حماس ومرحلتها الانتقالية.. مشعل أم هنية؟

كومبو لثلاث شخصيات فلسطينية من حماس:خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية
لم تتأكد بصفة نهائية أنباء تولي إسماعيل هنية القائد السياسي والمناضل المميز في فلسطين عموما وفي قطاع غزة خصوصا، رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، خلفا لخالد مشعل الذي سبق أن طرح استقالته مرارا، بعد أنجح قيادة مرت بها المقاومة الفلسطينية وأعقد تحديات، تولى خلالها مشعل العبور الصعب والقاسي للمقاومة الفلسطينية بنجاح كبير، رغم المضيق الصعب الذي خُنقت فيه.
لكن حديثنا اليوم ينطلق من وجود قرار مؤكد بتحقيق انتقال ديمقراطي في موقع القيادة بحركة حماس، والتي تتولى اليوم عمليا قيادة كل المقاومة الفلسطينية، كجزء من تجربتها المميزة في النجاح، سواء تم انتخاب إسماعيل هنية أو موسى أبو مرزوق أو غيرهما لخلافة مشعل.

ومن الواضح ـ لأسباب رئيسيةـ أن توجه الاستخلاف القيادي نحو إسماعيل هنية بحسب توقع المراقبين، هو توجه صحيح لعدة أسباب، أولها أن كاريزما هنية، لا توجد لدى شخصية أخرى في حماس غالبا، وهناك ضرورة لهذه الكاريزمية في توجهات الرأي الشعبي العام سواء كان ذلك على المستوى العربي أم الأجنبي، أم حتى على مستوى قواعد الحركة النضالية والسياسية.

فضلا عن ظروف الشعب الفلسطيني، الذي شكل فيها الرمز أيقونة مهمة وتاريخية، لمحطات نضاله، ويجب هنا الاعتراف بأبي عمّار كرمز حقق نقلة تاريخية، واختتم حياته برفض تطوير أوسلو إلى خارطة تصفية للقضية الفلسطينية، أو المس بالقدس وسدد فاتورة النضال الأخيرة بحياته.

هنا اليوم وبعد انهيار الموقف والشخصية النضالية لفتح، أضحت حماس ومنذ فترة في موقع القيادة العامة للمقاومة الفلسطينية، وهي مركزية صعبة جدا وتتعرض لضغوط شرسة، وهنا مفصل الخطاب.
فما يطرحه هذا المقال، أن قرار انتخاب قائد جديد للمقاومة، ورئاسة مكتبها السياسي، يحتاج اليوم تحديدا للتأجيل لعامين آخرين، لماذا؟

سوف نستعرض الدوافع، لكننا نؤكد أن تميّز هنية أيضا في خطابه وجسارته وعقلانيته، رغم أنه كان في قلب غزة وقلب المقاومة، يأتي في الاتجاه الصحيح للاستخلاف السياسي، ولكن وجوده في دفة العمل السياسي داخل غزة ضرورة للمرحلة الانتقالية المهمة لحماس وغزة والقضية الفلسطينية، وأن بقاء خالد مشعل خلال هذين العامين وإنجاز هذه الخطة، قد يُحقق نقلة نوعية ويتجاوز بعض التحديات الصعبة، والتي ستقفز للواجهة دون إعداد سياسي كاف لتجاوزها.

وهنا ندرج أهم هذه العناصر:
1- مراحل العصف بالواقع العربي والإقليمي وتبدل المواقع للقوى الدولية، في المشرق العربي ليس جديدا، لكنه اليوم في إطار تشكّل مختلف، هل سيفشل أم سينجح وخاصة في سوريا والعراق ولبنان، والخارطة الجديدة لهم وللخليج العربي، تلك قصة أخرى، لكنه خلال هذين العامين قد يُسفر عن مشهده الختامي للمرحلة، ومن الضرورة بمكان أن تحتفظ الحركة بأبي الوليد، في موقعه القيادي لهذين العامين مع قرب إسماعيل هنية.

2- الطرف الإقليمي الراغب في مواجهة أبو مازن، والمصّر على دعم محمد دحلان مستمر، وهنا مأزق متصاعد لحركة فتح، خاصة في ظل الدعم المالي الهائل، ولذلك فالتهدئة مع فتح، والوصول إلى قواسم تعايش مشتركة هو المهم اليوم، لأن المعركة الإقليمية الكُبرى لها تأثيراتها على الداخل الفلسطيني.

3- التوجه الشامل والمتدفق نحو تل أبيب عربيا وإقليميا، يخلق لصالح إسرائيل أجواء جديدة، ما بين الحصار السياسي والحدودي، والحرب الثأرية، لفشلها في إخضاع غزة، وقتل مشروع دحرجة المقاومة (أي التقدم بنية الإعداد والجاهزية) على مدى زمني طويل مع الكيان الصهيوني.

