دونالد ترمب رئيساً تنفيذياً
لنفترض أن مجلس إدارة إحدى الشركات يبحث عن رئيس تنفيذي جديد، وبعد بحث مُضْنٍ وطويل يقرر أعضاء مجلس الإدارة اختيار وافد جديد على الصناعة، بزعم أن المرشح سيجعل الشركة رائدة في السوق مرة أخرى. وبالفعل، يطرح الرئيس التنفيذي الجديد خططا كبرى، وينفق الأشهر الستة الأول في تفكيك وانتقاد سياسات وممارسات الماضي، وأحيانا من دون تناغم أو سبب.
ويستأجر الرئيس التنفيذي "رجالا مطيعين"، ربما من زملائه القدامى أو أصدقائه أو حتى أقاربه. ولأن خبراتهم لا تزيد كثيرا عن خبرة الرئيس التنفيذي -فضلا عن الحوافز الوفيرة للتزلف والتقرب إلى رئيسهم- فإنهم لا يقدمون مشورة سليمة. وحتى إذا فعلوا فإن الرئيس التنفيذي لن يأخذ بمشورتهم.
وإذا أضفنا إلى هذا الافتقار إلى الشفافية، والانتهاكات الواضحة لأخلاقيات العمل ومبادئ القيادة الأساسية، فسرعان ما تتراجع مصداقية الرئيس التنفيذي. وسرعان ما يُصاب المسؤولون التنفيذيون من ذوي الخبرة في الشركة بالإحباط في مواجهة الحرس الجديد، ويرحلون في غضون بضعة أشهر.
يتخيل ترمب نفسه رئيسا تنفيذيا لأميركا؛ والواقع أنه فاز بالرئاسة جزئيا لأنه قدم نفسه باعتباره قطبا ناجحا من أقطاب عالَم الأعمال. وعلى هذا، ينبغي أن تجري محاسبته على أساس نفس المعيار الذي يُحاسَب على أساسه الرئيس التنفيذي لأي شركة عامة كبيرة متعددة الجنسيات |
ويغذي هذا الفرار شعورا أوسع بالخوف وعدم اليقين بين الجميع، من المستثمرين إلى الموظفين، ثم يتعزز هذا الشعور بعد أن يُصبِح من الواضح أن الرئيس التنفيذي لا يفي بالوعود التي بذلها خلال عملية المقابلة.
وفي غضون ستة أشهر تنزلق الشركة إلى حالة من الفوضى. ويُصبِح من الواضح أن الرئيس التنفيذي جرى تعيينه على أساس ثرثرة وأحاديث صاخبة فارغة. وعند هذه النقطة، نتوقع من مجلس الإدارة التصعيد وتوجيه اللوم إلى الرئيس التنفيذي الفاشل، إن لم يكن طرده من منصبه.
وإذا لم يتحرك أعضاء مجلس الإدارة بالسرعة الكافية، فهناك مجموعة واسعة من المبلغين عن الانتهاكات ومن النقابات والمدافعين عن المستهلك وغيرهم، لإعطائهم الدفعة اللازمة؛ وبهذا تعمل هذه المجموعة كنظام من الضوابط والتوازنات.
يتخيل ترمب نفسه رئيسا تنفيذيا لأميركا؛ والواقع أنه فاز بالرئاسة جزئيا لأنه قدم نفسه باعتباره قطبا ناجحا من أقطاب عالَم الأعمال. وعلى هذا، ينبغي أن تجري محاسبته على أساس نفس المعيار الذي يُحاسَب على أساسه الرئيس التنفيذي لأي شركة عامة كبيرة متعددة الجنسيات، أي المعيار الذي يرتفع بمرور الوقت نظرا لزيادة التدقيق في ممارسات حوكمة الشركات (رغم الجهود التي يبذلها ترمب لإزالة الضوابط التنظيمية).
ولكن حتى الآن، لم يُطَبَّق هذا المعيار؛ ففي الأشهر الستة الأول من رئاسته، خلف ترمب من الضرر ما لا يستطيع أن يحدثه أي مسؤول تنفيذي منفردا. ومن الواضح أنه انتهك كل قاعدة تحكم عمله في منصبه. فقد واجه دفقا متواصلا من الاكتشافات الفاضحة حول علاقات دائرته الداخلية مع روسيا. ولم ينتج أي إنجاز تشريعي كبير.
وفي الواقع؛ يبدو أن كل أسبوع يأتي ومعه تطور جديد يكفي -بمفرده أو بالتضافر مع بقية التطورات- لإقالة الرئيس التنفيذي. على سبيل المثال، إذا دخل أي رئيس تنفيذي إلى أي اجتماع بأقل قدر من الاطلاع على موضوع الاجتماع -كما يفعل ترمب عادة- وأخذ يتشدق بمعلومات متعالية فارغة ومغلوطة، فإنه سرعان ما يفقد احترامه خارج الشركة ودعمه داخلها.
وما عليك إلا أن تسأل إليزابيث هولمز من شركة ثيرانوس التي حاولت بناء شركتها المتخصصة في اختبارات الدم على هراء وكلمات فارغة، وانتهت بها الحال إلى خسارة كل مصداقيتها.
