تجدد المواعظ والعبر… مما استجد بين السعودية وقطر

(R-8th L) Saudi Arabia's Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman, Sheikh Mohammed bin Rashid Al Maktoum, Prime Minister and Vice-President of the United Arab Emirates and ruler of Dubai, Bahrain's King Hamad bin Isa al-Khalifa, Saudi King Salman, Oman Deputy Prime Minister Sayyid Fahd bin Mahmoud Al Said, the Emir of Kuwait Sheikh Sabah Al-Ahmad Al-Jaber Al-Sabah, the Emir of Qatar Tamim bin Hamad al-Thani and Saudi Crown Prince Mohammed bin Nayef pose for a group photo during the Gulf Cooperation Council (GCC) summit in Riyadh, Saudi Arabia, December 9, 2015 in this handout photo provided by Saudi Press Agency. REUTERS/Saudi Press Agency/Handout via Reuters ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVE.

من بين جميع الأحداث التي حوتها الأعوام المائة الأخيرة؛ تطل المواجهة بين السعودية وقطر من موقع متقدم. مائة عام تتصدرها مقايضات بريطانيا وفرنسا على جثة العالم العربي وميلاد اتفاقية سايكس بيكو، ونهاية الخلافة العثمانية، ونشأة إسرائيل، وحرب ١٩٦٧، وحرب ١٩٧٣، وغزو العراق وتقسيمه، وتدمير أفغانستان، وانفصال جنوب السودان. وقد لا تتعدى المواجهة القائمة الموقع التاسع أو العاشر على ميزان يقيس قوة الأثر الآني والأثر المتأخر للحدث.

العبرة الأولى مستمدة من المقارنة مع غزو العراق. يذكر العالم الإسلامي الانقسام المشؤوم الذي تصاعد كإعصار حلزوني خارج دائرة السيطرة تماما. يومئذ ألقت الحكومات قداحها دون بصيرة مفهومة في مباراة المراهنة على طرف دون آخر، كأنها مسابقة في العرافة أو التنجيم. وما حدث في العراق من ثمّ مضى دون توقف عنده أو إنفاذ بصيرة تقي عاقبته.

انهيار التماسك البنيوي لدول الخليج ستكون له آثار اقتصادية بالغة على المنطقة الإسلامية أولا ثم ما وراءها. ستقع الآثار أول ما تقع على سوق العمالة الممتد. ومن المنطقي أن تتأثر التحويلات المالية لكثير من الدول العربية والإسلامية، خاصة ذات الاقتصادات الكبيرة مثل مصر

المواجهة الراهنة هي بين شقيقين يجمعهما من وشائج القربى والتاريخ الحي بشواهده وأحداثه أكثر مما يجمع أياً منهما مع بلد ثالث. والمعركة بينهما لن تقف احتراما لوشائج القربى، لكنها يمكن أن تتعدى لتهدم أسس البقاء ومشروعية الوجود في صميمها.

ينبغي أن نُدرك أن هذه المنطقة ليست محصنة من التقسيم بأي عهد دولي، بل هي في قلب مشاريع التقسيم الظاهرة والمستترة، وإذا اندلق لبن الإناء فلن يعود إليه. وإذا خيّمت على المنطقة سحائب التقسيم فستمطر سمها يوماً لا محالة.

وإذا ساد منطق التقسيم فلن يختار دولة دون أخرى، الجميع متساوون أمام الالتهام والابتلاع. وقد تلحق بمخطط التقسيم دول أوهمتها الغفلة بأنها فوق مخططات التقسيم والإضعاف. يجلس هذا السيناريو مرتاحاً ومنسجماً مع التقسيم القهري الراهن في سوريا والعراق.

انهيار التماسك البنيوي لدول الخليج ستكون له آثار اقتصادية بالغة على المنطقة الإسلامية أولا ثم ما وراءها. ستقع الآثار أول ما تقع على سوق العمالة الممتد. ومن المنطقي أن تتأثر التحويلات المالية لكثير من الدول العربية والإسلامية، خاصة ذات الاقتصادات الكبيرة مثل مصر. ومن المؤكد أن ستنهار الاقتصادات الصغيرة والهشة.

هذا يعني أن تعلن بعض الدول إفلاسها، وأن يفتقر كثير من الأسر الكريمة والأفراد مستوري الحال، وأن تنتهي بهم الأقدار إما إلى لاجئين في مقرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أو إلى موجات مغامرين يائسين يركبون البحر لغزو أوربا، وشعارهم "النجاة أمامكم والمنية وراءكم" تقليدا مبتذلا لمقالة طارق بن زياد.

