الانتخابات الحاسمة في أوروبا

(L-R first row) France's Prime Minister Manuel Valls , Belgium King Philippe, European Commission President Jean-Claude Juncker, Belgium Queen Mathilde and Belgian Prime Minister Charles Michel and european worker attend a minute of silence at EU Commission headquarters a day after terrorist attack, in Brussels, Belgium, 23 March 2016. Security services are on high alert following two explosions in the departure hall of Zaventem Airport and later one at Maelbeek Metro station in Brussels, Belgium, 22 March 2016. Many people have died and more have been injured in the terror attacks, which Islamic State (IS) has since claimed responsibility for.

ستشهد الانتخابات القادمة في هولندا وفرنسا وألمانيا حُمّى سياسية هي الأشد ارتفاعا منذ إنشاء الاتحاد الأوروبي. إن النظام الديمقراطي الليبرالي بعد الحرب معرض للتهديد في كل مكان، ولاسيما في أوروبا، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي التحديات التي تشمل روسيا العدوانية على نحو متزايد، وتهديد الإرهاب المستمر، والحرمان من الحقوق الديمقراطية، والنمو الاقتصادي غير المتساوي.

 

وبعد استفتاء "بريكست" في بريطانيا وانتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، فإن السؤال الذي يواجه أوروبا واضح وصريح: هل الشعبوية والقوى الوطنية ستمارس نفس التأثير في البلدان الأساسية للاتحاد الأوروبي؟

 

في هولندا، يتقدم غيرت فيلدرز وحزب الحرية اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي بقوة في الانتخابات التي ستجرى في مارس/آذار الجاري. ويوافق فيلدرز على قرار ترمب التنفيذي بمنع دخول أي شخص من سبعة بلدان مسلمة إلى الولايات المتحدة.

 

ومثل ستيفن بانون (كبير الإستراتيجيين لترمب)، ينظر فيلدرز إلى العالم من خلال تصور عنصري، ويعتقد أنه يشارك في معركة لإنقاذ الحضارة الغربية من الإسلام.

 

لا يحمل أي حزب آخر في البرلمان الهولندي وجهات نظر كهذه، لذلك ما زال وصول فيلدرز إلى الحكم بعيد المنال. ومع إصرار رئيس الوزراء الهولندي مارك روت على موقفه، فمن المرجح أنْ سيُهزم فيلدرز في نهاية المطاف.

 

وفي الوقت نفسه، تتقدم في فرنسا زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان في استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية، التي ستُنظم في جولتين في أبريل/نيسان ومايو/أيار القادمين.

 

وقد وعدت لوبان بإجراء استفتاء على عضوية فرنسا في منطقة اليورو، على الرغم من تحذيرات بنك فرنسا من أن ترك الاتحاد النقدي يمكن أن يزيد الدَّين القومي الفرنسي بما يقدر بـ30 مليار أورو (31.8 مليار دولار) سنويا. كما أعربت عن رغبتها في تفكيك المكونات الأساسية للتكامل الأوروبي، ومنع حرية الحركة المتاحة الآن للمواطنين الأوروبيين.

 

خلال استفتاء "بريكست" البريطاني والانتخابات الرئاسية الأميركية، دعم الناخبون من المناطق الحضرية الكبيرة بشكل كبير "البقاء" في أوروبا وهيلاري كلينتون، على التوالي. ومن المحتمل أن نشهد نمطا مماثلا في الانتخابات الفرنسية.

 

لكنْ بينما دعم الناخبون الأكبر سنًّا القومية الأميركية والبريطانية، تدين لوبان بالكثير من دعمها للفئات الأصغر سنا، وهذه علامة مقلقة على مدى شعور القطاعات الرئيسية من الناخبين الفرنسيين بالحرمان من حقوقهم.

 

مما لا شك فيه أن انتصار لوبان سيزعزع استقرار أوروبا سياسيا واقتصاديا. ومع إطلاق العنان للقوميين الخطيرين لتحقيق أهدافهم الشيطانية، فمن الممكن أن يتفكك الاتحاد الأوروبي كما نعرفه بسهولة.

