لماذا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير وطني؟

British Prime Minister David Cameron jumps up on stage as he prepares to address the media after a European Union leaders' summit in Brussels, Belgium, February 19, 2016. Cameron said on Friday he would campaign with all his "heart and soul" for Britain to stay in the European Union after he won a deal about the so-called Brexit, in Brussels which offered his country "special status". REUTERS/Dylan Martinez


الولايات المتحدة والصين وربما الاتحاد الأوروبي إذا بقيت فيه بريطانيا ستقود عالم الغد، "في الواقع، فإن الحفاظ على عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي هو السبيل الوحيد لتأمين "مستقبل جدير بماضيها". جاء هذا الشعور مباشرة في خطاب فرنسي قديم حول السعي لتحقيق العظمة من خلال التكامل الأوروبي. وجاء هذا الكلام أيضا على لسان رئيس وزراء البريطاني السابق غوردون براون.

من المستحيل التنبؤ حاليا بنتيجة استفتاء المملكة المتحدة المقبل حول عضوية الاتحاد الأوروبي، والذي سيعقد في 23 يونيو/حزيران. وإذا كانت استطلاعات الرأي تشير إلى انقسام الناخبين بشدة، فمن الأهمية بمكان أن يقوم أعضاء حزب العمال -وليس فقط شركات حي المال والأعمال بلندن– بحملة نشطة لاستمرار عضوية الاتحاد الأوروبي.

وتحمل تجربة استفتاء اسكتلندا حول الاستقلال في 2014 دروسا مهمة للحملة. ففي الاستفتاء الأسكتلندي، كان مفتاح تأمين النصر للمعسكر المؤيد لبريطانيا مزيجا من التحذيرات السلبية والحجج الإيجابية.

تحمل تجربة استفتاء اسكتلندا حول الاستقلال في 2014 دروسا مهمة للحملة. ففي الاستفتاء الأسكتلندي، كان مفتاح تأمين النصر للمعسكر المؤيد لبريطانيا مزيجا من التحذيرات السلبية والحجج الإيجابية

وبعبارة أخرى، يرتكز الخوف على مخاطر ذات مصداقية، كما أنه يلعب دورا مهما، وكذلك بعث الأمل في النفوس، مع الحملة التي تتناول كلا من تطور النظام الدولي والشعور بالفخر الوطني لأغلبية المواطنين البريطانيين. ولحسن الحظ، فقد أدرك هذه الحقيقة براون الأسكتلندي الذي لعب دورا بارزا في تأمين عملية التصويت ضد الاستقلال.

ومن المثير للسخرية أن نلاحظ أنه من الصعب تمرير مثل هذا الخطاب في فرنسا في الوقت الحاضر، فعلى الرغم من أنها العضو الآخر الوحيد للاتحاد الأوروبي الذي يفكر بمنطق "القوة العظمى"، توجد فرنسا -خلافا للمملكة المتحدة- في خضم أزمة ثقة خطرة قد أربكت بقية دول الاتحاد الأوروبي أيضا.
وبالفعل حولت أزمة الثقة الأوروبية هذه أزمة اللاجئين الحالية إلى أزمة وجودية، وإذا فشل الاتحاد الأوروبي في استعادة السيطرة على حدوده الخارجية، فإن ذلك سوف يسبب نزاعات داخلية، مما سيهدد المشروع الأوروبي بأكمله.

وسط هذه الشكوك الواسعة، تعتبر الحركة التي قام بها براون بربط عضوية الاتحاد الأوروبي بالكبرياء الوطني حركة ثورية عمليا. لكن المنطق الذي يرتكز عليه هذا النهج بسيط.. كلما زادت سيطرة الشكوك الذاتية على الشخص، كلما زادت أهمية العودة إلى الأساسيات. فعندما نواجه تهديدات حادة وساحقة مثل الإرهاب الإسلامي والمغامرة الروسية والشعبوية الغوغائية، ستكون المبادئ والقيم الأساسية هي أفضل ملجأ، مع القليل من الحس السليم.

يجب على الأوروبيين أن يتذكروا أنهم ما زالوا يعيشون في أنظمة ديمقراطية لا تحترم فقط الحقوق الأساسية لمواطنيها، بما في ذلك الحق في التعبير، ولكن تتميز أيضا باقتصادات قوية مثل تلك التي لدى معظم البلدان المنافسة لأوروبا. وعلى الرغم أن لدى قادتهم عمل يقومون به بالتأكيد، مثل بناء مؤسسات أكثر فعالية وذات مصداقية، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال مصدر إلهام للآخرين، مثل اللاجئين الهاربين من الحرب والبؤس، وكذلك الصينيين الذين شيدوا المدن على النمط الأوروبي.

تتزامن الأزمة الأوروبية مع مرحلة صعبة عالميا. فأميركا في خضم تحول سياسي غير مؤكد، وتشهد روسيا مسلسل مراجعة تاريخية. كما تواجه أفريقيا مجموعة من التحديات التنموية، وأصبح الشرق الأوسط فضاء للفوضى والصراعات

من أجل الحفاظ على نفوذ أوروبا الدولي، ومواصلة دعمها للسلام والازدهار المستمر في جميع أنحاء المنطقة، يتعين على الاتحاد الأوروبي معالجة أزمة الثقة الحالية. وتحقيقا لهذه الغاية، تحتاج أوروبا إلى نهضة أخلاقية تجد جذورها ليس فقط في التراث الثقافي المشترك للدول الأوروبية، ولكن أيضا في القيم الديمقراطية المشتركة.

ويجب تعزيز هذه الحركة من خلال القناعة أن التكامل الأوروبي والكبرياء الوطني يعززان بعضهم البعض ولا يتنافران، إنها وجهة نظر تفترض وجود دول وطنية واثقة وقوية وفي نفس الوقت مفتخرة بتراثها الفردي كما بتراثها المشترك.

وهنا بإمكان "أم الديمقراطيات" أن تنير الطريق. ففي المناشدة الوطنية البريطانية لتعزيز دعم التكامل الأوروبي، يراهن براون على ثقة المملكة المتحدة بنفسها وبجوهرها الديمقراطي، وبأدائها الاقتصادي. على هذا الأساس فقط يمكن للبلاد أن تساهم بإرادة قوية وبشكل بناء وبدون خوف مع بقية أوروبا.

ولهذا السبب فإن الحملة ضد "الخروج من الاتحاد الأوروبي" التي تركز فقط على الآثار الاقتصادية والمالية -التي هي معقولة دون شك- لا تفي بالغرض: فهي لن تعزز الثقة البريطانية. والأسوأ من ذلك، إذا كان الفشل في النظر إلى المصالح هو بمثابة رفض مواجهة "العالم الحقيقي" سيكون إغفال جانب القيم شيء غير ديمقراطي. وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمثل هذا الأمر.

وتتزامن الأزمة الأوروبية مع مرحلة صعبة على الصعيد العالمي. فالولايات المتحدة في خضم تحول سياسي غير مؤكد بشكل كبير. وتشهد روسيا مسلسل المراجعة التاريخية. كما تواجه أفريقيا مجموعة من التحديات التنموية إلى جانب الانفجار الديمغرافي. وأصبح الشرق الأوسط فضاء للفوضى والصراعات الدموية.

وفي هذا السياق، نرى أن الشيء الأكثر وطنية والذي يمكن القيام به من قبل الناخبين البريطانيين هو مضاعفة التزامهم بتحقيق التكامل الأوروبي. نأمل أن يستطيع براون وزملاؤه إقناعهم في الوقت المناسب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.