حماس والانتخابات المحلية.. القرار والتحديات

حماس تفوز بانتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت

مخاطر سياسية ومجتمعية
تحديات إجرائية
نقاشات داخلية

كانت السلطة الفلسطينية، ودون اتفاق مع حركة حماس، قد أعلنت عزمها إجراء انتخابات محلية في 416 مجلسا بلديا وقرويا في الضفة الغربية وغزة في الثامن من أكتوبر/تشرين أول القادم من هذا العام، وما لبثت أن كشفت حركة حماس عن نيتها المشاركة في هذه الانتخابات، وتعاونها الكامل مع لجنة الانتخابات المركزية، وتسهيل عملها في قطاع غزة.

مخاطر سياسية ومجتمعية
وإن كانت الانتخابات المحلية لا تنفك عادة عن النشاط السياسي، فإنها في فلسطين أكثر تسييسا، نظرا للمنافسة المحتدمة ما بين حركتي حماس وفتح، وهذا غالبا ما يَسِم الانتخابات الفلسطينية ذات الطابع النقابي أو الخدمي، كالانتخابات المحلية التي أُجريت قبل أكثر من عشر سنوات، وانتخابات مجالس طلبة الجامعات، بيد أن هذه الانتخابات تتميز بأهمية خاصة، تمنحها قدرا من الخطورة، من جهات عدة.

فقد مضى على آخر مرحلة من آخر انتخابات محلية فعلية وجدية أكثر من عشر سنوات، فبعدما اكتسحت حماس البلديات الكبرى في تلك الانتخابات، امتنعت السلطة عن استكمال مراحل تلك الجولة، ثم كانت الانتخابات التشريعية قبل أكثر من عشر سنوات أيضا آخر انتخابات تمثيلية شاملة، وقد فازت فيها حماس، كما هو معروف.

يتأسس المشهد الفلسطيني الحالي، على كل من انتفاضة الأقصى، التي عززت من حضور حماس حركة للمقاومة في فلسطين، ثم على الانتخابات التشريعية الماضية التي كرست هذا الحضور، وهو الأمر الذي انتهى بالانقسام، الذي لم يعطل المجلس التشريعي والحكومة المنبثقة عنه فحسب، ولكنه انتهى بحل المجالس البلدية التي فازت فيها حماس في الضفة الغربية، وملاحقة المرشحين على قوائم حماس حتى اليوم!

وعلى هذا، فإن هذه الانتخابات لو قُدر لها وأجريت فعلا، فإنها ستكون الانتخابات التمثيلية الشاملة الوحيدة في ظل انسداد سياسي، وفراغ للساحة الفلسطينية من الشرعية السياسية التمثيلية، مما يعني إمكانية البناء عليها من طرف الاحتلال، لتجاوز الممثل السياسي للفلسطينيين، والتعامل مع ممثلين محليين، في حال مضى الاحتلال في بعض مخططاته المطروحة الآن للنقاش.

تجاوز الاحتلال للممثل السياسي للفلسطينيين في الضفة الغربية، احتمال يظل قائما، رغم استبعاده في المدى القريب، ولكن إمكانية استغلال الانتخابات المحلية في غزة لسحب الشرعية من حركة حماس هو الاحتمال الأرجح، بحسب شكل ونتائج الانتخابات.

ولذلك فإن إجراء الانتخابات المحلية منفردة عن بقية الاستحقاقات الانتخابية الأخرى، وفي ظل الانقسام لم يكن بريئا أبدا، ولا سيما مع الحالة الكفاحية التي ما تزال تعيد إنتاج نفسها في الضفة الغربية، بأشكال متعددة من المقاومة، ومن ثم فإن هذه الانتخابات، تنطوي على مخاطر مجتمعية، بخلق الانقسامات وإشغال الناس بها عن مواجهة الاحتلال.

تحديات إجرائية
لا تقتصر مخاطر هذه الانتخابات على البعدين السياسي والاجتماعي، ولكن ثمة تحديات إجرائية هائلة تعترض حركة حماس تحديدا، وهي التي لا تتمتع أبدا بأي قدر من تكافؤ الفرص مع حركة فتح، ولا يمكن أن تركن إلى أي ضمانات موعودة حول سلامة العملية الانتخابية، أو أمن كوادرها ومرشحيها، أو عمل المجالس التي تفوز بها.

وظروف الحركة اليوم تختلف عن ظروفها حينما شاركت في كل من الانتخابات المحلية والتشريعية قبل أكثر من عشر سنوات، فبالرغم من أن الحركة محظورة من طرف الاحتلال، والاحتلال يلاحق بالاعتقال من ينتمي إليها أو يناصرها أو يقدم الخدمات لها، وهي ظروف لا تتعرض لها حركة فتح، فإنها الآن تعاني من صعوبات مستجدة فوق ذلك.

لقد استنزفت السنوات العشر الماضية كوادر الحركة التي حُرمت من القدرة على تجديد كوادرها وبناها التنظيمية بشكل يؤهلها لاستيعاب عمليات الاستنزاف المستمرة، وتركت عمليات الاستئصال التي مارستها السلطة بحق عناصرها، من بعد الانقسام، واتسمت بالترويع والبطش، آثارا عميقة لم تشفَ منها الحركة حتى الآن.

