إستراتيجية ترمب في مواجهة إيران.. الشكل والمضمون

U.S. President Donald Trump speaks about Iran and the Iran nuclear deal in the Diplomatic Room of the White House in Washington, U.S., October 13, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque

ملامح إستراتيجية ترمب
استهداف عصب الثورة
شلّ الاتفاق النووي 

بعد طول انتظار ووسط تكهنات متضاربة؛ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني يوم الجمعة الماضي، ضمن إستراتيجية جديدة لمواجهة إيران كشف عنها بلغة أكثر حدة وهجومية، وحاول أن يسوّق أنها ضد النظام الإيراني فحسب دون الشعب، لكن استخدامه تسمية "الخليج العربي" كان كافيا لإفشال ذلك.

ملامح إستراتيجية ترمب
الإستراتيجية -التي كشف عنها ترمب بشأن إيران- تتكون من أربعة محاور أساسية، هي:
المحور الأول: العمل مع الحلفاء وتفعيل التحالفات التقليدية والإقليمية لمواجهة النشاط الإيراني في المنطقة وتحييده.
المحور الثاني: محاربة تمويل "الإرهاب" عبر فرض مزيد من العقوبات.
المحور الثالث: معالجة مسألة انتشار الصواريخ الباليستية والأسلحة التي قال إنها "تهدد الجيران والتجارة العالمية وحرية الملاحة".
المحور الرابع: حرمان إيران من أي وسيلة تقودها لامتلاك السلاح النووي.

لامست هذه الإستراتيجية أربعةَ ملفات أساسية قديمة حديثة، هي: "الدور الإقليمي" و"دعم الإرهاب" و"البرنامج الصاروخي" و"السلاح النووي". كما تناول ترمب -في سياق هجومي- موضوعين مهمين هما الحرس الثوري الإيراني والاتفاق النووي.

لامست هذه إستراتيجية ترمب بشأن إيران أربعةَ ملفات أساسية قديمة حديثة، هي: "الدور الإقليمي" و"دعم الإرهاب" و"البرنامج الصاروخي" و"السلاح النووي". كما تناول ترمب -في سياق هجومي- موضوعين مهمين هما الحرس الثوري الإيراني والاتفاق النووي

تصدّر هذه الإستراتيجيةَ الدورُ الإقليمي لإيران، مما يعني أنه يشكل أولوية للسياسة الخارجية الأميركية خلال المرحلة المقبلة. ثم إن ذكر الملف النووي في ذيل قائمة هذه القضايا (المحور الرابع) له دلالة صريحة على أنه لم يعد يتصدر الاهتمامات الأميركية، رغم كل هذا الضجيج المثار بشأنه.

وفي هذا السياق، إذا نظرنا بعمق في أسباب معاداة ترامب للاتفاق النووي، فإننا نجد أن من بينها الانزعاج من النفوذ الإيراني في المنطقة الذي يرى أن مرده هذا الاتفاق، وبالتالي من الطبيعي أن يأتي الدور الإقليمي الإيراني والحرس الثوري -باعتباره مؤسس هذا الدور وضامنه- في صدارة تلك الملفات.

وفي هذا الصدد، وظّف ترمب في خطابه مصطلحات ذات دلالات سياسية واضحة، مثل ذكره مصطلح "الخليج العربي" بدل "الخليج الفارسي" الذي اعتاد عليه أسلافه من الرؤساء، كأنه أراد توصيل رسالة أكثر تطمينا لدول عربية محددة صرفت المليارات لدفعه إلى العمل ضد إيران.

الإستراتيجية الجديدة توحي بأننا أمام مسار جديد للسياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع طهران خلال المرحلة المقبلة، يختلف كليا عن المسار الذي سلكته إدارة أوباما وانتهي إلى الاتفاق النووي. ومع ذلك، لم يرفق الرئيس ترمب إستراتيجيته بآليات عملية وخطوات واضحة لمعالجة الملفات التي طرحها.

