أفريقيا في أتون الأزمة الخليجية
السيسي وحفتر وأدوار الوكالة
السودان وإثيوبيا ومواجهة الضغوط
تواضع حصيلة جهود التحريض
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الأزمة الخليجية؛ يأبى صانعوها إلا أن تمتد ألسنة لهيبها إلى أفريقيا التي لا تنقصها نيران الفتن والإحن. إذ يعمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجنرال الليبي خليفة حفتر -بأثمان مدفوعة ومعلومة- على تحريض دول القارة ترغيبا وترهيبا، لجعلها تصطف مع الدول التي تفرض حصارا ظالما على قطر.
ويبدو أن تركيز عُصبة دول الحصار منصبٌ حاليا على منطقة وسط وشرق أفريقيا التي تضم تشاد والسودان ودول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال)، باعتبارها المنطقة الأقرب جغرافياً، فالقرن الأفريقي يبعد مسافة 30 كلم عن اليمن عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب.
وبعد دعوة الرئيس التشادي إدريس ديبي لزيارة أبو ظبي التي أعقبتها زيارة الرئيس السيسي لتشاد؛ أعلنت الأخيرة -بدون مقدمات وحيثيات منطقية- قطع علاقاتها مع قطر، بعد مُضي ثلاثة أشهر على الأزمة الخليجية.
وفيما قبل الأزمة وما بعدها؛ أصبح القرن الأفريقي مسرحا لتسابق خليجي محموم، فأقيمت قواعد عسكرية مقابل مساعدات سخية، بل وجدت دول القرن الأفريقي نفسها وسط تجاذب بين دول الخليج نفسها التي يجمعها تحالف الحصار، مثل السعودية والإمارات.
فقد عملت الإمارات على إقامة قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري وتعتزم بناء أخرى في أرض الصومال، المنفصلة عن الصومال الدولة الأم منذ عام 1991. أما السعودية فقد بحثت إقامة قاعدة لها في جيبوتي، ولا يبدو أن الوجود العسكري الخليجي هناك وجود مؤقت على أية حال.
وعبرت إثيوبيا -وهي الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا في القرن الأفريقي- عن قلق بالغ إزاء هذا التسابق، وقال مسؤول بارز فيها إن ما يجري في القرن الأفريقي سببه الأزمة الخليجية، خاصة أن النشاط الذي تقوم به السعودية والإمارات يشكل تهديدا لإثيوبيا.
والسودان الدولة الأكبر المحاذية غربا للقرن الأفريقي وللسعودية تحاصره وتمسك بتلابيبه خططُ مصر -التي هي إحدى دول الحصار- بالتحالف مع حفتر.
فالموقف السوداني المـُعلن من الأزمة لا يعجب دول الحصار، وفي ذات الوقت تحاول القاهرة وحليفها حفتر استثمار هذا الظرف للتحريض ضد الخرطوم لأجندة ليست لها علاقة مباشرة بالأزمة الخليجية، واستغلال أزمة دارفور ودعم المتمردين فيها عسكريا ولوجستياً.
وقد ذهب المتشائمون في السودان إلى التحذير من انزلاق البلاد في الحالة اليمنية، عبر تشكّل "عاصفة حزم" جديدة تتألف أطرافها من مصر وقوات حفتر في ليبيا ومن تشاد ودولة جنوب السودان، مع وجود دعم وإسناد سعودي إماراتي ظاهري أو خفي.
السيسي وحفتر وأدوار الوكالة
عانى نظام عبد الفتاح السيسي بمصر -بعد استيلائه على السلطة الشرعية في 3 يوليو/ تموز 2013 بالانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي– من عزلة أفريقية واسعة، ففي أول رد فعل إقليمي ودولي على الانقلاب؛ علق الاتحاد الأفريقيعضوية مصر فيه، عازيا ذلك إلى "انتزاع السلطة بشكل غير دستوري" في البلاد.
يبدو أن تركيز عُصبة دول الحصار منصبٌ حاليا على منطقة وسط وشرق أفريقيا التي تضم تشاد والسودان ودول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال)، باعتبارها المنطقة الأقرب جغرافياً، فالقرن الأفريقي يبعد مسافة 30 كلم عن اليمن عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب |
وبعد أن رفع الاتحاد التعليق في 2014، عزم السيسي على التحرك في أفريقيا والاضطلاع بأدوار عسكرية ومخابراتية مدفوعة الثمن لصالح الغير، في إطار محاولاته المضنية لتغطية الفشل السياسي والاقتصادي داخليا. وكانت الأزمة الخليجية إحدى الفرص الثمينة لنظام السيسي المتحالف مع الجنرال الليبي حفتر، الذي يسعى للإمساك بزمام السلطة في ليبيا وإزاحة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا برئاسة فايز السراج.
