عن قانون جاستا

ترويج- في العمق- لماذا صوت الكونغرس على قانون جاستا؟

أثار ما عُرف بقانون جاستا (Justice Against Sponsors of Terrorism Act) والذي ترجم بـ"قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، جدلا قانونيا وسياسيا ما زال مستمرا، ومن أبرز الإشكالات القانونية والسياسية التي أثارها:

أولا: حول قانونية القانون، خصوصا وأنه تجاوز على قواعد قانونية دولية، تتعلق بمبادئ السيادة.
وثانيا: حول الإجراء الذي اتخذه الكونغرس الأميركي بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، برفض فيتو الرئيس أوباما، وهو بحد ذاته إجراء يمثل سابقة خطيرة في السُّلم القانوني الأميركي.

وثالثا: حول التداعيات التي سيتركها على علاقة الولايات المتحدة مع بعض الدول التي يمكن أن تتهم برعاية الإرهاب، وهي صديقة لواشنطن، الأمر الذي سيعكر العلاقات فيما بينها ويضعف الثقة الضرورية لإرسائها وتطويرها.

ورابعا: تأثيره على الولايات المتحدة نفسها، التي يمكن ملاحقة جنودها ودبلوماسييها وشركائها لاتهامهم الضلوع بالإرهاب، وهو ما حذر منه الرئيس أوباما.

 

 

صحيح أن القانون لم يذكر دولة بعينها، ولكنه يصنف بعض الدول الحليفة لواشنطن كدول راعية للإرهاب، الأمر الذي سيثير ارتباكا ليس على صعيد علاقة واشنطن بهذه الدول، بل على صعيد العلاقات الدولية، خصوصا وأنه يتجاوز على قاعدة راسخة من العلاقات الدولية، تتعلق بالحصانة السيادية للدول، وذلك بحد ذاته سيشيع الفوضى القانونية، لا سيما إذا شُرعت قوانين مماثلة لقانون جاستا من الدول المتضررة أو التي يمكن أن تتضرر، كما فعلت في وقت سابق كوبا وإيران، حيث أقيمت مئات الدعاوى القضائية ضد الولايات المتحدة، لأنها هي الأخرى أقامت الدعاوى عبر مواطنيها على الدولتين، وهناك مطالبات بمليارات الدولارات بالتعويض من الجهتين.

وقد سمح القانون لعائلات قتلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 بمقاضاة دول ينتمي إليها المهاجمون، الأمر الذي يعني أن دولة مثل المملكة العربية السعودية ستكون أول المقصودين، لا سيما وأن 15 من المهاجمين الذين بلغ عددهم 19 كانوا ينتمون إليها، على الرغم من أن قضايا عدة رفعت ضدها، لكنه لم يثبت تورطها بموجب الأحكام التي أصدرتها المحاكم الأميركية ذاتها.. فماذا سيعني ذلك؟ وكيف يمكن النظر إليه من زاوية المستقبل؟

حسب القوانين الأميركية، فإن سابقة واحدة تكفي أن تدرج إلى جانب 100 أو 200 أو حتى 1000 أو 2000 قضية صدر الحكم فيها بالبراءة، وستشكل هذه السابقة التي ستنضم إلى السوابق الأخرى سلبا أو إيجابا، جزءا من خلفيات الحكم الذي يتطلب من القاضي أخذها بعين الاعتبار في أي قضية.

وكان تقرير أميركي قد صدر عن لجنة التحقيق العام 2004 يقضي بعدم مسؤولية المملكة العربية السعودية، لكن جزءا منه ظل سريا، وقد تم رفع السرية عنه مؤخرا في يوليو/تموز العام الجاري 2016، ويتعلق هذا الجزء باحتمال أن يكون منفذو الهجمات، ربما حصلوا على مساعدة من بعض المسؤولين السعوديين. وهو ما يمكن استثماره اليوم كنقطة انطلاق لإقامة دعاوى جديدة كيدية لابتزاز المملكة والضغط عليها لدفع التعويضات.

وبالفعل، فما إن أصبح قانون جاستا نافذا حتى أقامت السيدة ستيفاني روس دي سيموني، أرملة أحد ضحايا هجمات سبتمبر/أيلول الإرهابية دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية، زعمت فيها أن المملكة قدمت دعما ماديا لتنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، كما جاءت دعواها نيابة عن ابنتها، حيث كانت حاملا بها عندما لقي زوجها الضابط البحري باتريك دون حتفه في هجمات سبتمبر/أيلول العام 2001.