 

لكن أولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية الليبرالية، وسيادة القانون، والتكامل الأوروبي، لا يزال لديهم الوقت لإعداد مرشح بديل، يكون من المرجح أن يسود في الجولة الثانية للانتخابات مع لوبان، ويأمل المرء أن يحقق هذا المرشح كثيرا من الإصلاحات المنشودة والتمسك بدور فرنسا الريادي في أوروبا.

 

في الانتخابات الألمانية في وقت لاحق من هذا العام، من غير المرجح أن يكون حزب البديل اليميني المتطرف في ألمانيا قادرا على الوصول إلى الحكم، رغم كل دعم يتلقاه من روسيا.

 

لكن المستشار المقبل -سواء أكان مارتن شولتز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو أنجيلا ميركل- سيكون عليه قيادة التحالف العالمي للاستعداد للدفاع عما تبقى من نظام ما بعد الحرب. وينبغي أن يشمل هذا الجهد كندا، وأستراليا، والحلفاء الغربيين في آسيا، لكن يجب أن يبدأ بإعادة تنظيم أوروبا من الداخل.

 

لقد احتفل الأوروبيون مؤخرا بالذكرى الخامسة والعشرين لمعاهدة ماستريخت، التي شهدت لحظة فارقة في تاريخ التكامل الأوروبي. وكما تعلمنا في السنوات الفاصلة؛ فإن سلطات الاتحاد الأوروبي غير كافية للتصدي لجميع التحديات التي تواجه أوروبا في الوقت الراهن.

 

ويجب أن تساعد ألمانيا على تصحيح هذا الوضع عبر تقديم رؤية لأوروبا أكثر ثقة وطموحا، يمكنها التغلب على الانقسامات الداخلية، والنظر لأمنها، وإدارتها للهجرة على نحو مستدام. وإذا ما ظهرت حركات جديدة لمواجهة القوى القومية والشعوبية، فلن يكون هذا السيناريو بعيد المنال.

 

وبينما يواصل زعيم حزب الاستقلال البريطاني السابق نايجل فراج، وفيلدرز، ولوبان، ونظراؤهم، إرباكَ المستضعفين المناهضين للمؤسسة الحكومية، بدأ هذا الوهم يتلاشى، وذلك نظرا لفوزهم، وفي حال حزب الاستقلال، نظرا للفضائح المالية.

 

وإذا تمكن الزعماء القوميون اليمينيون المتطرفون من الوصول إلى السلطة في بعض الدول الغربية الكبرى، فإنهم سرعان ما سيكتشفون أن إعطاء وعود شعبوية أسهل من الحفاظ عليها، كما يكتشف ترمب الآن وسط بداية الفوضى المقلقة لإدارته.

 

على ترمب ومؤيدي "بريكست" ونظرائهم أن يثبتوا أنه بإمكانهم كقادة ضمان الرخاء الاقتصادي المشترك على نطاق واسع، والدفاع عن أنظمة الحكم العالمي بكفاءة ومهنية على الساحة العالمية.

 

وفي عالم تسوده العولمة حيث الدول القومية الفردية عاجزة على نحو متزايد، لا تستطيع القومية الشعبوية تحقيق التغيير الذي يطالب به الناس. ولحسن الحظ، فإن الديمقراطية الليبرالية لا تزال تقدم البديل التقدمي. وبعد فوز ميركل أو شولتز في ألمانيا، وبعد هزيمة لوبان المحتملة في فرنسا، يمكن ظهور هجوم مضاد عالمي.

 

وفي الوقت نفسه، ظهرت الحركات الوسطية الموالية لأوروبا الجديدة بالفعل في جميع أنحاء أوروبا، من نووزيسنا (الحديثة) في بولندا، إلى سيودادانوس (المواطنون) في إسبانيا. هذه الأحزاب لا تروّج الأكاذيب، ولا تدين بنجاحها للدعاية الروسية أو لوسائل الإعلام الاجتماعي.

 

الآن بعد وصول بعض الشعبويين إلى السلطة، يتحمل الليبراليون مسؤولية محاسبتهم وتقديم رؤية بديلة. إن التقليل من الناس الذين صوتوا لبريكست، ولترمب، ولأمثالهم الأوروبيين، ليس إستراتيجية سليمة. ويجب الحكم على الديماغوجيين العالميين الجدد من خلال أعمالهم، وهزيمتهم تكون بالحجة والعقل واحترام الديمقراطية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.