واستطاع كل من السيسي وحفتر إقناع تشاد بقطع علاقاتها مع دولة قطر وتبني اتهامات دول الحصار. ومن المفارقات أن حفتر سبق أن احتل تشاد فترة قصيرة حين قاد القوات الليبية خلال الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي.
وتشاد من بين دول أفريقية قليلة وقعت في أحابيل وتحريض الدول الأربع المحاصرة لقطر، بالإضافة إلى حفتر الذي تقول القراءات المستقبلية إنه سيكون مصدرا لعدم الاستقرار في تشاد.
وخلال الأسابيع القليلة التي سبقت قطع تشاد علاقاتها مع الدوحة؛ زار السيسي تشاد في 17 أغسطس/آب الماضي، وتلت ذلك زيارة وفد من القبائل الليبية الموالية لحفتر إلى تشاد يوم 21 من نفس الشهر.
وقبل ذلك زار الرئيس التشادي الإمارات في 15 يوليو/ تموز الماضي، ثم أعلنت حكومتها تقديم مساهمة بقيمة 150 مليون دولار أميركي -من خلال صندوق أبو ظبي للتنمية- إلى تشاد لدعم خطة التنمية الشاملة فيها.
ويجمع بين السيسي وحفتر معاداتهما للجماعات السياسية التي تتبنى الطرح الإسلامي، ويقول حفتر إن هناك تنسيقاً بين قواته والجيش المصري بصورة كبيرة منذ تولي السيسي حكم مصر، مشدداً على أن "يد السيسي ظهرت في وقت مناسب للقضاء على الإخوان، ولولاه ما استطعنا الوقوف على أرجلنا مرة أخرى". ويُلقَّب حفتر أحياناً بـ"السيسي الليبي". ويجمعهما ذات الأمر مع الإمارات، فضلا عن سعيهم جميعا لإحباط ثورات الربيع العربي.
السودان وإثيوبيا ومواجهة الضغوط
السودان وإثيوبيا هما أكبر دولتين في الشرق الأفريقي من حيث المساحة وعدد السكان فضلا عن أهميتهما الإستراتيجية، وقد شكلا ممانعة في وجه دول الحصار التي سعت حثيثا (ترغيبا وترهيبا) لكي يصطفا في المحور المناوئ لقطر.
ورغم أن موقف كل من الخرطوم وأديس أبابا كان محايدا فإن ذلك لم يعجب دول الحصار، بل أغضبهما كثيرا لاعتقادها أن انحيازهما لدول الحصار سيكون تلقائيا أو أنه سيتم بمجرد طلبه منهما، إذ إن هذه الدول تعتقد أن بيدها كثيرا من أوراق الضغط التي يمكن أن ترفع في وجه الخرطوم وأديس أبابا.
ويأتي ذلك تزامنا مع نشر تقارير صحفية عن تحالف ثلاثي يضم القاهرة وجوباوكمبالا لإسقاط نظاميْ الخرطوم وأديس أبابا، عبر دعم المعارضتين السودانية والإثيوبية وتسليحهما وتنصيب حكومتين بديلتين ومواليتين للقاهرة وكمبالا.
السودان وإثيوبيا هما أكبر دولتين في الشرق الأفريقي من حيث المساحة وعدد السكان فضلا عن أهميتهما الإستراتيجية، وقد شكلا ممانعة في وجه دول الحصار التي سعت حثيثا (ترغيبا وترهيبا) لكي يصطفا في المحور المناوئ لقطر. ورغم أن موقف كل من الخرطوم وأديس أبابا كان محايدا فإن ذلك لم يعجب دول الحصار، بل أغضبهما كثيرا |
وربما كان السودان المشارك بقوات مقدرة في عاصفة الحزم يشكل أهمية خاصة لدول الحصار، ولذا يتعرض حاليا لكثير من الضغوط الاقتصادية والعسكرية عن طريق جواره؛ خاصة مصر من ناحية الشمال وليبيا وتشاد من ناحية الغرب.
ويبدو أن أزمة دارفور في غرب السودان تعتبر ورقة الضغط الأكثر فعالية ضد الخرطوم عبر مصر والجنرال حفتر في ليبيا. ومعلوم أنه مع احتدام الأزمة الليبية واندلاع القتال في دولة جنوب السودان؛ اتجهت حركات التمرد المسلح في دارفور إلى ليبيا بدعوة وتشجيع من حفتر. وتتهم الخرطوم حفتر باتباع ذات النهج الذي كان يتبناه الزعيم الراحل معمر القذافي بدعم تلك الحركات.
وصدر اتهام صريح لكل من مصر وحفتر بدعم متمردي دارفور من الرئيس عمر البشير، الذي أكد -قُبيل اندلاع الأزمة الخليجية بأيام قليلة- أن القوات السودانية ضبطت مدرعات مصرية بحوزة متمردي دارفور.
