الأمن القومي والبقعة العمياء

Female Parlamentarians from all over the world attending the Women in Parliaments (WIP) Global Forum Mexico Summit 2015, pose for a picture during the event's opening in Mexico City, Mexico, 07 October 2015. The summit, gathering female Parliamentarians from all over the world to discuss concrete steps on how to increase the number of women in decision making, runs from 07 to 09 October in Mexico City.

*آن ماري سلوتر وإليزابيث وينغارتن

رصدت إيرين سولتمان، كبيرة باحثي مكافحة التطرف في معهد الحوار الإستراتيجي، اتجاها مقلقا. فعلى مدار أشهر طويلة، تتبعت باستغراق شديد لمحات من حياة أكثر من 130 من النساء الغربيات اللائي انضممن إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقد لاحظت إيرين وفريقها أنهن كن يتجهن مباشرة إلى ليبيا بدلا من السفر عبر تركيا للوصول إلى مقر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. ولأن أدوار النساء في تنظيم داعش ترتبط في الأغلب الأعم بالإنجاب وتعزيز الوجود على الأرض، فقد تمكنت إيرين سولتمان من استنتاج السبب. فكما شرحت، "لم يكن تنظيم داعش يسعى إلى وضع قوات قتالية في ليبيا فحسب، بل وأيضا بناء دولة هناك. وقد أشرنا إلى هذه الحقيقة وأكدنا عليها قبل أن تنتبه إليها الأجهزة الأمنية".

لم تكن إيرين، عندما استثمرت الوقت والمال في التفكير حول الاختلافات بين تحركات الرجال والنساء في داعش، تسعى إلى بحث مسألة المساواة بين الجنسين؛ بل كانت تحاول التوصل إلى فهم أفضل للقضايا الأمنية القائمة.

لم توفر أغلب مآوي اللاجئين الحكومية مراحيض وحمامات مخصصة لكل من الجنسين، وهي كارثة بالنسبة للنساء القادمات من خلفية إسلامية محافظة. ولم يضع برنامج تعليم اللغة المكثف الذي ألزمت به الحكومة المهاجرين في الاعتبار عدم قدرة النساء على حضور دروسهن

وهي فِكرة راديكالية. ذلك أن وضع اختلاف أساليب التصرف أو التفكير أو الاستجابة بين الرجال والنساء في الحسبان لا يعني مجرد وضع العلامة الصحيحة سياسيا على ورقة الاقتراع. بل وقد يساعدنا هذا فعليا في صياغة سياسة أفضل ووضع أيدينا على التهديدات الناشئة.

ومع هذا، يبدو أن العديد من صناع السياسات في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم ما زالوا غير قادرين على إدراك حقيقة مفادها أن فحص سلوك النساء والرجال على حد سواء من الممكن أن يعمل على تحسين القدرة على تحليلهم وتحسين التدابير المقترحة. مؤخرا، أجرت مؤسسة نيو أميركا بحثا غير مسبوق لمعرفة ما إذا كانت البيانات والبراهين، بعد ما يقرب من العشرين عاما من البحث، قد بلورت الارتباط الحاسم بين الجنسين والأمن القومي، والذي يضعه المسؤولون الأميركيون في الاعتبار في صياغة السياسات. والإجابة المختصرة هي: أنهم لا يفعلون هذا غالبا.

الأمر أقرب إلى شخص قصير النظر يختار التخلي عن النظارات عندما يفحص مشهدا جديدا. والواقع أن تجاهل الأثر الذي تخلفه الفوارق بين الجنسين على فعالية السياسات سلوك طائش ومحفوف بالمخاطر.

وهناك دول عديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، تبدي الاحترام لهذه القضية بالأقوال فقط وليس الأفعال. فقد تبنت نحو 80 دولة خطط عمل وطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، الذي يعرض مخططا أوليا لإشراك النساء في كل جوانب السياسة الأمنية. ولكن خطط العمل لم تُتَرجم إلى دراسة فعلية لتأثيرات السياسات التي تختلف باختلاف الجنس.

تشير أبحاثنا إلى أن صناع السياسات يعتقدون أنهم يتغلبون على البقعة العمياء المرتبطة بالجنس لأن المزيد من النساء أصبحن يشاركن في صنع القرار. ويفترض أن إشراك المزيد من النساء في صنع القرار من شأنه أن يؤدي تلقائيا إلى دمج الاعتبارات المتصلة بالجنسين في السياسات.

بيد أن هذا الافتراض لم يثبت بعد. بل العكس هو الصحيح. ولنتأمل هنا السياسات التي تنتهجها ألمانيا في التعامل مع قضية اللاجئين والهجرة. فرغم أن ألمانيا لديها خطة عمل وطنية، وتحتل المرتبة الحادية عشرة على المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين (الذي يصنف الدول على مستويات المساواة بين الجنسين)، ومع أن مستشارتها سيدة قوية ولديها أول وزيرة دفاع أنثى على الإطلاق، فقد فشلت في البداية -رغم ذلك- في النظر في الكيفية التي قد تخلف بها سياساتها تأثيرات مختلفة على الرجال والنساء.

على سبيل المثال، لم توفر أغلب مآوي اللاجئين الحكومية مراحيض وحمامات مخصصة لكل من الجنسين، وهي كارثة بالنسبة للنساء القادمات من خلفية إسلامية محافظة. وعلى نحو مماثل، لم يضع برنامج تعليم اللغة المكثف الذي ألزمت به الحكومة المهاجرين في الاعتبار عدم قدرة النساء على حضور دروسهن من دون رعاية لأطفالهن. وفي نهاية المطاف، تسببت هذه الإخفاقات في جعل السياسات أقل فعالية للجميع، ومن الممكن أن تؤدي إلى عواقب أمنية طويلة الأمد بالنسبة لألمانيا.

