رسالة إلى مسلمي أوروبا واللاجئين: امضوا في حياتكم
هؤلاء الذين لا يرون أن هدف المنظمات الإرهابية -التي تشن هجمات على الغرب- هو تفكيك وحدة الأوروبيين وتجريم المسلمين (بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى)، قد سقطوا هم أنفسهم فريسة لتلك المنظمات.
فالمنهج الكلاسيكي للإرهاب هو إثارة مجموعات من الناس بعضهم ضد بعض، والتأكد من أن الشقاق سيصل مداه ولن ينجبر، فيندلع صراع مسلح في المجتمع يمكّن تلك الجماعات الإرهابية من السيطرة على مقاليد الأمور.
لا ينبغي للسياسيين الأوروبيين -عند الرد على هجمات باريس وبروكسل وبرلين– دعوة الأوروبيين إلى "المضي قدما في أسلوب حياتنا" كما هي عادتهم، وهو ما قرروه بالفعل إذ ليس أمامهم من سبيل آخر، ولكن يجب أن تكون رسالتهم على المستوى نفسه من الأهمية لمسلمي أوروبا: "امضوا قدما في حياتكم"، وواصلوا إسهاماتكم في المجتمع الذي تعيشون فيه الآن، ولا تعبؤوا بإهانات السياسيين الشعبويين لكم.
لا ينبغي للسياسيين الأوروبيين -عند الرد على هجمات باريس وبروكسل وبرلين- دعوة الأوروبيين إلى "المضي قدما في أسلوب حياتنا" كما هي عادتهم، وهو ما قرروه بالفعل إذ ليس أمامهم من سبيل آخر، ولكن يجب أن تكون رسالتهم على المستوى نفسه من الأهمية لمسلمي أوروبا: "امضوا قدما في حياتكم" |
فماكينة الإعلام التي تديرها المنظمات الإرهابية الإسلامية تهدف تحديدا إلى عزلكم أنتم المسلمين عن باقي الأوروبيين، حتى تفقدوا كل دافع يحدوكم لبناء حياة ناجحة في مختلف البلدان الأوروبية. وإن فُقد الدافع لهذا، فخطر الوقوع في براثن الإرهاب يصبح حقيقة واقعة.
ولابد أن نعتبر مما قاله لاجئون أمام الكاميرات في برلين بعد الهجمات الإرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2016، إن السبب الأساسي لتركهم أوطانهم -مثل سوريا وغيرها- هو الإرهاب المتأجج هناك.
والآن ها هم يعيشون في بلد تلتهمه الهجمات الإرهابية ذاتها، بل والحال أسوأ.. حيث يُدينهم أهل هذا البلد، فأصابع الاتهام مصوّبة إليهم معلنة أن "كل اللاجئين والمسلمين مدانون لما حدث في باريس وبروكسل وبرلين".
إن كان للسياسيين الأوروبيين -بل وفي هذا السياق لجميع السياسيين حول العالم- أن يوجهوا دعوة إلى شعوبهم؛ فتلك الدعوة يجب أن تكون دعوة للتفريق دائما بين الصالح والمسيء من البشر، وعدم إطلاق التعميمات على مجموعة من الناس.
وهذا يعني أنه على السياسيين التفرقة بين المسلمين العاديين واللاجئين المسلمين من ناحية والإرهابيين من ناحية أخرى، فالإرهابيون هم الذين يمثلون التهديد الحقيقي للمجتمع سواءً أكانوا مسلمين أم لا.
وهذا ليس بالأمر الصعب؛ فكلٌّ منا يعرف أن في كل أسرة ابنا ضالا، ولكن هذا لا يعني أن الأسرة بأكملها قد ضلت، فنحن البشر لدينا القدرة الكافية للتفريق بين الصالح والطالح من الناس.
ودائما ما يكون السياسيون الشعبويون في أوروبا أول من يوجه اللوم إلى القادة السياسيين -مثل المستشارة أنجيلا ميركل في ألمانيا، والرئيس فرانسوا هولاند في فرنسا– عن المجازر التي يرتكبها الإرهابيون.
إلا أنهم يوجهون اللوم للقوم الخطأ؛ إذْ لم يرتكب تلك الهجماتِ أيٌّ من المستشارة ميركل أو الرئيس هولاند. وبمثل هذا الأسلوبيزيد السياسيون الشعبويون الاستقطاب سوءاً، الأمر الذي يرغب بشدةٍ تنظيمُ الدولة الإسلامية في تحقيقه.
المسلمون العاديون واللاجئون في أوروبا يتعرضون لضغط من الجانبين (السياسيين الشعبويين والمسلمين المتشددين)، فهم بهذا يواجهون تحديَّ عدمِ فقدان الدافع لتحقيق حياتهم في أوروبا، وعدم الانجراف بعيدا أو التشدد مما قد يوقعهم في براثن تنظيم الدولة الإسلامية |
فكل تغريدة تنشرها فراوكا بيتري (زعيمة الحزب الشعبوي الألماني "البديل لألمانيا")، أو يبعث بها غيرت فيلدرز (زعيم "حزب الحرية" الهولندي)، تُقابَل بالترحاب في مقرات ذلك التنظيم في مدينة الرَّقة، ويهنئ مقاتلوه بعضهم بعضا قائلين: "إن الأمور تسير على ما يرام، فالأوروبيون يتنازعون ووحدتهم تتفكك، والشقاق يزيد بين الناس، ومسلمو أوروبا سيلقون بأنفسهم بين أذرعنا".
وأكثر ما يتمناه تنظيم الدولة الإسلامية هو أن ينضم إليه المسلمون في أوروبا، فالخلافة التي أقامها في سوريا والعراق تنهار، وهم في حاجة إلى أعضاء جدد في العالم الغربي.
وإضافة إلى تصريحات السياسيين الشعبويين في أوروبا، هناك أيضا تصريحات الأصوليين من المسلمين في أوروبا، ومعظمهم من السلفيين الذين يعملون على استقطاب تابعين لهم بالقدر ذاته الذي يفعل السياسيون الشعبويون، إن لم يكن أكثر.
والمشكلة هنا هي أن كثيرين منهم راضون -سرا أو علنا- عن الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية في أوروبا. فهم يؤيدون ما يقوله التنظيم عن الإسلام ويدعمون مبدأه في "نصرة الشريعة".
وبهذا نجد أن المسلمين العاديين واللاجئين في أوروبا يتعرضون لضغط من الجانبين (السياسيين الشعبويين والمسلمين المتشددين)، فهم بهذا يواجهون تحديَّ عدمِ فقدان الدافع لتحقيق حياتهم في أوروبا، وعدم الانجراف بعيدا أو التشدد مما قد يوقعهم في براثن تنظيم الدولة الإسلامية.
الحل يكمن في أنه ليست هناك حاجة لهراء السياسيين وتفسيراتهم الخواء؛ فما نحتاجه حقا هو مشاركة كل الأطراف المعنية بالأمر داخل أوروبا، في مناورة حذقة لمنع تحويل الأفراد إلى أداة في أيدي الإرهابيين الذين يتحركون إستراتيجياً، وتقودهم عقولهم المريضة المخربة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.