نظرة جديدة على الحرب الأفغانية

KANDAHAR, AFGHANISTAN - NOVEMBER 14: US Army troops pass an accommodation block at Kandahar airfield on November 14, 2014 in Kandahar, Afghanistan. Now that British combat operations have ended and the last UK base in Afghanistan had been handed over to the control of Afghan security forces, any remaining troops are leaving the country via Kandahar. As the drawdown of the US-led coalition troops heads into its final stages, many parts of Kandahar airfield, once home to tens of thousands of soldiers and contractors, are being closed or handed over to the Afghans.

مع هيمنة الأزمة السورية على عناوين الأخبار، يولي عدد قليل من الناس الاهتمام بحرب أميركا الأطول. ففي الواقع؛ بالكاد ذُكرت في الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحربُ في أفغانستان رغم وجود اثنين من ضباط الجيش ذوي الخبرة في مناصب رئيسية داخلها، وهما وزير الدفاع جيم ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، وهذا يجب أن يتغير.

إن الوضع في أفغانستان بعد 15 عاما من التدخل الفاشل خرج عن نطاق السيطرة، وتعد حكومة الوحدة التي ظهرت بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2014 فاشلة، والظروف الأمنية في تدهور سريع.

وفي الوقت نفسه؛ هناك ارتفاع في إنتاج الأفيون حيث تحتل أفغانستان حاليا المرتبة الثانية عالميا في مجال غسل الأموال (بعد إيران)، وتستمر تدفقات اللاجئينالأفغان دون انقطاع في أوروبا وأماكن أخرى.

أنفقت الولايات المتحدة منذ عام 2002 أكثر من 780 مليار دولار على الحرب، أي ما يعادل تقريبا ميزانية الشؤون الخارجية الأميركية بأكملها لأكثر من عقدين، وستضيف النفقات الإضافية من خارج الميزانية -بما في ذلك مدفوعات العجز والتعويض لأسر الجنود الذين سقطوا- مئات مليارات الدولارات إلى التكلفة الإجمالية للحرب

لقد أدت الحرب في أفغانستان إلى خسائر هائلة، فالوفيات حتى الآن قاربت 3500 جندي من قوات التحالف (حوالي 70٪ منهم من القوات الأميركية)، ونفس العدد من المقاولين، وحوالي مئة ألف أفغاني (بما في ذلك قوات الأمن ومقاتلو المعارضة والمدنيون).

وقد أنفقت الولايات المتحدة منذ عام 2002 أكثر من 780 مليار دولار على الحرب، أي ما يعادل تقريبا ميزانية الشؤون الخارجية الأميركية بأكملها لأكثر من عقدين، وستضيف النفقات الإضافية من خارج الميزانية -بما في ذلك مدفوعات العجز والتعويض لأسر الجنود الذين سقطوا- مئات مليارات الدولارات إلى التكلفة الإجمالية للحرب.

كان من المفترض أن تنتهي الحرب في أفغانستان منذ فترة طويلة، فالقوات الأميركية لم تدخل البلاد لإعادة إعمارها أو إنشاء ديمقراطية، ولكن هناك سلسلة من الأخطاء (سياسات مدنية خاطئة وأولويات ليست في محلها من جانب الحكومة والجهات المانحة لها) عززت التجنيد بالنسبة للمجموعات التي يفترض أن تهزمها الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك تنظيم القاعدة وحركة طالبان ومؤخرا تنظيم الدولة الإسلامية.

لقد كان الهدف من "بناء الأمة" وإستراتيجية مكافحة التمرد التي رافقت زيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقوات في عام 2010 هو تحويل مسار الحرب، وبدلا من ذلك فإنه عندما غادرت القوات الأميركية والقوات المتحالفة مناطق كان من المفترض أنه قد تم تطهيرها، سرعان ما عادت حركة طالبان وغيرها من الجماعات المتطرفة.

وتعكس الزيادة البالغة 43% في إنتاج الأفيون العام الماضي فقط القوة المتزايدة لهذه المجموعات، التي تستخدم الإيرادات من تهريب المخدرات لتمويل عملياتها. ومن بين التدفقات السنوية العالمية التي تتراوح بين 430 و450 طنا من الهيروين والمورفين؛ فإن نحو 380 طنا يتم إنتاجها باستخدام الأفيون الأفغاني.

وقد سُمح في الوقت نفسه لأفغانستان بأن تقع في فخ المساعدات؛ إذ صرفت الولايات المتحدة نحو 110 مليارات دولار لإعادة الإعمار الأفغاني (وإذا عدلنا هذا المبلغ بسبب التضخم فسنجد أنه يعادل مبلغ 12.5 مليار دولار، ويمثل تكلفة خطة مارشال لإعادة الإعمار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية)، وخصص ما يقارب 70 مليار دولار من تلك الأموال لإنشاء وتمويل قوات الأمن الأفغانية، وذهب مبلغ 40 مليار دولار إلى المصروفات غير العسكرية.

إن أفغانستان -رغم كل هذا الإنفاق- لن تكون قادرة على الوقوف على قدميها لعقود قادمة، وقد وصل الناتج المحلي الإجمالي التراكمي للبلد خلال 2002-2015 إلى 170 مليار دولار فقط، أما في عام 2016 فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي 17 مليار دولار فقط، أو 525 دولارا للفرد الواحد.

وبلغت المساعدات غير العسكرية من الولايات المتحدة وغيرها 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط كل عام منذ 2002، حيث تم تسليم هذه المساعدات بشكل مستمر عبر نفس الوسائل غير الفعالة، مع أن المفتش العام الأميركي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان وآخرين قد سلطوا مرارا وتكرارا الضوء على فداحة مشكلة تبذير الأموال والاحتيال وسوء المعاملة.

وبما أن إدارة ترمب تغيّر أولويات الولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية، فيجب أن تكون الأولوية هي وضع إستراتيجية أكثر فعالية للعمليات الأميركية بأفغانستان، وبعد وضع هذه الإستراتيجية فقط يجب على الإدارة تلبية طلبات الجيش الأميركي بإرسال المزيد من القوات.

بما أن إدارة ترمب تغيّر أولويات الولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية، فيجب أن تكون الأولوية هي وضع إستراتيجية أكثر فعالية للعمليات الأميركية بأفغانستان، وبعد وضع هذه الإستراتيجية فقط يجب على الإدارة تلبية طلبات الجيش الأميركي بإرسال المزيد من القوات

لحسن الحظ فإن كلا من ماتيس وماكمستر يعرف أن مجرد إغداق المزيد من الأموال والقوات في أفغانستان لن يفي بالغرض. وفي الواقع، شدد كل منهما على ضرورة دعم عمليات مكافحة التمرد بسياسات فعالة، بحيث لا تخلق أعداء جددا وتؤجج الحاجة إلى "المزيد من الذخائر".

وقد قام كبار الضباط المتقاعدين من جميع أسلحة القوات المسلحة الأميركية بتطوير هذا المنطق، وذلك بإخبار قادة الكونغرس بأن مكافحة الإرهاب تتطلب معالجة أسبابه، مثل الافتقار إلى الفرص وانعدام الأمن والظلم واليأس.

سيحتاج القادة الأميركيون إلى الانخراط في إعادة تفكير جذرية، وذلك لإيجاد سياسات أكثر فعالية من حيث التكلفة ومتكاملة وشاملة، يستفيد منها معظم الأفغان وليس فقط القلة المميزة. وهناك مقترحات مختلفة مطروحة على الطاولة، بما في ذلك مقترح لي شخصيا وهو إنشاء "مناطق إعادة إعمار"، واحدة تستهدف الإنتاج المحلي، وأخرى تستهدف الصادرات التي تدعم الانتعاش الاقتصادي.

ويمكن أن تساعد "مناطق إعادة الإعمار" أفغانستان الغنية بالموارد في الاستعاضة عن المعونة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وعائدات التصدير، وسيعمل المستثمرون الأجانب من أجل دعم المجتمعات المحلية، مما يجعلهم ينتجون الأغذية والخدمات للاستهلاك المحلي بدلا من تشريدهم، كما هو الحال في كثير من الأحيان.

وفي المقابل؛ يتوجب على المجتمعات المحلية حماية "مناطق إعادة الإعمار"، بحيث يمكن للمستثمرين الحصول على إنتاج للتصدير في ظل خطر أمني أقل.

بعد 15 عاما من الصراع، يبدو أن إنهاء الحرب في أفغانستان لم يعد أمرا ملحًّا، ولكن الحقيقة هي أنه أكثر إلحاحا من أي وقت مضى؛ ليس فقط للحد من تدفقات اللاجئين إلى أوروبا وأماكن أخرى ولكن أيضا لتقويض جهود الإرهابيين في التجنيد.

وبتشجيع "الاستثمار الذي له تأثير" من قبل أولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب اقتصادية وتقدم اجتماعي، وبالدفع قُدُما بالمشاريع التي تعود بالفائدة على المستثمرين الأجانب والمجتمعات المحلية على حد سواء؛ فإن إدارة ترمب قد تكون قادرة على عمل ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.