استقالة هيلي وخريف ترامب.. متى ينكشف الرئيس؟

U.S. President Donald Trump speaks as U.N. Ambassador Nikki Haley looks on at the United Nations Global Call to Action on the World Drug Problem during the 73rd U.N. General Assembly in New York, U.S., September 24, 2018. REUTERS/Carlos Barria

في خطوة مفاجئة لكثير من المراقبين؛ أقدمت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي على تقديم استقالتها من منصبها الذي شغلته مدة سنتين فقط.

وبذلك تنضم هيلي إلى سرب الأوراق التي تتساقط من حول الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الأبيض، في مشهد أصبح مألوفاً في واشنطن مع كثرة الذين استقالوا من إدارته، أو الذين انقلبوا عليه أو تم طردهم.

إنها إدارة غير مستقرة ومليئة بالمفاجآت؛ هكذا كانت منذ بدأت وما زالت تسير على ذات المنوال حتى هذه اللحظة الحرجة، التي تأتي قُبيل انتخابات التجديد النصفية التي تعتبر استفتاءً شعبياً على أداء الرئيس في فترة السنتين الأولييْن من رئاسته؛ فما الذي يعاني منه الرئيس ليحدث هذا التسرب الكبير لموظفيه؟

لم تظهر حتى الساعة الأسباب الحقيقية وراء استقالة نيكي هيلي، وإن كان كثيرون يرجحون أنها كانت لأسباب تتعلق بعدم الانسجام بينها وبين كل من وزير الخارجية مايكل بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتن وهو السياسي الخبير بدهاليز الأمم المتحدة، والذي لا يخفي سخطه على المنظمة الدولية ولا يبالي في التعبير عن رغبته في الحط من قدرها.

لقد تمتعت هيلي -المقربة من الرئيس ترامب والداعمة الشرسة لإسرائيل– طوال الفترة التي سبقت مجيء هذين الرجلين بوضعية الأفضلية؛ فقد لمع نجمها مع وجود وزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون، فلكونه شخصية خجولة إعلامياً ظهرت هيلي وكأنها الناطقة الرسمية باسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

لم تظهر حتى الساعة الأسباب الحقيقية وراء استقالة نيكي هيلي، وإن كان كثيرون يرجحون أنها كانت لأسباب تتعلق بعدم الانسجام بينها وبين كل من وزير الخارجية بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتن وهو السياسي الخبير بدهاليز الأمم المتحدة، والذي لا يخفي سخطه على المنظمة الدولية ولا يبالي في التعبير عن رغبته في الحط من قدرها

وهكذا مثلت مواقفُها الصقورية في المنظمة رصيداً مهماً لدعم سياسة الرئيس ترامب الخارجية خصوصاً في الملفات الأكثر جدلاً، مثل تلك التي تتعلق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.

ورغم اختلافها مع الرئيس في ملفات أخرى، خصوصاً في الموقف من روسيا؛ فإن هيلي حافظت على علاقة قوية مع ترامب. وقد بررت هيلي رحيلها عن البيت الأبيض بعزمها التوجه إلى القطاع الخاص وجني المزيد من المال.

ربما يكون هذا التبرير مفيداً لتضليل الرأي العام، غير أنه -وبالنظر إلى توقيت الاستقالة وفجائيتها- لا يصمد كثيراً لأنه غير جدير بالاعتبار؛ فشخصية مقربة من الرئيس بهذا القدر لا تخرج من إدارته في هذا الوقت الحرج.

إن ترامب يعيش أسوأ أوقاته في ظل زيادة الدلائل على تورطه في التواطؤ مع الروس في التلاعب بالانتخابات الأميركية عام ٢٠١٦، خصوصاً مع انقلاب محاميه السابق مايكل كوهين عليه واعترافه بارتكابه خروقا لقانون التمويل الانتخابي، وقبول مدير حملته السابق أيضا بول مانفورت التعاون مع المحقق الخاص روبرت مولر؛ وهو ما يجعل إدارته على كف عفريت.

يحدث هذا أيضا في ظل تزايد شعبية حملة #ME TOO التي اكتسبت زخماً كبيراً مؤخراً، بالتزامن مع التحقيقيات المتعلقة باتهامات الإساءة الجنسية الموجهة لمرشح الرئيس ترامب للمحكمة العليا بريت كفانو.

وهناك حالة شعبية مناهضة لسياسة الرئيس ولتصرفاته تتنامى داخل شرائح واسعة من الشعب الأميركي، الأمر الذي انعكس على معدل شعبية ترامب التي سجلت مستوى منخفضا جدا وصل إلى ٣٨%، وهي أقل نسبة يحصل عليها رئيس أميركي منذ ٧٠ سنة.

وإذا أخذنا في الحسبان اقتراب الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهي الانتخابات التي تشهد سباقاً محموماً لأجل حرمان الجمهوريين من الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب؛ فإن خروج هيلي في هذا التوقيت لا يخدم رئاسة ترامب، لأنه يعزز التصور العام عن إدارة ترامب بأنها تتسم بانعدام التماسك.

