سوريا وجبل جليد اللاجئين
لو كانت قضية اللاجئين في سوريا هي أزمة اللجوء الوحيدة في عالم اليوم لكانت قضية خطيرة ومفجعة بما فيه الكفاية، ولكن الحقيقة المأساوية هي أن الأزمة السورية هي قمة جبل جليد ضخم للغاية ويتوسع باستمرار.
الواقع أن هناك العديد من قضايا اللاجئين الأخرى حول العالم التي لا تصل لعناوين الصحف العالمية، كما توجد نسبة كبيرة من لاجئي العالم (86%) يعيشون في الدول النامية ومعظمهم يحظون باهتمام إعلامي محدود.
معظم اللاجئين بغض النظر عن مكانهم يواجهون تقريبا نفس المآسي المتمثلة في الجوع والجفاف وعدم وجود مأوى لائق والتعرض للأمراض، بالإضافة إلى كونهم عرضة لتحديات مستمرة من المتقاتلين والمجموعات الإرهابية |
إن تشاد هي واحدة من تلك البلدان، حيث يصل عدد سكانها حوالي 13 مليون نسمة وتقع في قلب حالة من الصراع وانعدام الاستقرار والاضطرابات الضخمة على المستوى الإقليمي، وكنتيجة لذلك فهي تستضيف أكثر من 372 ألف لاجئ فروا من العنف في منطقة دارفور السودانية شرق تشاد، ومن حرب أهلية مدمرة في جمهورية أفريقيا الوسطى جنوبها، بالإضافة إلى الإرهاب المتصاعد لبوكو حرام في نيجيريا والدول المجاورة في غرب البلاد.
إن تشاد وهي واحدة من أفقر بلدان العالم تصارع من أجل تلبية الاحتياجات البشرية الأساسية لشعبها، ناهيك عن العديد من الناس المحطمين القادمين من خارج حدودها، والذي يزيد الأمر سوءا هو أن تشاد تقع في منطقة الساحل التي عانت من مجاعة حادة خلال السنوات القليلة الماضية، كما أن انخفاض أسعار النفط قد أثر على التوقعات الاقتصادية الإقليمية.
إن معظم اللاجئين بغض النظر عن مكانهم يواجهون تقريبا نفس المآسي المتمثلة في الجوع والجفاف وعدم وجود مأوى لائق والتعرض للأمراض، بالإضافة إلى كونهم عرضة لتحديات مستمرة من المتقاتلين والمجموعات الإرهابية، كما يعاني اللاجئون من الصدمة العاطفية بسبب ما خسروه والشعور بالقلق مما ينتظرهم بالمستقبل.
وأخيرا، هناك خطر آخر يتمثل في عدم تلقى أطفال اللاجئين التعليم الذي يحتاجونه ويستحقونه طبقا لوعود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي واقع الأمر فإن الصراعات والأزمات تعتبر واحدة من أكبر العوائق المتصاعدة لتعليم أطفال العالم.
لقد عطلت حالات الطوارئ الإنسانية والأزمات التي طال أمدها تعليم أكثر من 80 مليون طفل وشاب في 35 بلدا سنة 2015 وهذا العدد هو تقريبا نفس عدد سكان بلد مثل ألمانيا. إن الفشل في توفير الخدمات الأساسية لهؤلاء الأطفال يحرمهم ليس فقط من طفولتهم ولكن أيضا من مستقبلهم.
سوف يحتاج حوالي أربعة ملايين شخص في تشاد -أو حوالي ثلث سكان ذلك البلد- إلى المساعدة الإنسانية سنة 2016، وفي منطقة بحيرة تشاد والتي تستضيف الموجة الأخيرة من القادمين فإن أكثر من 60% من الأطفال هم خارج المدرسة. إن معدل عدد طلاب الصف الواحد في المدارس الابتدائية يصل إلى 75 طالبا، كما إن نسبة الأمية عند البالغين تصل إلى 96%، وهي إحصائيات صادمة يجب أن لا يقبلها أي بلد.
ولهذا السبب قامت مؤسسة الشراكة العالمية للتعليم مؤخرا بالاستجابة لطلب تشاد للحصول على منحة تعليمية طارئة وسريعة تصل حوالي 7 مليون دولار أميركي لصالح الأطفال اللاجئين والمحليين حيث سوف يتم استخدام الأموال في بناء الغرف الصفية وتدريب مئات المعلمين وتوفير آلاف الكتب المدرسية وغيرها من اللوازم، كما ستمول المنحة توفير العناصر الغذائية الأساسية وعلاج الطفيليات لجميع الطلاب والطعام والمياه والنظافة والرعاية البشرية اللازمة لتنمية الأطفال وخاصة في أوقات الشدة.
لقد عطلت حالات الطوارئ الإنسانية والأزمات التي طال أمدها تعليم أكثر من 80 مليون طفل وشاب في 35 بلد سنة 2015، وهذا العدد هو تقريبا نفس عدد سكان بلد مثل ألمانيا. إن الفشل في توفير الخدمات الأساسية لهؤلاء الأطفال يحرمهم ليس فقط من طفولتهم ولكن أيضا من مستقبلهم |
إن الاستجابة الإنسانية للحالات الطارئة عادة لا يعطي الأولوية، مما يعني موارد أقل للتعليم مقارنة بالصحة الأساسية والمأوى والتغذية، وفي واقع الأمر فإن 2% فقط من المساعدات الإنسانية تذهب للتعليم.
إن ما يحتاجه العالم هو برنامج متخصص وآلية تمويل لحشد موارد جديدة من أجل تأمين التعليم للأطفال الذين يجدون أنفسهم في خضم صراعات شديدة وأزمات لا تنتهي، ونحن في مؤسسة الشراكة العالمية للتعليم ندرك أنه على ضوء مستويات الموارد الحالية فإن قدرتنا على العمل ستكون محدودة مما يعني أننا بحاجة لأشكال جديدة من التنسيق.
على هذه الخلفية فإن من الأمور المشجعة تضافر جهود قادة العالم في العام الماضي من أجل تأسيس مثل هذا البرنامج والذي يتوقع أن يتم إطلاقه في مايو/أيار خلال القمة الإنسانية العالمية في تركيا. لقد كان من دواعي سروري أن العب دورا في مجموعة الأبطال الداعمين والتي كانت تضغط من أجل تحقيق أجندة التغيير.
لقد لعب غوردن براون ممثل الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي دورا قياديا محفزا وهو يستمر في لعب هذا الدور.
إن الصراع والضعف ليسا فقط في سوريا، ولكن أيضا في العديد من أماكن البؤس الشامل الأقل شهرة، وتلك إحدى أكثر التحديات إلحاحا وصعوبة في عصرنا الحالي. إن أملنا الوحيد في الخروج من حلقة العنف والفقر هذه يتمثل في التحقق من أن كل طفل بما في ذلك أولئك العالقين في الأزمات يتلقون تعليما مدرسيا جيدا مع القدرة على بناء مستقبل أفضل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.