التدمير الذاتي لترامب

Campaign Manager Kellyanne Conway (L) and Paul Manafort, staff of Republican presidential nominee Donald Trump, speak during a round table discussion on security at Trump Tower in the Manhattan borough of New York, U.S., August 17, 2016. REUTERS/Carlo Allegri

مؤخرا قام المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري الأميركي دونالد ترامب مجددا بإجراء تغيير كبير في إدارة حملته الانتخابية، وهو بذلك يكشف للناس المزيد عن نفسه وما يطلق عليه أسلوبه بالإدارة وهذا يفوق ما يريد أن يعرفه الناس عنه. إن قلة من الحملات الرئاسية شهدت مثل تلك الفوضى الواضحة والتغيير الكبير في الموظفين.

إن من يدير حملة ترامب الآن هما شخصان لم يديرا من قبل حملة رئاسية ولديهما توجهات سياسية متعارضة.

كيليان كونوي مديرة حملته الانتخابية الجديدة هي متخصصة في استطلاعات الرأي وكانت تستمد بيانات المسح من التيار اليميني للحزب الجمهوري لسنوات عديدة (لقد أصبح الجناح اليميني هو التيار السائد للحزب الجمهوري لأن الجناح الوسطي قد زال بالأساس) وخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عملت كعضوة تنفيذية في لجنة العمل السياسية التي دعمت المنافس اللدود لترامب تيد كروز.

إن كونوي ذكية وحزبية صلبة حيث من المتوقع أن يكون لها تأثير ثابت ومنطقي على الحملة ولو نجحت كونوي في فرض أسلوبها -واستطاع ترامب التقيد بالمواضيع- سنرى مرشحا جمهوريا أكثر منطقية وعقلانية.

 

على الجانب الآخر فإن قرار ترامب تعيين ستيفن بانون رئيسا تنفيذيا لحملته الانتخابية لا ينبئ بالاستمرارية والمنطقية، وقبل تعيينه كان بانون الرئيس التنفيذي لبريتبارت نيوز وهي مجلة إلكترونية يمينية متطرفة وقومية متشددة تؤمن بتفوق العرق الأبيض، ومعروف بأنه فوضوي مقاتل قد ينحدر لأي مستوى من أجل الفوز.

إن تعيين بانون قد أثار الدهشة لدى التيار الرئيسي للحزب الجمهوري؛ فترامب الذي تخلف بفارق كبير عن هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي لشهر أغسطس/آب قد تعرض لضغوطات متزايدة للاقتراب من قيادات الحزب الجمهوري، وما لم يتبن ترامب المقاربة السائدة لدى الحزب الجمهوري فإنه لن يتمكن من جذب البيض الذين يعيشون في الضواحي وهم مجموعة سكانية مهمة لم تقرر بعد كيف ستنتخب.

لكن بانون ليس معجبا بقيادات الحزب الجمهوري، فخلال إدارة بانون كانت بريتبارت نيوز عادة ما تهاجم رئيس مجلس النواب بول ريان وفي وقت سابق من هذا الصيف هاجمت بريتبارت نيوز ريان لدعمه مشروع قانون شامل للإنفاق يتضمن تمويل الرئيس باراك أوباما لبرنامج للاجئين السوريين، كما هاجمته بسبب إرسال أطفاله لمدرسة كاثوليكية خاصة، كما دعمت خصم ريان في انتخابات الكونجرس التمهيدية لولاية ويسكونسن وهو مناصر لترامب علما أن ريان تمكن من هزيمته بأغلبية ساحقة.

لقد قامت بريتبارت نيوز كذلك بإدانة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش مكونيل حيث نشرت مقالات اتهمته فيها بالضعف في مواجهة كلينتون لأنه يريد أن يحتفظ بعلاقات جيدة مع المتبرعين الذين يعارضون ترامب.

إذن ماذا حقق ثنائي كونواي – بانون؟ إن الإشارات الأولية توحي بأن كونواي تعمل على تهذيب شخصية ترامب؛ فعلى سبيل المثال عبر ترامب -الذي عادة لا يقدم أي اعتذارات- مؤخرا عن "أسف" غير واضح لإساءته للناس، والأهم من ذلك أن ترامب بدأ بالابتعاد عن موقفه المتشدد المعادي للهجرة مثل تعهده بإنشاء "قوة الإبعاد" من أجل اعتقال 11 مليون مهاجر لا يحملون وثائق رسمية في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الاتجاه الذي يتحرك ترامب تجاهه ما يزال غامضا، كما من غير المعروف كذلك ما إذا كان أنصاره سيسمحون له بذلك التحول.