انعدام التماسك في إدارة الرئيس يعود لمشكلة مزمنة في شخصية ترامب تتمثل في افتقاده روح القيادة، وهو السبب الجوهري الذي يكمن في مشهد كثرة المغادرين للبيت الأبيض؛ فعندما لا يتمتع الأتباع بالولاء الكافي للقتال مع قائدهم حتى الرمق الأخير فهذا دليل على أن هذا القائد يفتقر للإلهام الذين ينتظرونه منه، من أجل تماسك الصفوف والدفع بهم إلى الثبات حتى النهاية.

لقد باتت القناعة تتعزز لدى الأميركيين بانعدام روح القيادة لدى سياسييهم، حيث كان لانعدام روح القيادة هذا تأثيران مباشران؛ يتعلق الأول بالإخلاص المتدني الذي بات يتمتع به الموظفون لرؤسائهم، والثاني بانعدام ثقة المواطنين بالمؤسسات السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الديمقراطية الليبرالية التي تتمتع بها الولايات المتحدة.

وقد حاولت الدراما الأميركية التعبير عن هذا المشهد عبر المسلسل ذائع الصيت "الناجي المعين" (Designated Survivor)، إذ يتحدث المسلسل عن رئيس أميركي يُدعى توم كيركمان يصل إلى السلطة بعد نجاته من حادثة تفجير مروعة، تضرب الكونغرس الأميركي فتجهز على المشرعين وطاقم الوزراء كافة.

يمر "الرئيس المعين" بأحداث دراماتيكية يحاول التغلب عليها مع فريقه رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية. ومن ضمن هذه الأحداث وفاة زوجته بحادث سيارة أليم، يدخل على إثره في حالة نفسية تستدعي علاجاً على يد أخصائي نفساني.

ويتم تسريب الخبر إلى العامة الأمر الذي جعل أهلية الرئيس للبقاء في منصبه على المحك، وهو ما استدعى تدخلاً من مجلس الوزراء الذي صوت بالأغلبية على تفعيل التعديل الـ٢٥ من الدستور الأميركي القاضي بعزل الرئيس.

انعدام التماسك في إدارة الرئيس يعود لمشكلة مزمنة في شخصية ترامب تتمثل في افتقاده روح القيادة، وهو السبب الجوهري الذي يكمن في مشهد كثرة المغادرين للبيت الأبيض؛ فعندما لا يتمتع الأتباع بالولاء الكافي للقتال مع قائدهم حتى الرمق الأخير فهذا دليل على أن هذا القائد يفتقر للإلهام الذين ينتظرونه منه، من أجل تماسك الصفوف والدفع بهم إلى الثبات حتى النهاية

وفي محاولة لإعطاء الرئيس فرصة أخيرة قبل إتمام إجراءات العزل؛ يعرض مجلس الوزراء فكرة تعيين محقق خاص لفحص أهلية الرئيس للاستمرار في منصبه أو عزله، وذلك بإجراء استجواب لجميع كبار موظفي البيت الأبيض كرئيسة الموظفين إميلي رودس، ومستشار الأمن القومي آرين شور، والناطق الإعلامي للبيت الأبيض سيث رايت، والمستشار السياسي ليور بون، وبعض المقربين منه كصديقته سيدة الأعمال أنديرا فورست.

وبعد إتمام عملية الاستجواب لجميع العاملين -ومن ضمنهم الرئيس بطبيعة الحال- يجلس الرئيس كيركمان في المكتب البيضوي المُضاء بإنارة خافتة منتظراً نتيجة التحقيق، وبعد انتظار قصير تدخل عليه إيلينور داربي (نائبة الرئيس) لتضع بين يديه قرار مجلس الوزراء.

وكانت المفاجأة أن مجلس الوزراء وافق على استمرار الرئيس في منصبه، وهي نتيجة غير متوقعة نظراً لمجريات جلسات الاستجواب التي لم تكن تصب في مصلحة الرئيس.

مستغرباً من النتيجة؛ سأل الرئيسُ عن السبب وراء تأييد مجلس الوزراء لبقائه في منصبه والاستمرار في خدمة الشعب الأميركي. وكان جواب داربي أن لهذه النتيجة سببين:

السبب الأول -وهو الشاهد هنا- يتعلق بإخلاص موظفي الرئيس له خلال كل ما حدث، فالإخلاص نتاج للقيادة، والقيادة مقياس للكفاءة؛ والرئيس الكفء يجب أن يبقى في منصبه.

أما السبب الثاني فيتعلق بأن الرئيس صادق جدا، وهذه الصفة لم تتغير في الرئيس منذ توليه منصبه، ولذلك فإن الصدق والكفاءة هما العنصران المهمان وراء تثبيت الرئيس واكتسابه الثقة من جديد.

حريٌّ بالقول إن الرئيس ترامب لا يتحلى أبدا بصفة الصدق، فهو من أكثر الرؤساء الأميركيين امتهاناً للكذب على الإطلاق. أما صفة الكفاءة فهي من الأمور المشكوك جدا في توفرها لدى الرئيس نظرا لكثرة الأوراق المتساقطة من إدارته، والتي تشير إلى أن موظفيه لا يتمتعون بالإخلاص الكافي للاستمرار في إدارته، وذلك لافتقاره إلى روح القيادة.

إن خروج السفيرة نيكي هيلي يؤكد هذه النظرة ويدعم الفكرة القائلة بدنوِّ نهاية رئاسة ترامب، سواء عبر مباشرة إجراءات العزل أو بحرمانه من الترشيح لولاية ثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.