التكامل الأوروبي مع أو بدون بريطانيا

A Union Jack flag flutters next to European Union flags ahead a visits of the British Prime Minister David Cameron at the European Commission in Brussels, Belgium, 29 January 2016. Cameron arived in Brussels for unscheduled talks on a Brexit referendum.

عندما اتفق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع الاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط على الشروط المعدلة لعضوية المملكة المتحدة، أصَّر على ضرورة الاعتراف بالاتحاد الأوروبي رسميا على اعتباره "اتحادا متعدد العملات".

وفي ظل حدود واضحة للتكامل الأوروبي، في ما يتصل بالعملة وغيرها من القضايا، تصور كاميرون أنه قد يتمكن من الفوز بأغلبية شعبية لصالح الاتفاق -وبالتالي البقاء في الاتحاد الأوروبي- عندما تعقد المملكة المتحدة استفتاءها في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران؛ ولكن بدلا من توفير مثل هذا القدر من الوضوح، يستخدم الاتفاق لغة ملتوية لتجنب مثل هذا الإعلان الرسمي، والتفسيرات التي قد تصاحبه.

من المؤكد أن قرار فبراير أعطى كاميرون ما يكفي لتمكينه من شن حملة ضد خروج بريطانيا؛ فمن خلال نص محدد يؤكد عدم إلزام المملكة المتحدة والدنمارك بتبني اليورو، يؤكد نظراء كاميرون بشكل فعلي على وضع الاتحاد الأوروبي كاتحاد متعدد العملات.

 

لكن القرار يؤكد أيضا على هدف إنشاء الاتحاد الأوروبي "الذي يستخدم عملة اليورو"، كما يعيد التأكيد على بنود المعاهدة التي تنص على أن الدول الأخرى من خارج منطقة اليورو، مثل بلغاريا وبولندا، لابد أن تتبنى اليورو عندما تستوفي الشروط المحددة سلفا (لم تختر السويد الخروج الدائم، ولا تستوفي شروط تبني اليورو، ولكنها تمكنت بطريقة أو بأخرى من تجنب الانضمام إلى الاتحاد النقدي).

الواقع أن هذا الغموض متولد من عدم الرغبة -أو عدم القدرة- على تقديم وصف واضح لكيفية عمل الاتحاد المتعدد العملات في الأمد البعيد، وهي مسألة صعبة ولابد من الإجابة عليها، بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء. فإذا اختار البريطانيون ترك الاتحاد الأوروبي، فسوف تنشأ مشكلة مماثلة في أي مفاوضات تالية لخروج بريطانيا لإبقاء المملكة المتحدة في السوق المشتركة.

الآن، هناك إجماع عام على أن منطقة اليورو سوف تحتاج بمرور الوقت إلى بناء نظام لإدارة اقتصاد أكثر تكاملا. والواقع أن أغلب خبراء الاقتصاد يتفقون على أن أي اتحاد نقدي يحتاج ليس فقط إلى اتحاد مصرفي، وهو ما يجري إنشاؤه الآن في منطقة اليورو، بل وأيضا إلى قدر أعظم من تنسيق السياسة المالية، للتعويض عن الافتقار إلى السياسات النقدية المستقلة وأسعار الصرف المرنة.

ويدعم الساسة أيضا التحول نحو قدر أكبر من التكامل المالي، على الأقل أولئك الذين يمثلون التيار المعتدل. فقد دعا وزير المالية الألماني المحافِظ فولفجانج شويبله، ووزير الاقتصادي الفرنسي من يسار الوسط إيمانويل ماكرون، ووزير المالية الإيطالي من تيار الوسط بيير كارلو بادوان، إلى إنشاء نُسَخ من وزير مالية مشترك لمنطقة اليورو.

يكمن الخلاف في الهيئة التي ينبغي للتكامل أن يتخذها؛ فألمانيا تعتبر التنسيق المالي عنصرا بالغ الأهمية لتعزيز قواعد سلوكية صارمة، في حين ترغب فرنسا وإيطاليا في ضم المزيد من الآليات لإدارة المخاطر المشتركة، مثل سندات اليورو أو تقاسم تكاليف التأمين ضد البطالة.

