تركيا والعملية العسكرية في إدلب.. الأهداف والحسابات

Pro-Ankara Syrian rebel fighters are seen riding on pickup trucks near the village of Hawar Killis along the Syrian-Turkish border in the northern province of Aleppo on October 6, 2017, as they advance towards jihadist-controlled Idlib province.Turkish President Recep Tayyip Erdogan said in a televised speech on October 7 that the pro-Ankara Syrian rebels were 'taking new steps to ensure security in Idlib'.Erdogan later told reporters the operation was led by 'Free Syrian Army' (FSA) rebels and that the Turkish army was not yet operating there. / AFP PHOTO / Nazeer al-Khatib (Photo credit should read NAZEER AL-KHATIB/AFP/Getty Images)

أهداف ذهبية تركية
تركيا وحسابات المواجهة
أبعد من إدلب

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واضحا عندما حدد الهدف من العملية التركية في إدلب بقوله إنه لن يسمح بإقامة "ممر إرهابي يبدأ من عفرين ويمتد إلى البحر المتوسط"، في إشارة إلى منع إقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا.

ورغم ذلك؛ فإنه من الجلي أن هذه العملية تحمل جملة من الأهداف الذهبية للسياسة التركية، بعد أن نجحت أنقرة في تأمين غطاء جوي روسي لها، وتفاهم مع موسكو وطهران على إقامة منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، حيث تأمل تركيا منها إعطاء قوة دفع كبيرة لسياستها تجاه الأزمة السورية مستقبلا.

أهداف ذهبية تركية
لعل الأهم في العملية العسكرية التركية في إدلب هو تأمين الغطاء السياسي لها، فهي جاءت نتيجة لمباحثات الجولة الرابعة من محادثات أستانا، وتحت عنوان مكافحة الإرهاب، ولعل تأمين هذا الغطاء كان السبب الرئيسي في تأخير إطلاق تركيا لهذه العملية، إذ إن الاستعدادات العسكرية لها امتدت شهورا.

من شأن هذه العملية ترسيخ دور تركيا في شمال سوريا وجعلها قوة مؤثرة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، إذ إن المنطقة الممتدة من جرابلس على الفرات إلى إدلب -التي تشرف على الساحل السوري وتتصل جغرافياً بمحافظة حماة- ستصبح تحت التأثير التركي، ومثل هذا الأمر يعطي قوة دفع كبيرة للسياسة التركية في الأزمة السورية خلال المرحلة المقبلة

ويؤكد ذلك أن للعملية جملة من الأهداف الإستراتيجية، من أهمها:
1- قطع الطريق أمام تمدد الكرد وتطلعهم للوصول إلى البحر المتوسط، ففي صلب العملية التركية إقامة ممر يمتد من إدلب إلى إعزاز في حلبعبر ناحية جنديرس التابعة لعفرين، فضلا عن تطويق الأخيرة ووضعها تحت المراقبة التركية الحثيثة عبر نقاط عسكرية في إدلب.

ويعني ذلك تطويق المدينة وشل فعالية "وحدات حماية الشعب" (الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، وربما التحرك مع فصائل الجيش الحر للسيطرة على المدينة في إطار محاربة حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعده تركيا الفرعَ السوري لحزب العمال الكردستاني التركي. 

2- أن من شأن هذه العملية ترسيخ دور تركيا في شمال سوريا وجعلها قوة مؤثرة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، إذ إن المنطقة الممتدة من جرابلس على الفرات إلى إدلب -التي تشرف على الساحل السوري وتتصل جغرافياً بمحافظة حماة– ستصبح تحت التأثير التركي، ومثل هذا الأمر يعطي قوة دفع كبيرة للسياسة التركية في الأزمة السورية خلال المرحلة المقبلة.

3- أن تركيا -التي تحتضن قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري– تخشى من أن عدم قيامها بمثل هذه العملية يعني ترك المجال للاعبين الآخرين (أي روسيا وإيران والولايات المتحدة وحتى النظام السوري) للقيام بها باسم مكافحة التنظيمات الإرهابية.