وظلت ذاكرة العناصر والكوادر مشحونة، بالمشاعر المُنهكة، والأوقات العصيبة، التي ترتبت على فوز الحركة في الانتخابات المحلية والتشريعية الماضية، فقد تحول القائمون على دعاية الحركة الانتخابية، والمرشحون على قوائمها، إلى ملفات مفتوحة لدى الاحتلال والسلطة، ويتعرضون لأشكال مختلفة من التضييق والملاحقة حتى اليوم.

وذلك في وقت، تعجز فيه حركتهم، بسبب ظروفها التي سبق الحديث عن جانب منها، عن معالجة الحد الأدنى من الضرر الناجم عن دفع عناصرها لخوض نشاط من هذا النوع، تترتب عليه تلك التكاليف الباهظة على المستوى الشخصي والأُسري، إذ الحديث لا يجري عن مقاومة مسلحة للاحتلال، معروفة كلفتها سلفا، ولكنه نشاط مجتمعي وخدمي.

وفوق ذلك، فإن وقع التجربة ما زال حيا، إذ جرى التضييق على المجالس التي فازت بها الحركة، وإفشالها، إن باعتقال وملاحقة أعضائها، أو بمنع التمويل والخدمات عنها، وقد ساهم في ذلك الممولون والمانحون الأجانب، مثل الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) التي صارت تشترط على المجالس المحلية التوقيع على إقرار بنبذ المقاومة، أي "الإرهاب" بتعريفها، وفي النهاية حُلت تلك المجالس، وشكلت أخرى، محسوبة على فتح، مكانها.

إن هذه الظروف كلها جديدة، ولم تكن قائمة قبل عشر سنوات، حينما لم تكن لدى عناصر حماس تجربة سابقة بهذا النوع من الانتخابات، كما أن تلك الانتخابات الماضية قد جرت في ظل تفاهمات معقولة مع السلطة، عززتها التهدئة التي أبرمت مع الاحتلال عقب انتفاضة الأقصى.

نقاشات داخلية
لم تتعرض حماس في بيانها -الذي رحبت فيه بإجراء الانتخابات المحلية- للمخاطر السياسية والمجتمعية، والتحديات الإجرائية التي تعترض مشاركة الحركة في الانتخابات، سوى إشارتها إلى بقية الانتخابات المُعطلة، المجلس الوطني والرئاسية والتشريعية، كما لم تتعرض إلى شكل مشاركتها، إن كان بصورة مباشرة أو عبر دعم قوائم ائتلافية أو مستقلة.

وهو أمر دل على استمرار النقاشات الداخلية في الحركة، وربما على تباين في الموقف الداخلي من الانتخابات، إذ وللمفارقة، فإن حماس في غزة التي تتمتع بحرية وقدرة أكبر على الحركة، كانت أكثر تحفظا إزاءها، من حماس في الضفة الغربية، ربما لإدراك قيادة غزة للبعد السياسي لهذه الانتخابات، ولإمكانية استغلال ظروف الحصار ضدها في غزة.

كما دل هذا البيان على إدراك الحركة للصعوبات التي سوف تواجهها حتما في الضفة الغربية، فتركت المجال لمزيد من النقاش لإنضاج أشكال المشاركة الممكنة، ويبدو أنها اتجهت في البداية لترك القرار المناسب لكل موقع بحسب ظروفه.

ولكن آخر ما صدر عن بعض قيادات الحركة، مثل محمود الزهار وموسى أبو مرزوق، يشير إلى توجيه الحركة لكتلتها التصويتية لدعم قوائم مهنية بعيدا عن الاعتبارات الحزبية، ما يعني أن الحركة قد لا تشكل قوائم صريحة الانتساب إليها، يصعب عليها إدارتها في ظل الظروف الأمنية المذكورة، وتحملها تبعات سياسية، سواء بخسارتها أو بفوزها.

وفي حال استقرت الحركة على هذه الصيغة، فإنها بذلك تجمع بين رؤيتي غزة والضفة، وبين الرؤية التي تريد إثبات عدم خشية الحركة من الانتخابات، بالإضافة إلى الرؤية التي تعتقد بإمكانية الاستفادة من الانتخابات للعودة إلى المجال العام الذي أزيحت عنه بالقوة الأمنية، ولاستنهاض وتحفيز وتجميع كوادر الحركة، وبأثمان أقل من تلك التي ستدفعها في حال شاركت بصورة صريحة.

المهم ألا يكون القرار مؤسسا على الثقة بتراجع السلطة وحركة فتح عن إجراء الانتخابات، فالقرارات التي من هذا النوع لا تؤخذ مقامرة، ومع ذلك فلدى فتح مشاكلها ومخاوفها العميقة أيضا، والمختلفة عن مشاكل ومخاوف حماس، وهو أمر يجعل من إلغاء الانتخابات احتمالا قائما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.