تويتر في السعودية.. تأثير الحضور وسياسات المنصة
عبد القدير عبد الله
تغريد خارج السرب
المال وسياسات المنصة
انطلق موقع تويتر عام 2006 كمشروع بحثي من قبل شركة "أوديو" الأميركية، وظل استعماله محصورا بين موظفي الشركة قبل أن يتم إطلاقه رسميا للجمهور في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، ثم توالت السنوات ليحتل تويتر الآن مرتبة مهمة في قائمة أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شهرة في العالم.
في منطقة الخليج العربي والسعودية خصوصاً؛ يحتل موقع تويتر مركزاً متقدماً على جميع مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون بذلك الموقع الأكثر استعمالا وشهرة بين السعوديين خصوصاً والخليجين عموماً، مما جعل السعودية تحتل أهمية قصوى لدى الشركة المتعثرة مالياً، والتي لا تجد لنفسها -رغم انتشارها الكبير- نموذجاً تجارياً رابحاً مقارنة بنظائرها من مواقع التواصل الاجتماعي.
تعتبر السعودية (32 مليون نسمة) أكبر سوق لوسائل الإعلام الاجتماعي في المنطقة، حيث إن أعمار 75% من سكان السعودية تحت سن الثلاثين، وتجنح هذه الفئات العمرية غالباً إلى التعامل مع منصات الإعلام الرقمي، لا سيما أن السعودية تضيق فيها مساحات التسلية والترفيه لدى الشباب بشكل كبير.
تعتبر السعودية (32 مليون نسمة) أكبر سوق لوسائل الإعلام الاجتماعي في المنطقة، حيث إن أعمار 75% من سكان السعودية تحت سن الثلاثين، وتجنح هذه الفئات العمرية غالباً إلى التعامل مع منصات الإعلام الرقمي، لا سيما أن السعودية تضيق فيها مساحات التسلية والترفيه لدى الشباب بشكل كبير |
كما يصعب على الأفراد في الغالب إبداء آرائهم داخلها عبر القنوات الرسمية، وبالتالي يلجؤون إلى هذه الشبكات للتعبير بكل حرية، فنرى أن الشباب السعودي يتجه لمواقع التواصل الاجتماعي -وعلى رأسها تويتر وسناب شات ويوتيوب– للبحث عن مساحة للترفيه ومتابعة الأخبار والتعبير عن الرأي، كما استخدمت مواقع التواصل ساحة للحوار بين التيارات السعودية وخصوصاً التياريْن الإسلامي والليبرالي.
في السنوات الأخيرة؛ أصبح تويتر مقصداً لجميع الأطراف في المجتمع السعودي فقصده الشباب في البدايات، ثم ما لبث أن لحق به قادة المجتمع من مفكرين وسياسيين ومسؤولين وإعلاميين ودعاة، وتحتل حسابات الدعاة السعوديين على منصة تويتر قائمة الحسابات الأكثر متابعة في المنصة سعودياً وعربياً.
وقد دفع هذا التجمعُ والاهتمامُ الشعبي والمجتمعي بمنصة تويتر رجلَ الأعمال والأمير السعودي الوليد بن طلال إلى الاستحواذ على حصة كبيرة من أسهم المنصة تجعله من كبار المستثمرين فيها.
كما انعكس هذا الاهتمام بشكل واضح على السياسات والإجراءات الحكومية تجاه المنصة والمشاهير فيها، إذ عقدت المؤسسات الحكومية السعودية العديد من المؤتمرات والورشات حول الاستعمال الأمثل لمنصة تويتر من وجهة النظر الحكومية.
وكانت هذه المؤتمرات تحت بنود مكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة والدخيلة على المجتمع السعودي، كما عرّفتها هذه المؤتمرات. ثم ما لبثت الجهود الحكومية السعودية أن تُوّجت بتأسيس وإطلاق مركز "اعتدال" لمكافحة الفكر المتطرف في وسائل الإعلام الاجتماعية.
من جانب آخر؛ أعطت الحكومة السعودية اهتماماً خاصاً لمنصة تويتر عبر حسابات موثقة لكبار المسؤولين السعوديين واهتمام خاص بالشخصيات السعودية الأكثر شهرة، وتم استخدام حسابات المشاهير في تويتر بشكل واضح في التمهيد للقرارات المهمة من قبل السلطات السعودية.
وبذلك استثمرت السلطات السعودية منصة تويتر كمساحة إعلامية تتواصل من خلالها مع الجمهور السعودي، عبر حساباتها المباشرة أو عبر مشاهير يدعمون التوجهات الحكومية السعودية.
تغريد خارج السرب
ومع هذا الاهتمام الحكومي والشعبي بتويتر سعودياً؛ وجد التيار الإصلاحي السعودي -من مفكرين ومدونين وعلماء- في تويتر مساحة للتعبير عن آرائهم بشكل يُعتبر تغريداً خارج السرب الحكومي، مما عرض هؤلاء المغردين لمضايقات متنوعة، من الملاحقة القضائية والإيداع في السجون إلى المنع من التغريد، فضلا عن التشويه والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية.
وتجلت مظاهر التغريد خارج السرب الحكومي أو شبه الحكومي بالسعودية في حسابات تدافع عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي، بالإضافة إلى حسابات تناولت قضايا الفساد والمحسوبيات داخل أروقة الأسرة الحاكمة والحكومة السعودية.