وإذا تعمقنا في المحاور الأربعة، فإننا نجد أن الواقع الإقليمي لا يسعفها، فمثلا عندما أشار إلى العمل مع الحلفاء نسي أو تناسى أن حلفاءه اليوم منقسمون بسبب سياساته، كما لم يوضح كيف سينشّط التحالفات الإقليمية ضد إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن، خاصة في ظل تعقيدات كل ساحة وحدها، وهذا بحد ذاته يؤكد أن آليات تنفيذ هذه الإستراتيجية لم تتحدد بعدُ.

وفرض "مزيد من العقوبات" الذي توعد به ترمب ضمن إستراتيجيته ليس سقفه مفتوحا، فالعقوبات القاسية التي رفعها الاتفاق النووي لا تمكن إعادتها إلا بإلغاء الاتفاق.

استهداف عصب الثورة
نال الحرس الثوري الإيراني -الذي يمثل عصب الثورة الإسلامية وعمودها الفقري- نصيب الأسد من هجمات ترمب خلال كشفه ملامح إستراتيجيته لمواجهة إيران، فوصمه بـ"الفاسد" تارة وبـ"الإرهاب" تارة أخرى. وبذلك صبّ جام غضبه على الحرس الثوري مطالبا بوضعه على قائمة العقوبات، وهو ما استجابت له وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على شركات تابعة له.

وضْع الحرس الثوري الإيراني على قائمة العقوبات الأميركية ليس أمرا جديدا وعمليا هو محظور في أميركا، والتعاون معه يُعدّ جُرما تعاقب عليه القوانينُ الأميركية. كما أن وضع شركات وأشخاص تابعين لهذا الحرس على قائمة العقوبات يأتي استمرارا لسياسة أميركية قديمة.

ترجح الإدارة الأميركية اليوم أن تتعامل مع الحرس الثوري كجهاز داعم "للإرهاب" -حسب قول رئيسها- وليس كمنظمة إرهابية. وبغض النظر عن هذه التسميات، فالواضح أن هذه الإدارة وصلت إلى قناعة بأن نجاحها في مواجهة إيران يتحكم فيه مدى قدرتها على شلّ هذه المؤسسة

والأخطر -الذي كان يتوقعه البعض- هو وضع الحرس على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" بأميركا، وهذا لم يحدث لأنه في غاية الخطورة باعتباره إعلان حرب على إيران، حسب قول وزير خارجيتها السابق علي أكبر صالحي.

كما أن إدراج الحرس على قائمة الإرهاب للخارجية الأميركية، يضع القوات الأميركية أمام تحدي مواجهة قوات الحرس الإيراني المنتشرة بمناطق عديدة من الشرق الأوسط، سواء في المياه الإقليمية أو في العراق وسوريا وغيرها. 

ثمة دلالات مختلفة بين وضع الحرس الثوري على قائمة العقوبات لوزارة الخزانة وضمه لقائمة المنظمات الإرهابية لوزارة الخارجية، فتحاشي إدراج الحرس على القائمة الأخيرة الآن سببُه مخاطر ذلك والتحديات التي تنجم عنها. ومع ذلك، لا يُستبعَد أن يحدث هذا الأمر لاحقا فهو مرتبط بمساقات إستراتيجية الإدارة الأميركية خلال المرحلة المقبلة ومتطلباتها المرحلية.

بيد أن الإيرانيين أدركوا ذلك سريعا، فردوا مسبقا على احتمال وضع الحرس على قائمة الإرهاب الأميركية بشكل حازم وقاطع، مهددين بمعاملة القوات الأميركية في المنطقة كالدواعش.