تشير المقابلات التي أجريناها أيضا إلى أن بعض صناع السياسات ما زالوا ينظرون إلى المساواة العمياء بين الجنسين بشكل إيجابي؛ فهم يعتقدون أن عدم التفكير في التأثيرات المحتملة التي قد تخلفها السياسات على كل من الجنسين يساهم في خلق أجواء تتسم بالمزيد من المساواة بين الجنسين. ولكن عقودا من الأبحاث أثبتت أن الإدماج والمساواة ينبغي أن لا يعنيا تجاهل الفوارق بين الفئات المهمشة غير الممثلة بالقدر الكافي. قال أحد المستجيبين لشركائنا في البحث في بوليتيكو فوكاس: "إن نتائج السياسة هي ذاتها غالبا بالنسبة للرجال والنساء. عندما أستمع إلى نفسي أقول هذا أشعر بتردد شديد. فأنا لا أدري إلى أي شيء يستند هذا الاستنتاج، فهل أنا أردد شعار الشركة فحسب؟"

الواقع أن نتائج السياسات كثيرا ما تختلف باختلاف الجنس، وهو ما يرجع جزئيا إلى أنها تميل إلى عدم المساواة في توفير القدرة على الوصول إلى الفرص والموارد. ولكن صناع السياسات يتعذرون غالبا بغياب البيانات حول التأثيرات المختلفة، وخاصة البيانات التي يمكن تخطيطها ضمن أهداف الأمن الوطني.

قال أحد الأشخاص: "من الصعب أن نحلل الأشياء إلى عناصر أبسط وفقا لاختلاف التأثير بين الجنسين. ومن الواضح أن أداء منظمات حقوق الإنسان والمساعدات أفضل في هذا السياق؛ وأدوات "أمننا الوطني" ليست الأنسب. وفي كثير من الأحيان، يضطر المرء إلى قياس النجاح بطريقة سردية قصيرة عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل البيانات الخاصة بالجنسين والتعليم".

يستغل تنظيم الدولة الإسلامية بكل قوة ونشاط عدم المساواة بين الجنسين للمساعدة في التجنيد والعمليات. وفي المجتمعات التي تتعامل مع النساء باعتبارهن مواطنين من الدرجة الثانية، يجد تنظيم داعش سهولة أكبر في تجنيد النساء في ظل دعايته القائمة على تمكين أشباه النساء

بيد أن وفرة من الأبحاث تعزز الاتصال بين قضية الجنسين والأمن. وتشكل منظمات مثل (Data2X)، و(WomanStats)، و(الأمن الشامل)، مجرد قلة من كثير من المنظمات التي جعلت من إدراج هذا النوع من البيانات والبحوث التي تختلف باختلاف الجنسين في قواعد البيانات العالمية مهمتها الأساسية، بحيث توفر أدلة قاطعة وتجريبية على أن أحوال النساء ترتبط ارتباطا وثيقا بقوة الدولة، واستقرارها، ورخائها، أو فسادها، والعديد من المؤشرات الأخرى.

نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن الدول الضعيفة المزعزعة الفاسدة والفقيرة هي دول حيث مكانة المرأة متدنية. وقد يستخلص أغلب صناع السياسات استنتاجا مفاده أن تعزيز وتطهير الحكومة وتشجيع النمو الاقتصادي من شأنه أن يحسن من أحوال النساء. ولكن ماذا لو كانت الدلالات السببية تجري في الاتجاه المعاكس؟

على النقيض من صناع السياسات في بلادنا، لا ينتظر تنظيم داعش المزيد من البيانات. فهو يستغل بكل قوة ونشاط عدم المساواة بين الجنسين للمساعدة في التجنيد والعمليات. وفي المجتمعات التي تتعامل مع النساء باعتبارهن مواطنين من الدرجة الثانية، يجد تنظيم داعش سهولة أكبر في تجنيد النساء في ظل دعايته القائمة على تمكين أشباه النساء.

وبمجرد التزام المرأة فربما تصبح قادرة على تجنب الشك والمرور عبر نقاط التفتيش الأمنية بسهولة أكبر؛ ولا يزال المسؤولون الأمنيون وصناع السياسات ينظرون إلى النساء بأغلبية ساحقة باعتبارهن على وجه الحصر ضحايا للصراعات العنيفة لا يمثلن تهديدا.

ينبغي لصناع السياسات على المستوى الدولي أن يفكروا في الجنسين أيضا في الكفاح ضد تنظيم داعش، وفي مختلف سياقات الأمن الوطني والسياسة الخارجية الأخرى. من المهم بكل تأكيد أن نهيئ للمرأة الفرصة للجلوس على طاولة اتخاذ القرار. ولكن لا يقل عن هذا أهمية أن يناقش كل صناع السياسات أوضاع النساء اللائي يغبن عن طاولة اتخاذ القرار ولن يقتربن منها أبدا.
————————————
* آن ماري سلوتر رئيسة مؤسسة نيو أميركا ومديرتها التنفيذية.
* إليزابيث وينغارتن مديرة المبادرة العالمية للتكافؤ بين الجنسين، وهو مشروع تابع لمختبر حياة أفضل، حيث تحمل أيضا لقب كبيرة الزملاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.