وهو ما قد يفتح الباب أمام نزوح أكثر من مليون شخص إلى تركيا، في حين ترى أن دخولها إدلب سيفتح الباب أمام عودة النازحين السوريين إلى مناطقهم بعد تأمينها. 

4- ثمة نقطة مهمة في الحسابات التركية، وهي أن التدخل العسكري يعني إعطاء قوة دفع كبيرة لفصائل الجيش الحر، بعد أن تراجع نفوذها في السنوات الأخيرة بسبب صعود تنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذ إن من شأن هذه العملية الاعتراف السياسي بدور الفصائل التي ستتولى مهمة تحقيق الأمن بهذه المناطق، خاصة في ظل الغطاء الجوي الروسي.

تركيا وحسابات المواجهة
مع أن تركيا ظلت الحاضنة والداعمة الأساسية لمعظم الفصائل التي حاربت النظام السوري وطالبت بإسقاطه، إلا أن ثمة خشية تركية من المواجهة مع بعض الفصائل التي تسيطر على إدلب، ولا سيما "هيئة تحرير الشام" التي تشكل جبهة النصرة (سابقا) القوة الأساسية فيها.

حيث تسيطر الجبهة على أكثر من 80% من المحافظة وتدير المعابر الحدودية مع تركيا (باب الهوى وأطمة)، وتعود هذه الخشية أساسا إلى رفض الهيئة للدور الروسي في العملية، وإلى الحديث عن انقسام في صفوف الهيئة بين موافق على العملية ورافض لها.

إلا أن هذه الخشية لا تقلل من القناعة بأن لا خيار أمام الهيئة سوى التعاون مع تركيا، إذ إن المواجهة العسكرية معها ستؤدي إلى نهايتها، كما أن الانسحاب يعني انتهاء مشروعها السياسي، ولعل ثمة ما يوحي بأن الهيئة أدركت هذه الحقيقة بعد أن لوّحت في البداية بالمواجهة.

معركة تركيا الأساسية هي مع وحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفهما الولايات المتحدة كمشروع إقليمي بالمنطقة، بل إن التقارب التركي مع روسيا وإيران يشكل أحد الأسباب لجهة كيفية مواجهة المشروع الكردي/الأميركي في سوريا، وترى تركيا أنها ستكون المتضرر الأكبر من هذا المشروع على المدى البعيد

لكن سماحها لوفد عسكري تركي بالتجوال في محافظة إدلب وصولا إلى الريف الغربي لحلب يشير إلى حصول تفاهم بين الطرفين، وهو تفاهم يقوم على تجنب القتال أولا، والاتفاق على التحرك ضد وحدات حماية الشعب الكردية في المرحلة المقبلة ثانيا.

ولعل النقطة الأخيرة تنقلنا إلى المستوى الثاني للمواجهة، فمعركة تركيا الأساسية هي مع وحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفهما الولايات المتحدة كمشروع إقليمي بالمنطقة، بل إن التقارب التركي مع روسيا وإيران يشكل أحد الأسباب لجهة كيفية مواجهة المشروع الكردي/الأميركي في سوريا.

حيث ترى تركيا أنها ستكون المتضرر الأكبر من هذا المشروع على المدى البعيد، ولعلها ليست صدفة أن تنطلق العملية التركية في هذا التوقيت الذي يأتي مع قرب انتهاء معركة الرقة، وإثر حديث عدد من المسؤولين الكرد السوريين عن أن إدلب ستكون معركتهم المقبلة بعد الرقة، بغية إقامة ممر بري يربط المناطق الكردية بالبحر المتوسط، وسط استمرار تدفق الأسلحة الأميركية إلى قوات سوريا الديمقراطية.

