فرصة أوباما للسلام في الشرق الأوسط
يصادف العام المقبل الذكرى المئوية لوعد بلفور، الوعد البريطاني الذي مهد الطريق لتأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، وخلق الصراع المستمر إلى اليوم بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك العالم العربي الكبير.
إن زعماء العالم الذين سيجتمعون في نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على الأرجح لن يكون لديهم الوقت لمناقشة هذا التحدي السياسي الدائم. ولكن على الرغم من كل القضايا الكبرى الأخرى في الشرق الأوسط، يبدو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المشكل المركزي التي سيحدد هل سيكون مستقبل المنطقة مستقبل سلام وازدهار أم لا.
وسواء تم حل الصراع أو لم يتم حله، فسوف يساعد ذلك في تحديد إرث السياسة الخارجية الأميركية للرئيس باراك أوباما. مع اقتراب نهاية الفترة الثانية لحكم أوباما، تجدر الإشارة إلى أنه عندما تولى منصبه في عام 2009، سعى إلى التقارب مع العالم الإسلامي على نطاق أوسع. في خطابه التاريخي بالقاهرة في يونيو/حزيران من ذلك العام، وصف وضع الفلسطينيين بأنه "لا يطاق" ووعد بمواصلة الجهود من أجل "حل الدولتين حتى يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون العيش في سلام وأمن ".. مع كل الصبر والتفاني الذي تقتضيه هذه المهمة.
وقد حقق أوباما تقدما ضئيلا جدا في هذه القضية منذ ذلك الحين، ولكن ليس لعدم قيامه بأية محاولة. خلال فترة حكم أوباما الأولى، تضامن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجمهوريون في الكونغرس الأميركي ضده لإفشال أي جهود سلام ذات مغزى. وخلال ولايته الثانية، قاد وزير خارجيته جون كيري، جهودا بطولية خلال تسعة أشهر -انطوت على ما يقارب مائة اجتماع ثنائي مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين- لكنها تلاشت ببساطة.
واليوم، أعرب نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس عن استعدادهما للقاء في موسكو أو في موقع آخر لم يتم تحديده بعد. ولكن لا أحد يتوقع بجدية أن الطرفين سيحققان أي تقدم حقيقي نحو حل الدولتين في هذه المرحلة.
أحد الأسباب هو أن نتنياهو ينتظر مغادرة أوباما لمنصبه. أولوياته الحالية هي التوصل إلى اتفاق من أجل المساعدات العسكرية الضخمة مع الولايات المتحدة في الشهور المقبلة (وقد تم توقيع ذلك الاتفاق)، والقيام بحملة دبلوماسية جديدة لتبرير سياسة حكومته الحالية فيما يتعلق بالمستوطنات في الأراضي المحتلة، والتي أدانها المجتمع الدولي بصفتها غير قانونية. وعلاوة على ذلك، تنحدر سلطة عباس نحو الانزلاق، وليست هناك مبايعة لزعيم فلسطيني لمواصلة جهود السلام الحرجة في المناخ السياسي الحالي.
وإذا لم يحرز أي تقدم في قضية وعد خصيصا بحلها قبل ترك منصبه، سيكون أوباما قد فشل فشلا ذريعا. لحسن الحظ، لا يزال لديه الوقت، وقد أخذ العديد من رؤساء الولايات المتحدة السابقين قرارات دبلوماسية جريئة خلال الأشهر الأخيرة في البيت الأبيض.
في أواخر عام 1988، اعترف رونالد ريغان بمنظمة التحرير الفلسطينية وسمح لوزارة الخارجية ببدء "حوار موضوعي" مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية. في أواخر عام 2000، نشر بيل كلينتون معالمه كإطار لسلام مستقبلي. وبدءا بمؤتمر أنابوليس في أواخر عام 2007، أتاح جورج دبليو بوش سلسلة من المفاوضات بين عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت.
الآن جاء دور أوباما، حيث يجب عليه أن يدافع عن قرار لمجلس الأمن الدولي يضع معايير جديدة للتوصل إلى اتفاق سلام في المستقبل، ويحل محل قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يعود تاريخه إلى حرب الأيام الستة لعام 1967 بين إسرائيل ومصر والأردن وسوريا. ويتفق المجتمع الدولي على أن إنهاء الصراع هو في مصلحة الجميع، وقد جادلت فرنسا منذ فترة طويلة لاستصدار قرار جديد، ولا تعارض روسيا هذه الخطوة. فيجب على أوباما مناقشة روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول الكيفية التي ينبغي أن يصاغ بها القرار.
وسوف يحتاج إلى دعم دولي، لأن نتنياهو سيعترض بالتأكيد على أي معايير جديدة من شأنها تقويض رؤيته الواضحة من أجل إسرائيل الكبرى من البحر المتوسط إلى نهر الأردن. ولدى نتنياهو حلفاء في الولايات المتحدة سيتدخلون لصالحه. أما المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب فلا يذكر حل الدولتين في برنامجه الانتخابي. وأكدت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون للمنظمات الأميركية المؤيدة لإسرائيل أنها تعارض أي قرار جديد لمجلس الأمن لوضع الأساس للتوصل إلى اتفاق في المستقبل.
ومع ذلك، فإن القرار الجديد سيكون محتملا في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعد الانتخابات الأميركية، وسيوفر على الرئيس المقبل التكاليف السياسية. ومن شأن إدارة كلينتون الاستفادة من وجود ورقة عمل، وسوف تستفيد إدارة ترامب من انخفاض التوقعات، في حين يجري ضبط النفس من القيام بالمزيد من الضرر أكثر مما كان متوقعا.
وينبغي على القرار نفسه أن يكون أكثر شمولا من الجهود السابقة لمجلس الأمن. في الحقيقة، لا يذكر القرار 242 حتى الفلسطينيين أو قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وهناك نموذج أفضل بكثير ألا وهو مبادرة السلام العربية للجامعة العربية لعام 2002، التي تجسد منظورا إقليميا أوسع بكثير. و قد قال أوباما في وقت سابق إن هذه المبادرة من شأنها أن تمنح إسرائيل "السلام مع العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب".
وعلاوة على ذلك، يجب على القرار الجديد تأكيد أن المجتمع الدولي لن يَقبل أي تغييرات على حدود ما قبل سنة 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس.
وباعتراف الجميع، فإن مثل هذا القرار لن يؤدي إلى السلام فورا، أو حتى لمحادثات السلام. في الواقع، قد يُقسم الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى القريب. ولكن إذا كان العالم يريد تجنب مواجهة كارثية في المستقبل بين إسرائيل الكبرى القادمة وفلسطين المدعومة من قبل تحالف كبير من الدول العربية، فإن الظروف لإجراء محادثات تقود إلى حل الدولتين يجب أن تُنشأ الآن.
يوجد أوباما في موقف مريح يُمَكنه من وضع إطار للتوصل إلى تسوية نهائية. وإذا فعل ذلك، فإنه سَيُثبت أن خطابه في القاهرة لم يكن عبثا، وقد يبرر جائزة نوبل للسلام التي تلقاها في بداية رئاسته، عندما تعهد بأن السلام بين إسرائيل وفلسطين سيكون جزءا من إرثه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.