مخاطر فشل الصين ونجاحها

Vehicles are seen on a street lined up by high buildings in the financial district of Hong Kong on July 27, 2015. Hong Kong stocks closed 3.09 percent lower following a sharp drop in share prices in mainland China on growing concerns about a slowdown in the world's second-largest economy. AFP PHOTO / Philippe Lopez

بينما يجتمع زعماء المال على مستوى العالم في واشنطن العاصمة في إطار اجتماع الربيع السنوي لصندوق النقد الدولي، فإن آمالهم ومخاوفهم تتمحور حول الصين.

ففي نهاية المطاف، تُعد الصين الدولة الوحيدة التي ربما تكون قادرة على تنشيط تعافي الاقتصاد العالمي المتوقف؛ ومع هذا يستند نموها الاقتصادي على أساس يُظهر على نحو متزايد علامات الإجهاد، والمعضلة هي أن فشل الصين أو نجاحها يحمل مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي.

وسوف يكون سيناريو الفشل فريدا من نوعه في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ فبسبب ضخامة اقتصاد الصين، سوف يتردد صدى العواقب في مختلف أنحاء العالم، ولكن على النقيض مما حدث في عام 2008، عندما ارتفعت قيمة الدولار الأميركي على النحو الذي سمح للأسواق الناشئة باستعادة قوتها ونشاطها بسرعة، فمن المرجح أن تنخفض قيمة الرنمينبي إذا شهد اقتصاد الصين تراجعا كبيرا إلى الحد الذي يدفع الانكماش إلى الانتشار في كل مكان.

تُعد الصين الدولة الوحيدة التي ربما تكون قادرة على تنشيط تعافي الاقتصاد العالمي المتوقف؛ ومع هذا يستند نموها الاقتصادي على أساس يُظهر على نحو متزايد علامات الإجهاد، والمعضلة هي أن فشل الصين أو نجاحها يحمل مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي

وقد تنخفض قيمة عملات أخرى أيضا، وبعضها نتيجة لسياسة متعمدة، ونتيجة لهذا فإن سيناريو فشل الصين ربما يشبه أحداث ثلاثينيات القرن العشرين التي اتسمت بخفض قيمة العملات بشكل تنافسي وتراجع النشاط الاقتصادي الحقيقي بشكل حاد.

ولكن ماذا لو نجحت الصين في تحولها الحالي إلى نموذج اقتصادي قائم على الاستهلاك؟ عندما بلغ فائض الحساب الجاري في الصين 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007، كان الادخار يتجاوز 50% من الناتج المحلي الإجمالي وكان الاستثمار يتجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد بدت هذه الأرقام أعلى كثيرا من أن تكون فعّالة ديناميكيا أو معززة للرفاهة الاجتماعية.

ونتيجة لهذا، سرعان ما نشأ الإجماع على ضرورة خفض معدلات الادخار والاستثمار ووضعها على مسار توازن أفضل، وكبح جماح الاستثمار من خلال فرض المزيد من الانضباط المالي على المؤسسات العامة المتمردة، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي حتى لا تضطر الأسر إلى الإفراط في الادخار لتغطية تكاليف إنجاب الأطفال والتقدم في السن.

ولكن كيف تبدو الصورة الآن بعد مرور عشر سنوات؟ أقامت الحكومة شبكات الأمان بالفعل، وتراجع فائض الحساب الجاري، كما كان مرجوا تماما. ففي العام الماضي، كان الفائض يعادل أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بمستواها في عام 2007.

ولكن هذا لا يثبت النظرية؛ ذلك أن نحو نصف الانخفاض في فائض الحساب الجاري يرجع في واقع الأمر إلى زيادة الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن ناحية أخرى، حدث بعض الانحدار في معدل الادخار الوطني، ربما بنحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بعام 2007 (وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، مع انتهاء البيانات الرسمية في عام 2013). ولكن هذا الانخفاض متواضع للغاية بالمقارنة بالزيادة التي بلغت 15 نقطة مئوية خلال الفترة 2000-2007.

والأمر الأكثر إدهاشا أن كل هذا الانخفاض المتواضع في الادخار يبدو وكأنه آت من قطاع الشركات؛ إذ يظل ادخار الأسر على نفس الحال التي كان عليها في عام 2007، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. بعبارة أخرى، لم يتمكن ما صعد خلال فترة الرواج من العودة إلى الانخفاض بعد ذلك. وهو لغز محير حقا، وحل هذا اللغز أمر بالغ الأهمية ليس فقط لمستقبل الصين، بل وأيضا لمستقبل العالم.

في حين قد يتسبب الهبوط الاقتصادي الحاد للصين في حفز الانكماش العالمي، فإن تجنب هذه النتيجة قد يعني عودة اختلالات التوازن العالمية، وهي احتمالات صارخة يتعين على الزعماء أن يتدبروا فيها عندما يجتمعون في أجواء صندوق النقد الدولي الكئيبة في واشنطن

هناك احتمالان كبيران؛ فربما تكون النظرية صحيحة في الأساس، ولكنها تحتاج إلى المزيد من الوقت لتحقيق نتائج ملموسة. في هذه الحالة، وما دام حكام الصين مستمرين في تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، فإن انخفاض المدخرات ربما يضاهي الانحدار المتوخى في الاستثمار، وهو ما من شأنه أن يُبقي على فائض الحساب الجاري عند مستوى منخفض.

ولكن ماذا يحدث لو كانت النظرية خاطئة، أو غير مكتملة؟ على سبيل المثال، ربما كانت التأثيرات المفيدة التي تخلفها شبكات الأمان على الادخار موضع مبالغة. أو ربما يقابل هذه التأثيرات تأثيرات أخرى سلبية ناجمة عن الشيخوخة السكانية. ففي غضون السنوات الخمس عشرة المقبلة، سوف يزداد عدد سكان الصين في سن الستين وما فوق بنحو الثلثين. وربما يدخر العمال المسنون الآن قدر إمكانهم، حتى يتسنى لهم بناء وسادة مالية للتقاعد الوشيك.

إذا تحققت نسخة ما من هذا السيناريو، فربما يستمر معدل ادخار الأسر في الانخفاض ولكن تدريجيا. وفي غضون ذلك، تبدأ الحكومة في إغلاق المصانع غير المربحة، وهو ما قد يعزز ادخار الشركات. ونتيجة لهذا، قد يظل معدل الادخار الإجمالي مرتفعا، حتى برغم الانخفاض الحاد في الاستثمار، وهذا كفيل بدفع فائض الحساب الجاري إلى الارتفاع مرة أخرى.

لن يكون هذا احتمالا سارا للاقتصاد العالمي؛ فمع تباطؤ الصين، يتباطأ أيضا النمو العالمي، ويُعاد توزيع الطلب المتبقي نحو الصين، فيتفاقم العجز الشديد بالفعل في بلدان أخرى. وسوف يختلف هذا تماما عن النوبات السابقة من اختلالات التوازن العالمي عندما كان من الممكن التعويض عن فوائض الحساب الجاري الصينية الكبيرة إلى حد ما على الأقل عن طريق النمو الصيني السريع.

باختصار، في حين قد يتسبب الهبوط الاقتصادي الحاد للصين في حفز الانكماش العالمي، فإن تجنب هذه النتيجة قد يعني عودة اختلالات التوازن العالمية، وهي احتمالات صارخة يتعين على الزعماء أن يتدبروا فيها عندما يجتمعون في أجواء صندوق النقد الدولي الكئيبة في واشنطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.