هذا كله يمكن أن يحدث تحت سمع العالم وبصره وشهادته وإقراره، ويهترئ نسيج المجتمعات في هذه المنطقة، وتصبح فريسة سهلة الاصطياد.

هذا عن عبرة المصير والمآل، فماذا عن عبرة التدبير والاحتيال، العبر هنا تتواتر من العراق وأفغانستان وسوريا. القاعدة الأرسخ هي دوماً "الوقاية خير من العلاج". الوقاية بصورة أساسية من التدخلات الخارجية.

والتدخلات الخارجية كلها محذورة ومريبة إلا من هُدِيَ إلى صراط مستقيم. وأسوؤها التدخلات الدولية التي تأتي بأهداف ووسائل ما تنفك تتلون وتتكاثر فيستعصي تتبعها حتى على اللبيب، ثم لا تنتهي إلا وقد أطبقت على حيزوم الفريسة.

كان من حكمة العرب أنهم إذا احتربوا "تَرَكُوا للصلح موضعاً"، أي تَرَكُوا مسافة للتراجع. فإن من الغباء -أشد الغباء- أن تحاصر خصما لا تترك له منفذا إلى الهرب والنجاة، فيستميت في القتال فيقتلك. وجوهر الحكمة المطلوبة اليوم هو محاصرة النزاع في داخل البيت الخليجي

تلي ذلك التدخلات الإقليمية وتدخلات الأصدقاء الأبرياء أو الأغبياء، ومتصيدي الفرص، وعشاق الدراما والمسرح، والمرتجين للمكافآت عند نهاية الخدمة، وبائعي جائزة نوبل للسلام. هؤلاء ينبغي أن تضرب حولهم دائرة أمان كافية تمنعهم من دخول منطقة النفوذ والقرار بأية وسيلة.

هذه المشكلةُ مشكلةٌ داخليةٌ، ويمكن حلها بقليل من احتمال الأذى والحلم الذي اشتهر به زعماء العرب، من لدن أشج عبد القيس الذي أحبه الله لما فيه من الحلم والأناة. وشيء من الحلم والصبر على المضض ستحسن عاقبته. والحلم أفضل خلق لمن رام الزعامة.

العبرة الأخيرة تهمّ المتفرجين المتوثبين إلى فعل شيء من الأصدقاء الصادقين. الحكمة تقتضي الابتعاد عن الاستقطاب والاستعجال في تسجيل المواقف، وفاء لعلاقة قديمة مع طرف أو آخر، أو رجاء لسبق تستنبط جوائزه في مناسبات لاحقة.

إن أفضل ما يفعله من يؤيدون قطر -وهي بلا شك ذات فضل وسبق في عمل الخيرات ومناصرة قضايا الأمة- هو أن يكفوا من غضبها وغبينتها، وأن يردوها إلى النَّصَفَة والاعتدال.

وأفضل ما يفعله من يناصرون السعودية -ولها ما لها من جبال الفضل والسابقة- هو أن يذكروها بالتقوى التي يتقصدها من يطوف بالبيت العتيق. وشرف السعودية وذكرها في ذلك البيت، وما تقتضيه السدانة من الكرم والحلم والترفع.

إن أي تعبير استقطابي هو ضار بجهود التصالح ويختزن مادة لمواجهات مثيلة في المستقبل. تسجيل المواقف المبكرة باسم الجماعات السياسية والجمعيات الدعوية والحكومات، هو مدعاةٌ للاستقطاب وإرساءٌ لقواعد جديدة للخلاف.

وللأسف؛ فإن هذا النوع من التدخل المتعجل قد بدأ فعلا، وبدأت ملامح هذا الاستقطاب تتمظهر من خلال تحريك قوات وإصدار بيانات تأييد وخطابات شكر وعرفان. ولو علم هؤلاء ما يؤدي إليه هذا من فساد جهود الصلح لما فعلوه.

كان من حكمة العرب أنهم إذا احتربوا "تَرَكُوا للصلح موضعاً"، أي تَرَكُوا مسافة للتراجع. فإن من الغباء -أشد الغباء- أن تحاصر خصما لا تترك له منفذا إلى الهرب والنجاة، فيستميت في القتال فيقتلك. وجوهر الحكمة المطلوبة اليوم هو محاصرة النزاع في داخل البيت الخليجي، وحض أهله على إبداع الحلول، وحمايتهم من التدخلات الخارجية، ووقايتهم من الاستقطاب والمزايدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.