معركة وراثة عباس.. التداعيات والاحتمالات

كومبو يجمع صورة عباس ودحلان

بازار الترشيحات
صدامات الشوارع
اليوم التالي

لم يتوقف السباق نحو الرئاسة الفلسطينية على تبادل الاتهامات بين المتوثبين للمنصب، بل أخذ هذا التنافس حد الاشتباكات الداخلية، لاسيما في الضفة الغربية، والإعلان عن اكتشاف خلية خططت لاغتيال عدد من المسئولين الفلسطينيين، بالتزامن مع زيادة في مؤشرات العنف المتوقعة، وتنامي الدور الإسرائيلي فيها.

بازار الترشيحات
أيام قليلة وينعقد المؤتمر العام السابع لحركة فتح أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وربما يكون الملف الأكثر حضورا على أجندته يتمثل بحسم الصراع على مستقبل وراثة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يشهد احتداما في التنافس والاستقطاب السياسي والأمني في الآونة الأخيرة على الأرض.

ليس سرا أن هناك رمادا يكاد يشتعل في أروقة السلطة الفلسطينية منذ سنوات عديدة، وتحديدا أواسط 2011، حول هوية الرئيس الفلسطيني القادم خلفا لعباس، الذي تجاوز أعوامه الثمانين، ويعاني الرجل من عدة مشاكل صحية، ولا تمر علاقته على ما يرام مع إسرائيل وعدد من جيرانه العرب، مما يجعل مسألة غيابه عن المشهد الفلسطيني أمرا متوقعا، سواء لأسباب طبيعية صحية أو لعوامل سياسية، ومن يدري فقد يبقى الرجل في منصبه إلى إشعار آخر، فهي السياسة صاحبة المفاجآت غير المتوقعة.

أيا كان السيناريو المتوقع لقيادة الرئاسة الفلسطينية، فإن الصراع بلغ أوجه في الأشهر الأخيرة داخل أروقة السلطة الفلسطينية، وتجلى ذلك بمسارين اثنين: سياسي وأمني.

المسار السياسي أكد أن عباس لم يعد الأب الكبير لأبناء فتح، ولا حتى الأخ الأكبر، الذين يلجؤون إليه، ويحتكمون عنده، كما كان عرفات الذي اختلف الفتحاويون معه ولم يختلفوا عليه، بل ربما يمكن القول بكثير من الثقة إن عباس بات عنصر توتير للحركة، وتقسيم لها، وتجزئة لتياراتها.

وفي ضوء ذلك، بدأت الاستقطابات الفتحاوية تخترق الحركة، وتجعلها متناثرة في ولاءاتها بين عباس وباقي خصومه في قيادة الحركة، لاسيما محمد دحلان الذي نجح في تحويل نفسه حصانا رابحا في لعبة المراهنات الإقليمية والدولية، وربما الإسرائيلية، فبتنا نشهد نقاشات عالية الصوت، حامية الوطيس، بين قيادات الصف الأول في فتح، وعلى مرأى ومسمع من وسائل الإعلام، مما مزق ما تبقى من وحدة فتحاوية داخلية، وعمل على إقصاء الأصوات الوحدوية فيها، على قلتها.

خرجت معركة وراثة عباس من الدائرة الفلسطينية إلى الدائرة العربية والإقليمية، وكأن اختيار الرئيس الفلسطيني بات قرارا عربيا أكثر من كونه فلسطينيا، حتى إن بعض التسريبات تحدثت عن ترشيحات للقادة المحتملين لقيادة السلطة الفلسطينية، بين مروان البرغوثي كرئيس محتمل، وجبريل الرجوب نائبا له، ومحمد دحلان زعيما لفتح، وسلام فياض رئيسا للحكومة، وكأن الوضع الفلسطيني تحول بازارا لمن أراد الدفع ببضاعته إلى الأمام.

صدامات الشوارع
لم يكتف الفتحاويون برسم خارطة الطريق الخاصة بهم لمن سيقودهم غدا خلفا لرئيسهم المختلفين عليه اليوم، على أن يتم حصرها في النقاش السياسي والتنافس التنظيمي، وربما الاستقواء بالخارج، بل اتخذوا من الميدان ساحة مناسبة لحسم صراعهم، واختيار زعيمهم، لاسيما في مناطق الضفة الغربية.

ولذلك فقد شهدت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، اشتباكات ضارية وصدامات دامية بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومجموعات مسلحة مناوئة لعباس، وبعضها موال لدحلان، حتى إن بعض المناطق باتت محرمة على قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، في ظل السيطرة التي تبديها تلك المجموعات على هذه المناطق.

أخطر من ذلك، ففي ظل السيطرة الإسرائيلية شبه المطلقة على الضفة الغربية، وحالة التفتيشات المتلاحقة والمطاردات المكثفة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية خلف كل سلاح تعتبره غير شرعي، لكن العالمين ببواطن الأمور في الضفة يؤكدون أن السلاح هناك منتشر، وبصورة كثيفة في بعض المناطق، لكنه لا يصل بسهولة إلى حركات المقاومة الفلسطينية التي تنفذ عمليات مسلحة ضد إسرائيل، لاسيما حماس، بل يبقى مقتصرا على المجموعات التي تخوض اشتباكات مسلحة ودامية مع السلطة الفلسطينية.. فما الذي يحدث؟

تتردد أقاويل تسندها تطورات ميدانية بشأن وجود حالة من التشظي داخل فتح وصلت تردداتها إلى إنشاء مجموعات مسلحة لكل تيار وقائد، يحاول فرض سيطرته على الأرض، تمنحه نفوذا داخليا وخارجيا إذا ما أراد فرض شروطه ومطالبه لليوم التالي لغياب عباس، وهذا بالمناسبة ليس أمرا شاذا في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنها فتح التي كانت تلجأ إلى الشارع وقتما يضيق النقاش السياسي في الغرف المغلقة.