في الأعمال التجارية، يسارع المحيطون بالإمبراطور إلى إخباره عن حقيقة ملابسه الجديدة، ما لم تكن شركة عائلية من النوع الذي أداره ترمب وتسبب في إفلاسه كثيرا.
وإدارة ترمب أشبه تماما بمثل هذه "الشركة"، وهذا يعني أن كبار موظفيه ليس لديهم بديل سوى الاستقالة في مواجهة الإدارة الهزيلة (أو التي ربما حتى تتحدى القانون). وكان سكرتير البيت الأبيض الصحفي شون سبايسر أول من يلقي بالمنشفة مستسلما، بعد ستة أشهر فقط في الوظيفة. ولن يكون الأخير.
وعلاوة على ذلك، يُفسِح نادي الرفاق القدامى المجال أمام بيئة تتسم بقدر أكبر من المساءلة في مجال الأعمال؛ فقد ولت تلك الأيام التي كان فيها بوسع الرئيس التنفيذي أن يتعامل بعدم احترام مع الإناث بين الزملاء والمتعاملين مع الشركة، ويفلت من العقاب.
معدلات شعبية ترمب انخفضت إجمالا بشكل كبير، فبلغت مستويات متدنية لم يقترب منها سوى رئيسين سابقين خلال الأشهر الستة الأول لهما في المنصب. وهذا يعني أن الأمر ينطوي على مشكلة أكثر جوهرية: فقد فشل نظام الضوابط والتوازنات بأميركا حتى الآن في العمل بالقدر الذي تريده لها الولايات المتحدة -وكذلك العالم- من الفعالية |
ولكن رغم ذلك، وكما حدث مع التعليقات المروعة التي ألقاها قبل أن يُصبِح رئيسا؛ أفلت ترمب مؤخرا من العقاب بعد إهانة مراسلة إيرلندية (بمقاطعته مكالمة مع رئيس وزراء إيرلندا لمناقشة مظهرها)، وزوجة رئيس فرنسا التي علق على بنية جسمها. والواقع أن مثل هذه التعليقات ليست غير لائقة وفظة تماما فحسب؛ بل إنها تُظهِر أيضا قدرا لا يُصَدَّق من فساد الذوق والحكم على الأمور.
في عالم الأعمال، لن يمر نمط من هذا القبيل دون أن يُلحَظ، وفي النهاية ستضطر الشركة إلى اتخاذ الإجراء الواجب. وإذا لم يتمكن الرئيس التنفيذي لشركة ملابس أميركية من الإفلات من العقاب على مثل هذا التحرش؛ فلماذا ينبغي لرئيس الولايات المتحدة أن يُفلِت؟
على نحو مماثل، لماذا يُسمَح لترمب بممارسة ألعاب احتيالية في التعامل مع صحة الناس ورفاهتهم، ومحاولة التسلط على زملائه في الكونغرس لحملهم على الموافقة على مشروع قانون الرعاية الصحية الذي يقضي بحرمان الملايين من التغطية الصحية؟
عندما قام الرئيس التنفيذي السابق لشركة تورينج للمستحضرات الصيدلانية مارتن شكريلي برفع سعر الدواء "دارابريم" المعالج لداء المقوسات -وهو دواء مُنقِذ للحياة بالنسبة لمرضى الأيدز– من 13.5 دولارا للقرص الواحد إلى 750 دولارا؛ انهارت سمعته. واستقال في أعقاب ادعاءات بأنه خصص أموال شركات كان يعمل فيها سابقا لاستخدامات شخصية. والآن، يقضي شكريلي العديد من أيامه في المحكمة.
على النقيض من ذلك، يظل ترمب آمنا في منصبه كرئيس، وهو ما يرجع جزئيا إلى الولاء الذي يبدو مطلقا من العديد من مؤيديه. فخلال حملته الانتخابية، أعلن ترمب أنه حتى لو وقف في وسط الجادة الخامسة بمانهاتن وأطلق النار على شخص ما، فإنه لن يخسر أيا من الناخبين. وهذه المرة على الأقل لم يكن ادعاؤه مجرد ثرثرة: فقد أشار استطلاع للآراء جرى مؤخرا إلى أن 45% من ناخبي ترمب لن يتخلوا عن تأييده إذا أطلق النار على شخص ما.
بيد أن معدلات شعبية ترمب انخفضت إجمالا بشكل كبير، فبلغت مستويات متدنية لم يقترب منها سوى رئيسين سابقين خلال الأشهر الستة الأول لهما في المنصب. وهذا يعني أن الأمر ينطوي على مشكلة أكثر جوهرية: فقد فشل نظام الضوابط والتوازنات بأميركا حتى الآن في العمل بالقدر الذي تريده لها الولايات المتحدة -وكذلك العالم- من الفعالية.
لقد أصبحت حوكمة الشركات أكثر صرامة، استنادا إلى الاعتراف المتنامي بمسؤولية الشركات عن ضمان بيئة العمل الآمنة، وحظر عمل الأطفال، ومنع الدمار البيئي، وإنهاء ممارسات ضارة أخرى. وينبغي للإدارة السياسية أن تتحرك في نفس الاتجاه. إن ترمب فخور بكونه رجل أعمال؛ دعونا إذن نتعامل معه وفقا لذلك ونطلب منه أن يفارقنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.