ويسمح القانون بالنظر في قضايا تتعلق بـ"مطالبات ضد أي دولة أجنبية، فيما يخص الإصابات أو القتل أو الأضرار التي تحدث داخل الولايات المتحدة، نتيجة عمل إرهابي يرتكب في أي مكان من قبل دولة أو مسؤول أجنبي". وعلى أساس ذلك، يمكن رفع دعوى مدنية ضد أي دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي في القضايا المذكورة والناجمة عن الإرهاب الدولي، حيث يخول قانون جاستا المحاكم الفيدرالية بممارسة الولاية القضائية الشخصية وفرض محاسبة لأي شخص يرتكب مثل هذه الأفعال أو يقدم المساعدة أو يحرض أو يشرع في ارتكاب أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي ضد أي مواطن أميركي".

وفي مسألة محاسبة الدول الأجنبية نص القانون على ما يأتي: "لا يجوز لدولة أجنبية أن تكون بمأمن من اختصاص المحاكم الأميركية في قضية من القضايا التي تطالب بتعويضات مالية ضد دولة أجنبية جراء إصابات جسدية لشخص أو ممتلكات أو حوادث قتل تحدث في الولايات المتحدة". وهكذا اعتبرت واشنطن دول العالم أجمع ولايات تابعة لها، وتصرفت من موقع الهيمنة وكأنها السيد بلا منازع، لا سيما بإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي الدول ككيانات من القضايا المدنية أو الجنائية، وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة التي تقوم على احترام المساواة في السيادة والحقوق.

ولهذا فإن قانون جاستا يعتبر سابقة في تاريخ العلاقات الدولية، وخرقا لاتفاقية "فيينا" حول قانون المعاهدات لعام 1969، ولاتفاقيتي "فيينا" حول العلاقات الدبلوماسية لعام 1961 والعلاقات القنصلية لعام 1963 التي لا تجيز لأي محاكم أجنبية مقاضاة دولة أخرى، الأمر الذي يضع القانون في مخالفة صريحة للقانون الدولي، ناهيك عن تعارضه الصارخ مع اتفاقية الولايات المتحدة الموقعة مع الأمم المتحدة بخصوص حصانة الدول وممتلكاتها لعام 2004، وهي استمرار لاتفاقيات سابقة بهذا الخصوص.

جدير بالذكر أن قانون جاستا يتجاوز أيضا على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، التي تحرم امتداد الجريمة لغير فاعلها، فالجريمة والعقوبة شخصية لمن ارتكب الفعل المخالف للقانون، ولا يحق طبقا لذلك تحميل الدولة ككيان المسؤولية الجنائية، تحت ذريعة أن أحد مواطنيها ارتكب جرما ما، ولذلك يمكن الدفع بعدم الاختصاص القضائي للمحاكم الأميركية استنادا إلى تعارض قانون جاستا مع قواعد القانون الدولي واتفاقية "فيينا" حول الحصانة السيادية التي وقعت عليها الولايات المتحدة نفسها.

أعتقد أن صدور قانون جاستا جاء تحت ضغوط سياسية وإعلامية ومالية لجهات ولوبيات متنفذة داخل الولايات المتحدة، فلا صياغته القانونية جاءت سليمة ولا الإجراءات التي اعتمدها جاءت سليمة أيضا، وهو أقرب إلى تدبير أو إجراء سياسي هدفه الابتزاز والتسيد، وهو بعيد عن روح العدالة وجوهرها التي وضعت في عنوان القانون.

وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فضلا عن الدول المتضررة أن تقول رأيها فيه، وأن تتخذ الإجراءات المناسبة للتعامل بالمثل، بما يعيد التوازن لنظام العلاقات الدولية ومبادئ السيادة، وهو ما دعا الاتحاد الأوروبي لرفض القانون واعتباره مخالفا لمبادئ الأمم المتحدة ومبادئ المساواة، وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف قد قال خلال زيارته لأنقرة إن الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان.. لكن المهم أن نحصن أنفسنا قدر الإمكان.

ويستوجب الأمر وقفة جدية للمراجعة ولوضع حلول ومعالجات من شأنها إبطال مفعول هذا القانون الجائر الذي أخذ بعض أعضاء الكونغرس يتنصلون منه، إضافة إلى الإدارة الأميركية، وهناك دعوات لإلغائه أو إعادة النظر ببعض فقراته أو تحجيمه أو تقليص نطاقه القانوني، لكن ذلك لن يتم -ولا سيما إلغاؤه- دون ضغط دولي واسع تساهم فيه منظمات المجتمع المدني، وأوله ينبغي أن يكون ضغطا عربيا وإسلاميا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.