مستقبل أوروبا بعد انتخابات ألمانيا

French President Emmanuel Macron (L) and German Chancellor Angela Merkel attend a meeting with EU and African leaders to discuss how to ease the European Union's migrant crisis, at the Elysee Palace in Paris, on August 28, 2017.Seven African and European leaders met in Paris on August 28 to try to build a 'new relationship' aimed at stemming the flow of migrants into Europe from northern Africa in return for aid. / AFP PHOTO / ludovic MARIN (Photo credit shoul

ليس هناك شك في أن نتائج الانتخابات الفدرالية الأخيرة في ألمانيا مهمة للغاية. وكما هو ملحوظ، فقدت الأحزاب التي هيمنت على السياسة الألمانية منذ سنوات (الحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي)، الدعمَ في صناديق الاقتراع.

وكانت حملات الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي؛ تبدو مثيرة للقلق بشكل كبير. وشملت المواضيع -التي نوقشت على نطاق واسع- حظر الديزل المقترح، والسياسات الضريبية، ورسوم الإيجار، وقضايا الأمن الداخلي.

نعم، هذه هي الأمور ذات الصلة بالنسبة للناخبين الألمان. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتحديات الأكثر إلحاحا والتي تواجه الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، فإن الأحزاب الرئيسية في ألمانيا تصمت إلى حد كبير.

هناك تحديات أوروبية متعددة؛ فالمملكة المتحدة تتفاوض بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهناك شكوك عميقة حول ما ستبدو عليه العلاقة بين الطرفين في المستقبل. كما يحتاج الاتحاد الأوروبي بشدة إلى منع المزيد من التدهور في الديمقراطية وسيادة القانون داخل بولندا والمجر. ولا يزال يتعين عليه إيجاد حل طويل الأجل لأزمة الهجرة واللاجئين

وهذه التحديات متعددة؛ فالمملكة المتحدة تتفاوض بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهناك شكوك عميقة حول ما ستبدو عليه العلاقة بين الطرفين في المستقبل. كما يحتاج الاتحاد الأوروبي بشدة إلى منع المزيد من التدهور في الديمقراطية وسيادة القانون داخل بولندا والمجر. ولا يزال يتعين عليه إيجاد حل طويل الأجل لأزمة الهجرة واللاجئين.

وعليه أيضا أن يواجه التحديات الأمنية الناجمة عن الإرهاب، وروسيا الحاكمة، وأميركا التائهة في ظل الرئيس دونالد ترمب. وفي الوقت نفسه، وفي حين تظهر علامات النمو في منطقة اليورو؛ لا تزال من المتعين استعادة انتعاشها في نهاية المطاف.

إن كيفية معالجة هذه القضايا (أو عدم معالجتها) ستحدد مستقبل أوروبا ووضع ألمانيا فيها. ويجب على القادة الألمان أن يناقشوها بشكل أوسع عندما يقومون بحملات في استوديوهات التلفزيون وقاعات المؤتمرات والفصول الدراسية وشوارع المدينة. في الواقع، فشل الحزبان الكبيران في القيام بذلك يساعد على تفسير سبب فقدانهما للدعم.

وعبر معالجة المشاكل الصغيرة وتجنب القضايا الكبيرة؛ خلق الحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي فراغا كبيرا. وكان القوميون الشعبويون من اليمين المتطرف في حزب البديل من أجل ألمانيا سعداء بملء هذا الفراغ، واستولوا على 13٪ من الأصوات.

ولتجنب هذه العناصر غير الليبرالية؛ سيتعين على أوروبا تنفيذ إصلاحات ذات أهمية. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك -بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يدعمون الديمقراطية الليبرالية في أوروبا- هي الانضمام إلى القوات.