من الواضح أن هناك حاجة إلى إيجاد التوازن؛ فإرضاء ألمانيا يتطلب فرض قواعد مالية أكثر قوة كأساس لقدر أعظم من التكامل. ولكن مثل هذه القواعد تستلزم المزيد من تدابير مكافحة التقلبات الدورية، والمزيد من التماثل، وإرغام دول الفائض والعجز على حد سواء على الحد من اختلالات التوازن.

وعلاوة على ذلك، لابد أن يوفر هذا الإطار الدعم لتقاسم المخاطر على نحو أكثر فعالية وميزانية محددة لمنطقة اليورو، كما تطالب الدول الأعضاء الجنوبية. وسوف تنشأ الحاجة أيضا إلى إدخال تغييرات مؤسسية وقانونية، بما في ذلك إنشاء شكل ما من أشكال البرلمان والخزانة لمنطقة اليورو، من أجل توفير الشرعية لهذا المسعى.

يشكل تحقيق كل هذه الغايات ضرورة أساسية لتمكين الاتحاد الأوروبي من العمل كاتحاد فعّال متعدد العملات. ومن المؤكد أن كاميرون، مثله في ذلك مثل سلفه غوردون براون، الذي كان حاضرا أثناء إنشاء اليورو ولكنه أبقى المملكة المتحدة خارج منطقة اليورو، يدرك الحاجة إلى المزيد من التكامل في منطقة اليورو، ولو لم يكن ذلك إلا لأن المملكة المتحدة لديها مصلحة في تحسن الأداء الاقتصادي في السوق الأكثر أهمية لصادراتها. ولكن المشاركة الفعّالة مع منطقة اليورو الأعمق تكاملا، من دون الانضمام إليها، لن يكون بالمهمة السهلة.

إن تحقيق النجاح يتطلب ملاحقة المملكة المتحدة لهدفين أساسيين. فأولا، يتعين عليها أن تعمل على إقامة تعاون أقوى مع الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا رئيسية أخرى، مثل الأمن والشؤون الخارجية وسياسة المناخ. وثانيا، يتعين عليها أن تضمن عدم اكتساب منطقة اليورو المتزايدة التكامل السلطة الكافية لاتخاذ قرارات مالية وتنظيمية من جانب واحد والتي ربما تخلف عواقب كبيرة على المملكة المتحدة من خلال إعادة تشكيل السوق المشتركة أو القطاع المالي. ومن جانبها، يتعين على منطقة اليورو أن تضع المصالح البريطانية في الاعتبار في عملية التكامل، من دون السماح للملكة المتحدة بإبطاء هذه العملية.

في حين لم تكن القضايا المتعلقة بتكامل منطقة اليورو والاتحاد المتعدد العملات ذات أهمية مركزية في مناقشة خروج بريطانيا التي مالت إلى التركيز على الهجرة؛ فإن هذه القضايا تظل تشكل أهمية بالغة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، في وجود أو غياب المملكة المتحدة.

ورغم أن استمرار بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي لا تتعارض جوهريا مع المزيد من التكامل في منطقة اليورو، فإن إنشاء المؤسسات القادرة على دعم اتحاد دائم متعدد العملات لن يكون بالمهمة السهلة على الإطلاق من الناحيتين السياسية والقانونية.

لم يشكل الاتفاق المعلن في فبراير/شباط سابقة قوية للتغلب على هذه التحديات، مع فشله في وضع رؤية واضحة إلى الأمام. وإذا كان لأوروبا أن تحقق تقدما حقيقيا نحو المزيد من الاستقرار والازدهار، فلابد أن تضمن أولا شفافية وشرعية كل خطوة على الطريق. ولن يتسنى للاتحاد الأوروبي أن يعود إلى سابق عهده من الازدهار، إلا من خلال رؤية سياسية واضحة ومؤسسات قادرة على توجيه السياسة خلال الأزمات وفي الأوقات العادية على حد سواء.

وإذا بقيت المملكة المتحدة، فيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعكف على وجه السرعة على وضع تصور للكيفية التي قد يعمل بها الاتحاد الشرعي المتعدد العملات، بدلا من العودة إلى العمل المعتاد. وإذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي فسوف تظل ضرورة حل نفس المشاكل الأساسية قائمة، ولكن في ظل فارق واحد يتمثل في خسارة المملكة المتحدة لأي قدر من النفوذ في هذه العملية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.