أما التركيز الأميركي على الحرس الثوري مؤخرا فيضعنا أمام تساؤلات حول الدوافع الأميركية وراء ذلك، وفي الإجابة عن ذلك يمكننا طرح ثلاثة دوافع أساسية:

الأول أن ذلك نابع من انزعاج أميركي كبير من هذه المؤسسة ونجاحاتها الإقليمية. والثاني أن استهداف الحرس الثوري يمثل بوابة رئيسية للتصدي لإيران إقليميا، كما يأتي في سياق الإجراءات الأميركية الأخيرة ضد حزب الله بلبنان. والثالث -وهو الأخطر- أن هذا الاستهداف يندرج -على الأغلب- ضمن سياسة "تغيير النظام الإيراني"، في ظل عودة الحديث بقوة عن هذه الإستراتيجية في دهاليز السياسة الأميركية.

عموما، ترجح الإدارة الأميركية اليوم أن تتعامل مع الحرس الثوري كداعم "للإرهاب" -حسب قول رئيسها- وليس كمنظمة إرهابية. وبغض النظر عن هذه التسميات، فالواضح أن هذه الإدارة وصلت إلى قناعة بأن نجاحها في مواجهة إيران يتحكم فيه مدى قدرتها على شلّ هذه المؤسسة.

شلّ الاتفاق النووي
على عكس توقعات مراقبين؛ لم يعلن ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي بل أبقى عليه، وعدم مصادقته على امتثال طهران للاتفاق دون الانسحاب منه يبدو خطوة ذكية، لكنه جاء تهربا من قرار التمزيق بنفسه، وإظهارا لعجزه عن تنفيذ قناعاته الشخصية، في ظل المعارضة الداخلية والخارجية الكبيرتين لموقفه.

كما يعني ذلك أن ترمب أصبح -إلى حد كبير- محكوما بالظروف المحيطة به داخليا ودوليا، وغيرَ مستعدّ لتحمل تبعات قرار إنهاء هذا الاتفاق الحساس منفردا، بعد أن بات سلوكه تجاهه يدخل بلاده في عزلة سياسية في مواجهة إجماع عالمي، في حين أخرج الاتفاقُ إيرانَ من عزلتها وأنهى الإجماعَ الدولي ضدها.

ما أقدم عليه ترمب، يُبقي على الاتفاق فنيا لكنه يمهّد لتفريغه من المضمون عمليا، وتصفير المنافع الاقتصادية التي تجنيها طهران منه، إذ إنه يرفع مستوى المغامرة للاستثمار الأجنبي بإيران، ويدفع المستثمرين الأجانب للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي استثمار فيها، ولذلك يشكل هذا الموقف ضربة قوية للاقتصاد الإيراني

أما ما أقدم عليه ترمب، فرغم أنه يُبقي على الاتفاق فنيا فإنه يمهّد لتفريغه من المضمون عمليا، وتصفير المنافع الاقتصادية التي تجنيها طهران منه، إذ إنه يرفع مستوى المغامرة للاستثمار الأجنبي بإيران، ويدفع المستثمرين الأجانب للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي استثمار فيها، ولذلك يشكل هذا الموقف ضربة قوية للاقتصاد الإيراني.

بعد أن رمى الرئيس الأميركي الكرة في ملعب الكونغرس لاتخاذ القرار النهائي بشأن الاتفاق النووي؛ يبقى السؤال المطروح هو: هل سينجز الكونغرس ما عجز عنه الرئيس ترمب؟

لا يمكن تقديم إجابة شافية لهذا السؤال الآن بسبب تبدل مواقف مشرّعين أميركيين بارزين من الاتفاق النووي، كانوا في عهد أوباما من أشد معارضي هذا الاتفاق واليوم هم من أقوى داعميه، مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر. فهؤلاء يطالبون بالإبقاء على الاتفاق ما دامت إيران ملتزمة به ولا توجد مبررات فنية تستدعي الانسحاب منه.

ثمة مؤشرات تفيد بأن الكونغرس لا يتجه نحو انتهاج مسار ينتهي إلى إلغاء الاتفاق النووي، وإنما سيكثف الضغوط على إيران ويضع آليات تشدد الرقابة على تنفيذها الاتفاق.