4- حراك فلسطينيي 1948 وتضحياتهم السابقة في انتفاضة الخناجر، تؤكد على ضرورة إعادة ضخ مفاهيم المقاومة السياسية والإعلامية، والبعد الاجتماعي المدني بهم، ومع المهجر الفلسطيني الكبير، فمثل هذا المشروع يحتاج إلى بنية تحتية، تمارسها حماس بانفتاح وتجديد.

5- لا تُغفل قضية الروح العدائية لفلسطين، التي صنعها نظام الرئيس السيسي في مصر، وتضييقها الخانق وإسنادها السياسي والأمني للعمليات الإسرائيلية، وكيف أصبح إعلانها، جزء من خطاب الدبلوماسية المصرية، وتقدير ذلك مهم جدا، إضافة إلى أن الوعي بهذه الحقيقة لا يُلغي تعقد هذه المعادلة بين الشريكين، وغياب القدرة اللوجستية حاليا، على الحرب المقترحة ضد غزة من المحورين الإسرائيلي والمصري.

6- ومع ضرورات جهوزية المقاومة، إلا أنه ليس من الصالح أبدا دفع الشريكين لهذه الحرب القذرة.
7- إن المرحلة السياسية لقيادة حماس، تحتاج للتركيز على تصعيد الاستثمار للاتفاق التركي مع تل أبيب، ودعم فكرة الممر المائي الدولي للإغاثة والتنمية والانتقال الإنساني لغزة، والذي يتزامن مع مواصلة دعم قدرات المقاومة السياسية والعسكرية.

كل ذلك يحتاج إلى طرح ملف حساس جدا لا يجوز تأخيره، وهو أين تقف ثقافة الفكر السياسي والنضال المدني، والبنية التحتية، بين الشعب وأطيافه وحماس، ومساحة حقوق الإنسان الداخلية للشعب الفلسطيني، وقدرات رفع الوعي الفكري والمدني لمناضلي حماس، وعلاقتهم بكل طيف فلسطيني مستقل أو صاحب تيار.

هذه القضية يجب أن تُشكّل هاجسا لدى حماس لإنجاز مشروع تثقيف نوعي، يفكر بعمق في دلالات إسقاط الفكر الإسلامي الوسطي، ومبادئ الوعي فيه، قبل أن يتأثر من مدارس غلو من بعض جهات الخليج العربي، أو من تجارب السلفية الجهادية، والتفكر في وسائط إسقاط الميدان السوري وتشظيه، والتي خدمت كل المحاور المعادية.

كما يفكر أيضا في أين تقف حماس من تأثيرات فكر الصحوة الخليجي في أفرادها بعد تنحية الفكر الإسلامي الوسطي في الوطن العربي، وما هي تأثيرات ذلك على أفرادها ووعيهم وانضباطهم السياسي، وعمق تفهمهم لقرارات المكتب السياسي وضروراتها.

لقد نجحت حماس بالفعل في تقديم توازنات صعبة، وانضباطية عالية في أفرادها خاصة في التعامل مع الدعم الخليجي الشعبي، المتضامن والمحب والوفي، وسيطرت على ضبط التمويل، لكن لا بد من إعادة تقييم وتثقيف الحراك الشبابي بمسارات الوعي السياسي وفهم مدارس الفكر في الأمة، قبل أن يتضح أن ضغط المرحلة قد يفتح مواقع هشة في وعي فقه الشريعة، أو السلوك الفكري الإنساني المنضبط بأخلاقيات الإسلام، وفهم تعدد أمزجة وتيارات الشعب الفلسطيني، المتحدة رغم ذلك على التحرير.

إن قرار الشيخ أحمد ياسين قبل انتفاضة ديسمبر 1987، ودعوته للحركة للتصويت على مشروعه والانفصال عن جسم الإخوان المسلمين مع بقاء هوية الفكرة والتضامن الأممي والحركي، دون تدخل في البناء التنظيمي وتوجيهه، حققت مدخلا كبيرا لنجاح حماس، لكنّها اليوم بحاجة إلى مراجعات وصناعة فكرية، للوعي النضالي الفردي والجماعي، ودفع مساراتها للرأي العام، والاستفادة من تجارب الفشل والنجاح، في المسارات الفكرية والسياسية للحركة الإسلامية المعاصرة.

وهي فترة انتقالية مهمة جدا، بقاء أبو الوليد فيها في قيادة الحركة، يساعد على تحقيقها على الأرض السياسية ووعي القوة البشرية لحركة حماس، خاصة أن عمر السنتين لا يمثل شيئا أمام ما يتولد من مدافعة أو تقدم في مشروع الشرق الأوسط الكبير المجدد، والتوقيع الروسي الأميركي المشترك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.