على النقيض من ذلك فإنه يبدو أن بانون يريد "ترامب أن يبقى ترامب" حيث يدعم بانون رفض ترامب الابتعاد عن الطرح الانقسامي الذي تبناه خلال مرحلة الانتخابات التمهيدية وتبني مقاربة أكثر رئاسية. إن من المفترض أن بانون يأمل بأن يطلق العنان لترامب من أجل إتباع غرائزه الأساسية بحيث يستمر في توجيه أقذر الشتائم لكلينتون بينما يشتد وطيس السباق الانتخابي.

ومن غير المرجح أن تؤدي ترتيبات ترامب المتعلقة بالموظفين لمرشح جديد أكثر منطقية، فخلال حملته الانتخابية تأرجح بشكل كبير بين الاتزان والعدائية وأحيانا كان ذلك يحدث في اليوم نفسه.

إن تعيين ترامب لبانون على وجه الخصوص يوحي بأنه يائس وخائف وضائع، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح مدى رغبة ترامب بأن يصبح رئيسا، فإننا نعلم أنه يكره الخسارة.

لكن يبدو أن ترامب لا يدرك أساسيات السياسة الرئاسية ولا الفرق بين موسم الانتخابات التمهيدية والموسم الرئيسي المتمثل في الانتخابات الرئاسية، فهو ما يزال يتبجح بأنه هزم خصومه الجمهوريين على الرغم من أنه نظرا لكيفية إجراء الانتخابات التمهيدية فإن هزيمة 16 خصما أسهل من هزيمة واحد أو اثنين.

إن ترامب يخلط أيضا بين أنصاره المتحمسين الذين يحضرون تجمعاته الانتخابية وبين الناخبين في الانتخابات الرئاسية؛ حيث يبدو أنه لا يدرك أن ما يقوله لأنصاره المتحمسين يتم الاستماع إليه من قبل العامة وهم أكثر عددا وأقل تعاطفا من هؤلاء الأنصار.

لقد حل بانون مكان بول مانافورت الذي كان قريبا للنخب التي يحتقرها بانون والذي حاول تقوية علاقات ترامب بهم. لقد ارتكب مانافورت الخطأ الكبير بأن حاول تغيير ترامب وإقناع التيار الرئيسي للحزب الجمهوري بأن بإمكانه السيطرة على المرشح، وحتى السياسيين الذي لا يتمتعون بالأنا الضخمة لترامب كانوا يغضبون من مثل هذا الكلام.

بحلول الوقت الذي تم فيه استبدال مانافورت، كان ترامب يتجاهل نصيحته واستسلم مانافورت، وفي الوقت نفسه كان ماضي مانافورت كمستشار وكعضو مجموعة الضغط لمصلحة بعض السلطويين البغيضين حول العالم قد بدأ بالظهور، حيث عمل في أحد المرات لمصلحة الرئيس الأوكراني السابق فكتور يانكوفيتش والذي كان دمية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث هرب لروسيا بعد أن تمت الإطاحة به سنة 2014.

لقد بدأت وزارة العدل الأميركية بالتحقق من نشاطات مانافورت المتعلقة بمجموعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية بالنيابة عن يانكوفيتش والذي شكل تهديدا آخر للحملة الرئاسية، وبينما كان أبناء ترامب المؤثرون يفضلون مانافورت في بادئ الأمر، إلا إنهم غيروا رأيهم عندما بدأ في جذب اهتمام إعلامي سلبي بما في ذلك أسئلة عن إعجاب ترامب ببوتين والذي يصعب تفسيره حتى الآن، وعلى الرغم من خروجه من حملة ترامب، فإن ارتباطاته الأوكرانية ستكون موضع اهتمام الصحافة لفترة طويلة قادمة.

لم تنته الانتخابات الرئاسية لسنة 2016 بعد، ومن الممكن أن ينتهي المطاف بترامب في البيت الأبيض، ولكن سوء حكمه المتعلق بتقييم الأشخاص والذي ظهر جليا في الأسابيع الأخيرة هو سبب آخر لمعرفة لماذا يشكل فوزه تهديدا خطيرا للديمقراطية الأميركية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.