعدُ. هزيمة الشعبوية ما زالت ممكنة، ولكن فقط إذا اعترف خصومها بأنهم في حاجة إلى إستراتيجية جديدة.

يمكن اقتراح خمسة محاور إستراتيجية للإصلاح: يكمن المحور الأول في المساءلة؛ فعلى سبيل المثال يجب أن تتغلب النخب -التي تدافع عن الحفاظ على الديمقراطية وسيادة القانون- على الغضب والخوف واليأس الذي أصاب الناخبين منذ الأزمة المالية في 2008-2009. فقد مر عقد من الزمن منذ بداية الركود الكبير، ومع ذلك لم تتم معالجة أسبابه بشكل صحيح.

يعطي الكثير من القادة السياسيين والماليين ورجال الأعمال الانطباع بأن الشيء الوحيد الذي يهم في مجال الاقتصاد هو النمو الكلي. ولكن في عالم يتسم بالعولمة والشفافية؛ تعد الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء ذات أهمية أكبر. وعندما يكون مشكل عدم المساواة مقترنا بالفساد، يزيد الوضع سوءاً

يعطي الكثير من القادة السياسيين والماليين ورجال الأعمال الانطباع بأن الشيء الوحيد الذي يهم في مجال الاقتصاد هو النمو الكلي. ولكن في عالم يتسم بالعولمة والشفافية؛ تعد الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء ذات أهمية أكبر. وعندما يكون مشكل عدم المساواة مقترنا بالفساد، يزيد الوضع سوءاً.

ولذلك فإن العدالة –وهي المحور الثاني لإستراتيجية سياسية جديدة- مسألة في غاية الأهمية؛ فبدون العدالة الاقتصادية سوف يُحمّل الناخبون الحزب الحاكم المسؤولية عن مشاكلهم. وقد أدى هذا المنطق إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

ويتمثل المحور الثالث في الوحدة. وباختصار؛ يجب على التقدميين أن يقدموا بديلاً فعّالا للشعبوية المشجعة على الانفصال.

ففي أواخر التسعينيات -على سبيل المثال- دعت مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية الأميركية حينها) الحكوماتِ في أوروبا إلى دعم "تحالف الديمقراطيات"، الذي من شأنه تعزيز القيم الغربية بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي. وقد أعربت دول عديدة -في ذلك الوقت- عن حاجتها إلى التزام مماثل بالوحدة.

لكن لسوء الحظ؛ نحن في حاجة أيضًا إلى قيادة عالمية جديدة. ومع تراجع الولايات المتحدة وإيطاليا وخسارة بريطانيا في معركة البريكست؛ ستقع مسؤوليات بناء التحالف على عاتق البلدان الأخرى.

ويتمثل أحد الخيارات فيما تسميه مجموعة السبع "نادي الأربع": فرنسا وألمانيا وكندا واليابان. ومع انتشار النهج الاستبدادي والتوجهات المعادية لليبرالية، يجب أن تتحمل هذه الديمقراطيات الليبرالية عبء تجديد رؤية أولبرايت.

رابعاً؛ يجب أن يتسم خطاب الديمقراطيات بمزيد من الوضوح. فعلى سبيل المثال؛ كيف يمكن لنادي الأربعة الدفاع عن القيم الليبرالية وتعزيزها؟ لقد أصبحت قضايا الهجرة عالمية، لكن الالتباس السياسي واللغة التكنوقراطية الصعبة غالباً ما تزيد النقاش العام غموضا. وإذا أرادت الليبرالية التغلب على النزعة الشعبوية؛ فيجب أن يكون الناخبون قادرين على فهم ما يقدمه الليبراليون.

من كان سيتوقع أنه بعد مرور 75 عامًا على انهيار الفاشية في إيطاليا، سنحظى بقائد في روما يتصرف مثل موسوليني؟ وأن كراهية الأجانب في ألمانيا ستعود.. ولا سيما في شرق البلاد الشيوعي سابقاً؟ ومن كان يتوقع أن اليمين المتطرف سيحصل على الدعم في السويد؟

وأخيراً؛ تحتاج القوات المناهضة للشعبوية إلى التحلي بالشجاعة. فبدون الشجاعة؛ لن تتمكن المساءلة أو العدالة أو الوحدة أو الوضوح من تغيير التيار الشعبوي.

على سبيل المثال؛ ينبغي الثناء على ماكرون لمعارضته السياسة البغيضة التي تبناها نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، أو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

لكن شجاعة ماكرون الحقيقية تكمن في اعتماد سياسات تتطابق مع خطابه. وستكون الهجرة -التي تعتبر حتى الآن القضية الرئيسية في الانتخابات الأوروبية في مايو/أيار القادم- بمثابة نقطة الانطلاق.

من كان سيتوقع أنه بعد مرور 75 عامًا على انهيار الفاشية في إيطاليا، سنحظى بقائد في روما يتصرف مثل موسوليني؟ وأن كراهية الأجانب في ألمانيا ستعود.. ولا سيما في شرق البلاد الشيوعي سابقاً؟ ومن كان يتوقع أن اليمين المتطرف سيحصل على الدعم في السويد بينما تتراجع شعبية اليهود؟

كانت لدى المؤرخ البريطاني ألان جون بيرسيفال تايلور فكرة ساخرة عن قدرة الناس على التعلم من أخطائهم. حيث قال ذات مرة: "إن التاريخ لا يمكن أن يعلمنا أي شيء لأنه يحتوي على كل شيء، مع استثناء واحد.. هو أنه لا ينبغي للمرء أن يغزو روسيا في نهاية الصيف". ومع ذلك، يبدو أن البشرية تتجه نحو البرد القارس.

يمكن للقادة الليبراليين اليوم أن يثبتوا أن نظرية تايلور خاطئة، وأنه من الممكن هزيمة الشعبوية. لكن من أجل الفوز في المناخ السياسي الحالي؛ ستحتاج القوى الديمقراطية إلى تغيير خطابها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان