ترمب أشعل حريقا بالخليج وواشنطن مطالبة بإطفائه!

Trump (2-R) with King of Saudi Arabia Salman bin Abdulaziz Al Saud (2-L) during a welcome ceremony with traditional sword dancers at Murabba Palace, in Riyadh

استهداف قطر.. لماذا؟
موقف أميركي متخبط
تدخل تركي وإيراني
 

يبدو الموقف الأميركي من أزمة حصار الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ومصر لقطر مرتبكا وسلبيا، في الوقت الذي هيمنت فيه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي اتهم فيها صراحة قطر بدعم الإرهاب، ومعارضة وزير خارجيته ريكس تيلرسون لذلك ودعوته الأطراف المختلفة لحل الخلاف بينها، وتأكيداته هو ووزير الدفاع جيمس ماتيس أن استمرار الأزمة يربك عمل القاعدة الأميركية بقطر في مواجهة تنظيم الدولة.

ورغم المصالح العديدة لواشنطن لدى الدوحة، فإن موقفها لا يزال مترددا في حل الأزمة، فلم تضغط على الدول المحاصِرة لوقف إجراءاتها ضد دولة حليفة لها.

وقبل استخلاص النتائج من حقيقة الموقف الأميركي لا بد من استعراض غايات وأهداف الدولتين الرئيسيتين في الحصار وهما الإمارات والسعودية.

استهداف قطر.. لماذا؟
لجأت الدول المحاصِرة إلى تصعيد خطير بفرض حصار بري وجوي على قطر، وحاولت تبرير ذلك بذرائع مختلفة منها دعم قطر "للإرهاب" الذي تم حصره في جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، مع تجاهل إرهاب تنظيم الدولة الذي تم تفريخه في السعودية أصلا.

ثم قفزت هذه الذرائع إلى اتهام قطر بالتعاون مع الحوثي!! وبالعلاقة مع إيران التي تُعتبر الإماراتُ الشريكَ الرئيسي لها، حيث يشكل حجم تجارة الإمارات مع إيران 80% من حجم تعامل الخليج كله معها!!

كما تمت صياغة هجوم غير مسبوق على الجزيرة ووقف قنواتها في الدول المحاصرة، بحجة أن القناة تحرض على العنف في إشارة إلى دورها الداعم للثورات العربية!

لجأت الدول المحاصِرة إلى تصعيد خطير بفرض حصار بري وجوي على قطر، وحاولت تبرير ذلك بذرائع مختلفة منها دعم قطر "للإرهاب" الذي تم حصره في جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، مع تجاهل إرهاب تنظيم الدولة الذي تم تفريخه في السعودية أصلا

وباشرت هذه الدول حملة شرسة -وبدون سابق إنذار- إثر نسبة تصريحات مزورة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا)، مما يشير إلى أن أهداف هذه الحملة أشمل مما هو معلن من شروط لم تتمكن هذه الدول من صياغتها أو تقديمها حتى لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي باشر وساطة لحل الأزمة!

وبلا شك، فإن الدور اللافت لقطر في دعم ثورات الربيع العربي -التي أطيح بها بثورات مضادة- واحتضانها لقيادة حماس، هو ما أدى إلى هذه الحملة الظالمة ضدها. حيث تمكن هذا البلد الصغير جغرافياً بفضل قيادته المتنورة -التي مزجت بين البراغماتية والمبادئ ونصرة المظلوم- وعبر تغطية قناة الجزيرة المميزة؛ من تعزيز موقف الثورات وعلى الأخص في مصر.

كما دعمت تركيا الإسلام السياسي الصاعد قبل أن يطاح به في مصر وليبيا ويحاصر في سوريا مع ظهور تنظيم الدولة، الذي صُنف إرهابيا نتيجة ممارساته الشنيعة في أماكن وجوده في العراق وسوريا.

وأدى نجاح انقلاب مصر الدموي إلى إعطاء دفعة للتحالف ضد الإسلام السياسي، بين السعودية والإمارات اللتين شعرتا بأنهما مهددتان منه، تخوفا من امتداده إلى هذه الدول في المستقبل.

وفي ظل تهديد الحوثيين المدعومين إيرانيا للسعودية؛ بدأ الملك سلمان بن عبد العزيز عهده بحرب ضد النفوذ الإيراني باليمن، وعمل على حشد تحالف عربي ضده، لكن الإمارات ومصر كانتا تلعبان ضد هذا التحالف لإفشاله خدمة لأجندات ذاتية لها.

والتفت سلمان في نفس الوقت إلى تمكين ابنه محمد بن سلمان، وسعى لتقديم أوراق اعتماده لإدارة الرئيس دونالد ترمب لوراثة والده واستبعاد ولي العهد محمد بن نايف (وهو ما حصل فعلا بالقرارات المَلكية الأخيرة)، حيث عمل معه محمد بن زايد الذي تلاقت مصالحه مع محمد بن سلمان، رغم أن بن زايد شخص مراوغ.

فقد عمل محمد بن زايد على ضرب السعودية عبر العلاقة الملتبسة مع الحوثيين في اليمن، ومحاولة خلط الأوراق بدعم انفصال الجنوب اليمني، ودعم الجنرال المنشق خليفة حفتر في ليبيا الذي تغاضى عن نفوذ تنظيم الدولة خدمة لنفوذه ومطالبه.

وجاءت الهجمة الجديدة على الدوحة لإنهاء تميز قطر في المنطقة بدعم مطالب الشعوب العربية بالحرية، وممارسة الوساطات في السودان وأفريقيا وفلسطين، كما هدفت لكسر شوكة القيادة القطرية وحرمان البلاد من الاستقلالية التي تميزت بها منذ عام 1995 بقيادة الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني.

والهدف النهائي لهذه الهجمة هو دفع قطر لتكون دولة خليجية في الحضن السعودي كما هي البحرين. ورغم أن سلطنة عُمان والكويت اختطتا لنفسيهما دورا مغايرا عن السعودية وحافظتا على علاقاتهما مع إيران، فإنهما لم تتدخلا في الربيع العربي، ولم توفرا المأوى للإخوان المسلمين الفارين من بطش نظام العسكر بقيادة عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يشي بأن الهجمة التالية قد تكون ضدهما إن نجحت الهجمة على قطر.

ويقول أكاديميون في المنطقة ودبلوماسيون أميركيون -وفقا لتقرير نشرته نيويورك تايمز– إن النزاع بين قطر وجاراتها يبدو أنه يتعلق بالتنافس حول النفوذ والاستقلال، أكثر مما يُقال عن تعلقه باتهام الجارات الثلاث لقطر بـ"الإرهاب".

موقف أميركي متخبط
ويلاحظ أن الموقف الأميركي لم يكن حازما في الدعوة لوقف الحصار وحل الإشكال بين الدول الخليجية، رغم أن الإدارة الأميركية دعمت جهود أمير الكويت صباح الأحمد الصباح في مساعيه لحل الأزمة.

الهدف النهائي لهذه الهجمة هو دفع قطر لتكون دولة خليجية في الحضن السعودي كما هي البحرين. ورغم أن سلطنة عُمان والكويت اختطتا لنفسيهما دورا مغايرا عن السعودية وحافظتا على علاقاتهما مع إيران، الأمر الذي يشي بأن الهجمة التالية قد تكون ضدهما إن نجحت الهجمة على قطر

وهناك رأي قوي يقول إن الرئيس ترمب متورط بتحريضه -أو على الأقل سكوته- السعودية والإمارات على اتخاذ إجراءاتها ضد قطر، لا سيما أن الحصار جاء بعد انتهاء القمة الأميركية/السعودية والقمة الخليجية/الأميركية في الرياض، وإنشاء مركز لمحاربة الإرهاب.

ولم يشفع وجود القاعدة الأميركية في قطر -التي تضم 11 ألف عسكريا أميركيا- للدوحة عند ترمب، الذي جاءت تصريحاته عدائية بما يشي بأنه متورط بشكل أو بآخر في الحصار.

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز إلى المستشار القانوني لوزارة الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما براين إيغان قوله ساخرا إن الدول الأخرى في الشرق الأوسط -وهي ترى ما يحدث من ترمب- ربما تفكر في افتتاح ملاعب غولف له أو تشتري غرفا في فندق ترمب إنترناشيونال.

وتلك إشارة إلى دوافع شخصية لدى ترمب ضد قطر، بسبب عدم موافقتها على عدة مشاريع استثمارية لشركاته كان قد تقدم بها إلى الدوحة قبل أن يعتلي سدة الرئاسة.

وربما يسعى ترمب كذلك -عبر سماحه للسعودية والإمارات بفرض الحصار- للضغط على الدوحة لتغيير سياساتها التي امتازت عن بقية دول الخليج بأنها مستقلة وداعمة للثورات العربية، في الوقت الذي كانت فيه شريكا فاعلا في محاربة الإرهاب ومواجهة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

ولكن ترمب يواجه الآن اتهامات وتحقيقا قضائيا في تنحيته رئيس "أف بي آي" جيمس كومي، بسبب سعيه لتقويض تحقيق بشأن التدخل الروسي لصالح ترمب في الانتخابات الأميركية الأخيرة.

وفي تصريحات حول خطورة الأمر على ترمب، قال المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية جيمس كلابر -في كلمة ألقاها بأستراليا– إن فضيحة ووترغيت التي أدت إلى سقوط الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1974 "لا قيمة لها بالمقارنة مع قضية التدخلات الروسية المفترضة في الولايات المتحدة".

وقد لا تكون سياسة ترمب هذه معتمدة لدى الحكومة الأميركية التي باتت تعاني من سياساته المتهورة في أكثر من مجال وآخر ذلك تخليه عن اتفاقية المناخ، ولكن الإدارة الأميركية لا يبدو أنها فاعلة في الضغط على حلفائها الخليجيين لإنهاء الحصار اللاإنساني وغير القانوني.

وذلك في وقت يستمر فيه وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في التحريض ضد قطر، أضعاف ما يقوم به نظيره السعودي عادل الجبير الذي لم يقصر هو الآخر في مهاجمة قطر، بحجة احتضانها قيادة حماس في أراضيها وبعض قيادات الإخوان الفارين من أحكام الإعدام والسجن الجائرة بالجملة التي أطلقها قضاة السيسي.

تدخل تركي وإيراني
وتبدو الإدارة الأميركية مشتتة ومشلولة في ملاحقة الأزمة ما بين معالجة تطوراتها ومنع تعقيدها في منطقة مصالح حيوية لها، وما بين عدم اتزان الرئيس الأميركي في مواقفه منها، والتي تكاد تعصف بالحياد الذي عملت عليه طوال السنين الماضية.

يرى بعض المحللين الأميركيين أنه إذا أرادت واشنطن توفير الأمن لدول الخليج العربي ومحاربة الإرهاب، فإن عليها عدم الانحياز في مشاجرة أخوية مزعزعة للاستقرار، فمن شأن ذلك أن يقوّض الغرض من تدخل الولايات المتحدة في المقام الأول، بل يخاطر بتعرضها للكوارث

وفي تعبير واضح عن فشلها، دعمت الإدارة الأميركية الجهود المحلية لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد دون أن تفعّل آلياتها الذاتية لوضع حد للأزمة، وإلزام الدول المتسببة فيها بالتراجع عن مواقفها.

ومن العوامل المثبطة للدور الأميركي تحقيقات الكونغرس الأميركي في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لصالح ترمب، والتي قد تفضي إلى إقالته وعزله إذا ثبتت القضية عليه.

وفي هذا السياق، جاء الدور التركي المساند لقطر وتدخله لدى السعودية لوقف التصعيد، ودعوة دول الخليج الثلاث إلى إنهاء الأزمة بحلول نهاية رمضان.

وفي دلالة واضحة على دعم قطر، عجّلت تركيا بإرسال وحدات من جيشها إلى قطر، بعد أن وافق برلمانها على مشروع الاتفاقية العسكرية المبرمة بين الطرفين وافتتاح قاعدة عسكرية تركية في قطر. كما أرسلت إيران رسائل متعددة بأنها لن تسمح بوجود قوات سعودية في قطر، خصوصا أن قطر تتقاسم مع إيران حقلا للغاز الطبيعي.

وأمدت تركيا وإيران قطر بمواد غذائية عبر الجو والبحر في رسالة تضامن واضحة، كما فتحت لها سلطنة عمان موانئها، في ظل تعاطف شعبي كبير معها في الكويت التي رأت أنها قد تكون مستهدفة تاليا بسبب العمل الخيري الذي ترعاه، ولوضع بعض شخصياتها ضمن قوائم الإرهاب التي اعتمدتها الرياض وأبو ظبي والقاهرة!

وإذا أضفنا لذلك الموقف القوي الذي اتخذته ألمانيا زعيمة الاتحاد الأوروبي ضد المحاصرين، فيمكن أن نرى حجم التعقيد في المسألة وتداعياتها الإقليمية والدولية، والتي لا تجعل قطر لقمة سائغة للسعودية أو غيرها.

خصوصا إذا ما استحضرنا الإدارة القطرية الحصيفة والتي تثير الإعجاب في هذه الأزمة، في ظل إصرار أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني على عدم الدخول في حوار مع المحاصرين ما دامت بلاده تحت الحصار المفروض عليها، وتمسكها بحل الأزمة في الإطار الخليجي.

ورغم ضعف الموقف الأميركي وتشتته؛ فإنه لن يجازف بخسارة حليف أساسي في الحرب على الإرهاب، ولن يسمح بتدخلات إقليمية فيها لأن ذلك من شأنه أن يضرب ما نجح فيه ترمب من تأسيس تحالف عربي ضد إيران!

ويرى بعض المحللين الأميركيين أنه إذا أرادت واشنطن توفير الأمن لدول الخليج العربي ومحاربة الإرهاب، فإن عليها عدم الانحياز في مشاجرة أخوية مزعزعة للاستقرار، فمن شأن ذلك أن يقوّض الغرض من تدخل الولايات المتحدة في المقام الأول، بل يخاطر بتعرضها للكوارث.

ونستطيع القول إن أميركا خلقت الأزمة من حيث تدري أو لا تدري، وأنها الجهة الوحيدة القادرة بنفوذها على أن تحلها بالضغط على حلفائها لفك الحصار. وإذا تقاعست عن هذا الدور فإنها تخاطر بتهديد الوحدة الخليجية بل والوحدة العربية في محاربة الإرهاب. أما كيف ستتطور الأزمة؛ فهذه قضية يصعب الجزم بها في ظل استمرار تداعيات التصعيد السعودي والإماراتي بحق قطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.