وهناك أسباب عديدة تعزز هذه القناعة: أولا، عدم وجود إجماع في أروقة الكونغرس على خيار الانسحاب من الاتفاق. ثانيا، أركان الإدارة الأميركية نفسها -مثل وزيريْ الدفاع والخارجية ورئيس أركان الجيش- مصرون على إبقاء الاتفاق. ثالثا، اللوبي الأوروبي سيدخل غالبا على الخط لإقناع النواب الأميركيين بإنقاذ الاتفاق النووي، وسنشهد حرب لوبيات في أروقة الكونغرس بين اللوبي الأوروبي واللوبييْن الإسرائيلي والسعودي.

قد لا يقوم الكونغرس الأميركي بسن تشريعات جديدة تعيد فرض العقوبات على إيران، لكنه -إذا أبقى على الاتفاق- قد يقترح تعديل قانون "إينارا" (قانون مراجعة الاتفاق النووي) بما يسمح بعودة العقوبات النووية على إيران تلقائيا في حالات خاصة، دون انتظار أن يكون هناك تقييم كل 90 يوما، ويدرج شروطا ضمنية لهذا القانون.

إلى جانب ذلك، من المحتمل أن يرفق الكونغرس سلوكه هذا بمزيد من العقوبات غير النووية على إيران، بسبب برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي في المرحلة القادمة.

وبالمجمل، ورغم كل هذا الضجيج الأميركي؛ نلمس رغبة لدى المؤسسة الأميركية -بمشرعيها وعسكرييها وساستها- في عدم الانسحاب من الاتفاق النووي، والعمل على تفريغه من المضمون وبقائه شكليا، لدفع طهران في اتجاه الخروج منه.

هذا جُلّ ما يريده الأميركان في الوقت الحاضر، وحديث ترمب عن أنه إذا لم يعمل الكونغرس على رفع عيوب الاتفاق فسيقرر هو بنفسه إلغاءَه، ليس جادا. فلو كان بإمكانه ذلك لفعله دون أن يرمي الكرة في ملعب المشرّعين.

كما أنه ليس مستبعدا أن تتوصل واشنطن إلى اتفاق مع شركائها الأوروبيين يقضي بالإبقاء على الاتفاق النووي أميركيا، مقابل تعاون أوروبي وثيق لدعم التوجه الأميركي في بقية الملفات المتعلقة بإيران. لكن المشكلة التي تواجهها واشنطن هي أن الاتفاق النووي أفقدها أوراق قوة في مواجهة بقية الملفات، مثل فرض عقوبات قاسية تتمثل في حظر النفط.

وقصارى ما يمكن قوله هنا، هو أنه لا يوجد أي سبب فني مرتبط بالاتفاق النووي -من قريب أو من بعيد- يستدعي الالتفاف عليه أو إلغاءه، والمسار الذي تسلكه واشنطن يستهدف تفريغ الاتفاق مضمونا وإبقاءه شكلا، مما يعرضه للانهيار في ظل تهديدات إيران بمراجعة الاتفاق إذا شعرت بأنه لم يعد بإمكانها استيفاء منافعها منه.

أخيرا وباختصار، إن الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأميركي للتصدي لإيران -رغم عدم تحديده آليات واضحة لتطبيقها- تدشّن مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه طهران، لم يعد البرنامجُ النووي الإيراني عنوانَها الرئيس.

وخلاصة إستراتيجية ترمب هي أن سياسة "إيران أولاً" في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تتصدر الإستراتيجية الأميركية الشرق أوسطية. وهذه الإستراتيجية قد تقرّب ساعة الصفر لمواجهة عسكرية بين الطرفين، في ظل تضاؤل فرص حل المشاكل المتراكمة -منذ الثورة الإيرانية– بالطرق السلمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.