ووصف البشير هجوم المتمردين على دارفور عبر محورين من ليبيا وجنوب السودان بأنه مؤامرة كبرى ضد السودان، وعلى إثر ذلك قامت الخرطوم بإغلاق المنافذ الحدودية مع ليبيا وتشاد التي تعتقد أن من خلالها يتم تهريب السلاح والمخدرات والبشر والعناصر الإجرامية.
وينبع حرص السيسي وحفتر على ضم تشاد إلى معسكر الحصار من تأثيرها على أزمة دارفور؛ فقد كان لتشاد دور سلبي في هذه الأزمة بحكم جوارها وتداخلها مع السودان. بيد أنه في عام 2009 وقّعت الخرطوم اتفاقاً أمنيا مع تشاد بدعمٍ ووساطةٍ قطرية، ونص الاتفاق على نشر قوات مشتركة للبلدين على حدودهما. ومكن هذا الاتفاق الخرطوم من كسر شوكة حركات تمرد دارفور التي كانت تجد دعماً لوجستياً كبيراً من إنجمينا.
أما إثيوبيا، فرغم أنها تملك أحد أقوى جيوش المنطقة فإنها شعرت بالقلق الشديد حين تنبهت -إثر هذه الأزمة الخليجية- إلى أنها أضحت مطوّقة بالقواعد العسكرية الأجنبية. وأعرب رئيس وزرائها -في تموز/يوليو الماضي- عن قلقه حين أكد أن "إثيوبيا قد تتأثر في حال حدوث زعزعة للاستقرار الإقليمي".
تواضع حصيلة جهود التحريض
لم تفلح جهود سعودية في إثناء إثيوبيا عن موقف الحياد، فعقب أيام قليلة من اندلاع الأزمة؛ أرسلت الرياض مبعوثا إلى إثيوبيا فالتقى رئيس وزرائها. لكن الأخير أكد موقف حكومته المحايد من الأزمة، وقال -في كلمة في البرلمان الإثيوبي- إن بلاده تدعم بشدة الجهود التي تقودها الكويت لتسوية هذه الأزمة سلميا.
رغم ضخامة مجهودات دول الحصار الهادفة إلى توريط دول أفريقية عديدة في مستنقع الأزمة الخليجية بمساعدة السيسي وحفتر؛ فإن المردود كان ضئيلا. فالموقف الأفريقي في عمومه أعلنه لاتحاد الأفريقي في بيان قمته الأخيرة (4 يوليو/تموز) بإثيوبيا، حيث كان الاتفاق على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية بشكل سلمي |
رغم ضخامة مجهودات دول الحصار الهادفة إلى توريط دول أفريقية عديدة في مستنقع الأزمة الخليجية بمساعدة السيسي وحفتر؛ فإن المردود كان ضئيلا. فالموقف الأفريقي في عمومه أعلنه لاتحاد الأفريقي في بيان قمته الأخيرة (4 يوليو/تموز) بإثيوبيا، حيث كان الاتفاق على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية بشكل سلمي.
وعقب القمة مباشرة؛ تلقى أمير قطر اتصالا هاتفيا من رئيس جمهورية غينيا -الذي يرأس الدورة الحالية للاتحاد- معربا عن دعمه لمساعي الكويت الرامية إلى حل الأزمة بالحوار البنّاء بين جميع الأطراف والقائم على الجهود الدبلوماسية.
وفي المحصلة؛ فشلت جهود ضم كل من السودان وإثيوبيا وإريتريا والصومال والسنغال إلى الدول المحاصرة لقطر، رغم الضغوط السعودية الكثيفة. فقد تعرضت مقديشو مثلا لضغوط سعودية منها إغراءات بتقديم 80 مليون دولار مقابل قطع العلاقات مع قطر. هذا فضلا عن خفض تأشيرات الحج، وإلغاء المنح الدراسية التي كانت السعودية تقدمها للطلاب الصوماليين.
وحتى الدول الأفريقية التي اضطرت لخفض تمثيلها الدبلوماسي مع قطر فإن ذلك جاء بسبب محاولتها وقف الضغوط السعودية، أو اتقاء شر مزيد من الضغوط والتهديدات التي تلوّح بها كل من السعودية والإمارات.
ولعل أسوأ ما في خطط دول الحصار تجاه دول أفريقيا هو أنها وفرت فرصة ثمينة لإسرائيل التي تُعَد واحدةً من أكبر ستة تجار أسلحة في العالم، وتسعى باستمرار للوصول إلى مناطق النزاعات والصراعات، لا سيما أفريقيا، بينما توفر دول مثل الإمارات والسعودية الأموال التي تطلبها إسرائيل من جنرالات الحرب نظير بيعها السلاح الفتاك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.