الملفت في طور الحديث عن صدامات الشوارع، ما كشفته أجهزة الأمن الفلسطينية عن خلية مسلحة كانت تخطط لحملة اغتيالات في صفوف قادة فتح، يرأسها عميد في الأمن الفلسطيني، ولعل ما يثير الانتباه أن الأسماء الموضوعة على قائمة التصفيات ليست على قلب رجل واحد، فمنهم المؤيد لعباس والمعارض له، وهو ما قد يؤكد وجود لعبة مخابراتية تهدف لخلط الأوراق على الساحة الفلسطينية، ويجعلها مهيأة للدخول في حمام دماء، قد لا يستثني أحدا، لكنه أمر متوقع في ظل احتدام الصراع.

ورغم أن دحلان يتمتع بنفوذ فتحاوي واضح في غزة، وتبدو أسهمه في الضفة الغربية متواضعة، لاعتبارات كثيرة، ذاتية وموضوعية، لكن الرجل وصل هناك، وبات له أزلام ومريدون يأتمرون بأمره، ويعتاشون من ماله، ويتحينون لحظة الصفر للتمكين له في مقر المقاطعة، حيث الرئاسة الفلسطينية.

في المقابل، تبرز أسئلة كثيرة حول مدى الدور الذي تلعبه إسرائيل في الصراع المحتدم على مستقبل الرئاسة الفلسطينية، بين من يقول إنها طوت صفحة عباس إلى الأبد، وقائل إنها تحاول ابتزازه أكثر فأكثر، لكنها باقية عليه، وثالث يرى أنها في طور المفاضلة بين من سيخلفه، ومن سيكون أكثرهم تقديما للخدمات لها، أو في أحسن الأحوال أقلهم "سوءا" بالنسبة لها.

اليوم التالي
بعيدا عن التوقعات الاستثنائية والأحداث المفاجئة، فإن عباس في الربع الأخير من عهده السياسي، وربما الحياتي، مما يعني بالضرورة أن الوضع الفلسطيني مقبل على تغييرات جوهرية في تركيبة وهيكلية نظامه السياسي، صحيح أن الأمر يتعلق بشخص الرئيس، لكن المنظومة الحاكمة في الأراضي الفلسطينية اختزلت كل شيء في شخصه، مما قد يبدي حالة التنافس والاستقطاب مشروعة لولا أنها تجري في أجواء مسمومة وغير صحية.

الملاحظ لطبيعة التنافس الدائر على منصب الرئاسة الفلسطينية يرى بما لا تخطئ عينه أن الحديث يدور عن سباق فتحاوي داخلي، لا علاقة لباقي الفصائل فيه، مع أن الأمر يدور حول رئيس فلسطيني، يمثل الفلسطينيين، وليس زعيما تنظيميا حزبيا خاصا بفتح، وهذه نقطة البداية الخاطئة في السلوك الدائر حاليا في الضفة الغربية.

ربما لا ينبغي تجاوز وإقصاء القوى الفلسطينية الفاعلة على الساحة في مسألة حساسة كمنصب الرئيس، ورغم أن القانون الأساسي الفلسطيني يمنح رئيس المجلس التشريعي رئاسة مؤقتة في حال غاب الرئيس لمدة ستين يوما إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية، لكن الوضع القانوني الفلسطيني مجير لصالح الاعتبارات السياسية، ومع أن ذلك أمر غير صحي، لكن العادة جرت هكذا.

ولذلك تبدو الإشارة ضرورية إلى أهمية وجود تشاور فلسطيني جماعي حول مستقبل الوضع في الأراضي الفلسطينية، تحسبا لسيناريو واقعي جدا يتمثل بأن يستيقظ الفلسطينيون على نبأ يفيد بوفاة أو استقالة عباس، حينها لابد أن تكون الإجابات واضحة، والخيارات ماثلة، وإلا فسنكون أمام سيناريوهات صعبة قاتمة، لاسيما في الضفة الغربية، في ظل خروج الأمر عن السيطرة الفلسطينية، وتدخل الأيادي الخارجية بصورة فظة وسافرة.

صحيح أن القادة الفتحاويين المتنافسين على منصب الرئاسة يقومون منذ الآن بحملة تجييش غير مسبوقة ضد بعضهم البعض، وكل منهم يشيع أنه أفضل من الآخر، لكن ذلك يتطلب منهم بالضرورة -وطنيا وأخلاقيا ومصلحيا- الاستماع لصوت العقل، وتحكيم المنطق، بعيدا عن لغة الشحن العاطفي والتحشيد الأمني والاستقواء بالخارج، بحيث يتمكن الفلسطينيون من عبور هذه المرحلة بأقل قدر من الخسائر، على اعتبار أن الحديث عن مرحلة المكاسب فات منذ زمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.