وعليه فإن معركة إدلب بالنسبة لتركيا تبدو استباقا لمواجهة تداعيات مرحلة ما بعد معركة الرقة، ولعل الأمر نفسه ينطبق على حسابات تركيا تجاه محور تحالف النظام وإيران وروسيا وحزب الله، لأن احتمال تحرك هذا التحالف باتجاه محافظة إدلب -بعد دير الزور– يبقى قائما، ولا سيما بعد أن أصبحت المحافظة وجهة للجماعات المسلحة، سواء برغبتها أو بالاتفاقات التي وقعتها مع النظام وإيران وحزب الله.

أبعد من إدلب
في الحديث عن عملية إدلب ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه، وهو: إذا كانت هذه العملية ضرورية لتركيا، فهل هي مجرد عملية محدودة في إطار تحقيق مناطق خفض التصعيد أم إنها عملية لها ما بعدها عسكريا وسياسيا؟

إن الجواب المباشر عن هذا السؤال هو أن العملية لها ما بعدها في ظل الأهداف التركية المعلنة وطريقة الإعداد لها، لأن القضاء على إمكانية إقامة كيان كردي في شمال سوريا يقع في صلب الأهداف التركية، إلا أن سير العملية وآفاقها يعتمدان بشكل كبير على الحسابات المتداخلة ومواقف الأطراف المعنية بالأزمة السورية.

يمكن القول إن مرحلة ما بعد إدلب ستفرض على الجميع إعادة النظر في حساباته والتوجه جديا نحو تسوية معقولة، بعدما أثبتت السنوات الماضية -من عمر الأزمة السورية- أن المواجهة المباشرة بين القوى الكبرى غير واردة، وأن تفاهمات الضرورة هي التي تشق طريقها عند كل منطعف

فالنظام السوري -الذي يلتزم الصمت بشأن التدخل التركي- لا يعطي شرعية له وإنما ينظر إليه كاحتلال، وإذا كان موقفه الصامت يأتي بضغط روسي، فإن الموقف الروسي المتفهم للتدخل التركي يبقى عامل اختبار في المرحلة المقبلة، إذ ثمة من يرى أن موسكو -التي تقدم الغطاء الجوي للجيش الحر في عملية إدلب- لم تعد تقبل هدر المزيد من الوقت.

وهذا يعني اتجاه الروس نحو الاعتراف بشرعية القوى المعتدلة التي تتمسك بمرحلة انتقالية تفضي إلى رحيل النظام، خاصة أن موسكو أعدت مسبقا دستورها لمستقبل سوريا، ولعل الوصول إلى هذه المرحلة يشكل الهدف الأساسي لتركيا، في حين أن هذا الموقف -المتوقع بعد مرحلة إدلب- قد يشكل صدمة للسياسة الإيرانية التي تتمسك بالنظام.

والسؤال هنا هو: كيف لروسيا أن توّفق بين اللاعبين المتخاصمين على الساحة السورية؟ وهل ما سبق سيدفع بالنظام وحليفه الإيراني وحزب الله إلى مواجهة موسكو وتركيا في سوريا؟ الواقع أنه إذا كانت صعبة الإجابة عن مثل هذه الأسئلة الاستباقية؛ فإن الموقف الأميركي يبقى مهمًّا، وبالتالي فإن السؤال الأساسي هنا هو: أين تقف واشنطن من العملية التركية في إدلب؟ وماذا عن تحركها داخل سوريا في مرحلة ما بعد الرقة؟

ثمة من يرى أن مرحلة ما بعد الرقة وإدلب قد تؤسس لنقاط التقاء جديدة بين واشنطن وأنقرة، ربما يستثمرها الطرفان في ترميم العلاقة بينهما بعد أن تراكمت خلافاتهما في المرحلة الماضية.

وعليه؛ يمكن القول إن مرحلة ما بعد إدلب ستفرض على الجميع إعادة النظر في حساباته والتوجه جديا نحو تسوية معقولة، بعدما أثبتت السنوات الماضية -من عمر الأزمة السورية- أن المواجهة المباشرة بين القوى الكبرى غير واردة، وأن تفاهمات الضرورة هي التي تشق طريقها عند كل منطعف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



إعلان