الإجراءات الحكومية السعودية حوّلت مواقع التواصل إلى فخ للنشطاء السعوديين على مختلف آرائهم واتجاهاتهم، وأصبحت مجرد تغريدة على تويتر كفيلة بأن تدفع بصاحبها إلى الاعتقال. وكشفت حملة الاعتقالات الأخيرة -التي شنتها السلطات السعودية على دعاة ومفكرين لمجرد تغريدات عبرت عن آرائهم- حساسية السلطة من التغريد المعارض |
وقد وفّرت منصة تويتر في بداياتها مساحة للشباب السعودي للتعبير عن آرائهم وممارسة الاحتجاج والمظاهرات الرقمية في قضايا هامة طالما مُنع تداولها بحرية في الإعلام السعودي، مثل قضايا البطالة والفساد وقيادة المرأة للسيارة وغيرها.
وقد تعرض أكثر من مسؤول سعودي للإقالة بسب مقاطع فيديو وقضايا فساد تم كشفها وانتشرت عبر تويتر بين السعوديين، ففضحت تقصيرا وكشفت فسادا أحرج السلطات والعائلة الحاكمة في السعودية.
وقد أدى ذلك بالسلطات إلى محاربة التيار المغرد خارج السرب الحكومي، وتجلت تلك المحاربة في حملة لمراقبة الحسابات بشكل مكثف مع تشريعات قانونية تبرر اعتقالات طالت عددا من المغردين السعوديين، حيث اعترف المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور تركي -في تصريحات نشرتها صحيفة "عكاظ" السعودية- بوجود رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد تركي أن هناك "فئة ضالة" تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لبث رسائل تحريضية مستغلة كونها خدمة مفتوحة وعامة للجميع، وهي الفئة التي يتم رصدها في إطار نظام الجرائم المعلوماتية المعمول به في السعودية.
هذه الإجراءات الحكومية السعودية حوّلت مواقع التواصل إلى فخ للنشطاء السعوديين على مختلف آرائهم واتجاهاتهم، وأصبحت مجرد تغريدة على تويتر كفيلة بأن تدفع بصاحبها إلى الاعتقال. وكشفت حملة الاعتقالات الأخيرة -التي شنتها السلطات السعودية على دعاة ومفكرين لمجرد تغريدات عبرت عن آرائهم- حساسية السلطة من التصريحات التي يطلقها المشاهير السعوديون عبر تويتر.
وكشف نشطاء أن السلطات السعودية استدعت عدداً من المغردين المؤثرين، وحذرتهم من التغريد عن الأزمة الخليجية الحالية، كما أخذت من بعضهم تعهدات رسمية بعدم التحدث في شأن الأزمة.
المال وسياسات المنصة
في ظل هذا التنافس والحضور القوي سعودياً عبر منصة تويتر، وبعد تملك الأمير الوليد بن طلال حصة كبيرة من أسهم الشركة؛ أقدمت الشركة على افتتاح مكتبها الإقليمي في الشرق الأوسط بدبي عام 2015، لتكون بالقرب من الدولة الأكثر تفاعلاً عبر منصتها نسبةً إلى عدد السكان، وذلك دخلت المنصة عبر سياساتها في تجاذبات الحراك السعودي في فضاء تويتر.
لكن شركة تويتر أعلنت أنها تسعى -من خلال افتتاحها المكتب الجديد- لزيادة المبيعات الإعلانية وإقامة المزيد من الشراكات في المنطقة، وذلك وفقا لشاليش راو نائب رئيس الشركة في آسيا والمحيط الهادئ وأميركااللاتينية والأسواق الناشئة، الذي قال إن افتتاح المكتب جاء بعد دراسة تزايد استخدام تويتر في المنطقة، ونتيجة لأهميته في حياة المستخدمين بها.
شركة تويتر وجدت نفسها مضطرة إلى الاختيار بين الاستثمارات الإعلانية وبين التدخل في التحكم والسيطرة على الحراك والتجاذب عبر منصتها الرقمية، لكنها سرعان ما اختارت -كما يبدو من عدة حوادث وقضايا- الوقوف إلى جانب التيار الحكومي السعودي، سعياً لتضييق الخناق على مساحة الحرية في التعبير |
إلا أن الشركة -ممثلة في مكتبها الإقليمي بدبي- وجدت نفسها مضطرة إلى الاختيار بين الاستثمارات الإعلانية والشراكات التي جاءت من أجلها، وبين التدخل في التحكم والسيطرة على الحراك والتجاذب عبر منصتها الرقمية.
وسرعان ما اختارت الشركة -كما يبدو من عدة حوادث وقضايا- الوقوف إلى جانب التيار الحكومي السعودي، سعياً لتضييق الخناق على مساحة الحرية في التعبير التي يتمتع بها ناشطون سعوديون عبر تويتر.
وتجلى ذلك في إغلاق حسابات للنشطاء السعوديين، وسرعة توثيق ودعم الحسابات الحكومية السعودية أو حسابات الشخصيات الموالية لوجهة النظر الحكومية، بل إن شركة تويتر وفّرت مميزات خاصة لبعض الحسابات الحكومية السعودية والإماراتية.
بينما تعرضت حسابات أخرى -كحساب شبكة الجزيرة الإخبارية- لإيقاف دام ثلاث ساعات، ثم عاد للعمل وتمت إعادة المتابعين له بشكل تدريجي، دون أي توضيح من تويتر عن الأسباب الداعية إلى إيقاف الحساب.
تقع شركة تويتر تحت ضغوط عدة تحدد لها سياساتها؛ من أهمها رأس المال المالك لثاني أكبر حصة من أسهم الشركة عبر الأمير السعودي الوليد بن طلال، والضغوط الحكومية وشبه الحكومية بالمال والسياسة في كل من السعودية والإمارات.
هذا إضافة إلى تلك الشريحة الواسعة من الجمهور الذي يستخدم تويتر مساحة للتعبير عن رأيه والاحتجاج الإلكتروني، ويبدو أن الشركة تجنح إلى معالجة تعثراتها المالية على حساب بقاء المنصة مفتوحة للجميع بنفس المميزات والحرية في التعبير عن الرأي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.