وعندما تم الإبلاغ عن نتيجة الانتخابات الألمانية، سرعان ما استنتج محللون أن ذلك عبارة عن ضربة قاضية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخطته لتعزيز المشروع الأوروبي. ولكنني أختلف مع هذا التقييم. فلكيلا ننسى؛ كان وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله (وهو من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) وراء معظم الإصلاحات المقترحة في منطقة اليورو على مدى العقد الماضي.

وهناك طريقة أخرى للنظر في نتائج الانتخابات الألمانية، وتتمثل في فرصة لبداية جديدة. ويمكن أن يعني إنهاءُ "الائتلاف الكبير" بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي المسيحي نهايةَ الركود السياسي ليس فقط في ألمانيا، بل وعلى المستوى الأوروبي أيضا.

وتجري الآن مفاوضات الائتلاف الألمانية في مرحلة ما بعد الانتخابات، ومع أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي قرر عدم الانضمام إلى الحكومة، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا هي "تحالف جامايكا" (المسمى بألوان عَلَم جامايكا: الأسود والأصفر والأخضر)، الذي يضم الاتحاد المسيحي الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر.

ومن المتوقع أن تضم الحكومة الألمانية المقبلة سياسيين مؤيدين لأوروبا، وأفكارا جديدة واستعدادا لدفع الإصلاحات على المستوى الأوروبي، ربما على غرار ما اقترحه ماكرون. وفي هذه الحالة، يمكن لفريق جديد من القادة أن يكون قوة دافعة تشكّل دور ألمانيا في أوروبا لسنوات قادمة.

من المتوقع أن تضم الحكومة الألمانية المقبلة سياسيين مؤيدين لأوروبا، وأفكارا جديدة واستعدادا لدفع الإصلاحات على المستوى الأوروبي، ربما على غرار ما اقترحه ماكرون. وفي هذه الحالة، يمكن لفريق جديد من القادة أن يكون قوة دافعة تشكّل دور ألمانيا في أوروبا لسنوات قادمة

ومثل ماكرون، يهدف الحزب الديمقراطي الحر إلى جعل أوروبا أكثر ديمقراطية: فهو يدعم قوائم المرشحين عبر الوطنية للانتخابات على مستوى الاتحاد الأوروبي؛ ويريد التئام المواطنين الأوروبيين حول اتفاقيات ديمقراطية في الدول الأعضاء.

ويدفع الحزب الديمقراطي الحر أيضا من أجل قواعد أوروبية مشتركة بشأن الهجرة، ومن أجل حدود مشتركة وحرس سواحل. ويدعم إنشاء مكتب التحقيقات الاتحادي الأوروبي لتنسيق مكافحة الإرهاب.

إن زعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر كان على حق حين قال إن قواعد ميثاق الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي يجب احترامها، وأن إنفاق أموال دافعي الضرائب دون المساءلة المناسبة في الميزانية لن يغذي إلا القوى الشعبوية والقومية، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا.

ولحسن الحظ؛ فإن توقعاته -في هذا الصدد- لا تتعارض مع ماكرون. وكلاهما يوافق على أن أوروبا تحتاج لإدارة أفضل تستند إلى مجموعة من القواعد المالية المطبقة باستمرار، وإلى الاستثمارات المعززة للنمو.

و هذه لحظة حاسمة بالنسبة لأوروبا؛ فنحن الأوروبيون بحاجة إلى إيجاد حلول للمشاكل المشتركة، ونحن بحاجة إلى ألمانيا وفرنسا لقيادة الطريق. إن المحور الفرنسي الألماني الذي دفع التكامل الأوروبي إلى الأمام في الماضي يجب أن يفعل ذلك مرة أخرى.

وأنا واثق من أن حكومة ائتلافية جديدة في ألمانيا ستكون قادرة على العمل مع فرنسا لبناء اتحاد سياسي واقتصادي أوثق. إن جعل الاتحاد الأوروبي أكثر ديمقراطية هو السبيل الوحيد لرد المد القومي الذي كان يهدف المشروع الأوروبي إلى منعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.