اللجنة الرباعية للسلام في أفغانستان وباكستان

Former Taliban militants surrender their weapons during a reconciliation ceremony in Ghorian district of Herat, Afghanistan, 18 January 2015. A group of ten former Taliban militants on 18 January laid down their arms in Herat and joined the peace process. Under an amnesty launched by the former President Hamid Karzai and backed by the US in November 2004, hundreds of anti-government militants have so far surrendered to government.

أميركا والصين لضمان القرارات
الملامح الأساسية للاتفاقية المزمعة
اتهامات ضد طالبان
السلام في خطين متوازيين

أنهت اللجنة الرباعية لمحادثات السلام في أفغانستان اجتماعها في إسلام آباد يوم 11 يناير/كانون الثاني 2016، على أمل أن تستأنف عملها خلال هذا الأسبوع للوصول إلى رسم خارطة طريق للسلام في أفغانستان. وكانت اللجنة المذكورة تشكلت من ممثلي الولايات المتحدة الأميركية والصين وباكستان وأفغانستان بعد محادثات بين الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني ورئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف بعد مؤتمر "قلب آسيا" في إسلام آباد يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2015.

وكان الهدف من تشكيلها رسم خارطة الطريق للمحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، كما أن جدول أعمالها يتضمن تسوية مشكلة الحكومة الباكستانية مع حركة طالبان باكستان التي يتواجد مقاتلوها في الأراضي الأفغانية على الحدود الأفغانية الباكستانية.

أميركا والصين لضمان القرارات
لما فشلت محادثات السلام المباشرة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في مدينة "مري" الباكستانية، عقب إعلان وفاة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان في يوليو/تموز 2015 -مثل جميع المحاولات السابقة التي أجريت بوساطات باكستانية- وظنت الحكومة الأفغانية أنها كانت تخدع باسم الملا محمد عمر منذ سنوات؛ بدأت الجهات الأفغانية المختلفة تتساءل عن جدوى الاستمرار في المحادثات بالوساطات الباكستانية من غير وجود ضمانات لتنفيذ الوعود التي تتعهد بها الحكومة الباكستانية.

طالبت الحكومة الأفغانية بتشكيل لجنة رباعية تشمل -إلى جانب ممثلي أفغانستان وباكستان- مندوبين من أميركا والصين، كجهات تضمن تطبيق ما يتوصل إليه من قرارات

ومن هنا طالبت الحكومة الأفغانية بتشكيل لجنة رباعية تشتمل -إلى جانب ممثلي أفغانستان وباكستان- على مندوبين من الولايات المتحدة الأميركية والصين، كجهات تضمن تطبيق ما يتوصل إليه من قرارات خلال اجتماعاتها. وأكدت الحكومة الأفغانية على تشكيل اللجنة المذكورة لئلا تكون قرارات هذا الدور من المحادثات حبرا على ورق مثل القرارات والوعود الباكستانية السابقة حسب وجهة نظر الحكومة الأفغانية؛ وذلك لأن الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية من الدول المؤثرة جدا على باكستان.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الحكومة الصينية -على خلاف سياستها السابقة- بدأت تهتم بالقضية الأفغانية، وخاصة بعد أن استضافت المفاوضين من الحكومة الأفغانية وحركة طالبان خلال السنة الماضية، ويبدو أن سبب هذا الاهتمام يرجع إلى مخاوف تشعر بها القيادة الصينية من نقل فوضى الحرب إلى منطقة تركستان الشرقية المتاخمة للحدود الأفغانية من قبل القوى العالمية المنافسة للصين اقتصاديا.

ويبدو أن مشاركة الصين في رسم خارطة الطريق قد تكون مشجعة لحركة طالبان أيضا، حيث تنظر طالبان إلى الصين كدولة محايدة، لأنها لم تشارك في الهجوم الأميركي على الإرهاب المزعوم الذي أسقط حكومتها عام 2001.

الملامح الأساسية للاتفاقية المزمعة
مع أن المؤتمرين لم يتوصلوا إلى تفاصيل في رسم خارطة الطريق لمحادثات السلام في أفغانستان، وتم تأجيلها إلى اجتماع آخر سيعقد في كابل هذا الأسبوع؛ فإن الذي يبدو من تصريحات بعض المسؤولين أن الاتفاقية المزمعة ستشتمل على النقاط التالية:

أولا: المحادثات مع من يؤمن بعملية الصلح ويرغب في المصالحة، وتركز الحكومة الأفغانية على هذه النقطة لتعميق هوة الخلاف بين المجموعات المتنازعة في أوساط حركة طالبان؛ حيث إن حركة طالبان قد تعرضت لعدة تصدعات بعد الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر زعيم الحركة، وظهرت فيها عدة مجموعات، والتنافس بين هذه المجموعات سيجبرها على المبادرة للمحادثات مع الحكومة الأفغانية، لئلا تتأخر كل مجموعة عن أختها في الوصول إلى كعكة المكاسب المادية.

ولما كانت حركة طالبان موحدة في حياة زعيمها لم تكن تواجه مثل هذه الظروف، لكن ظروف التنازع الحالية لحركة طالبان قد تستخدمها الحكومة لتضليل الشعب الأفغاني؛ فإنها قد توقع اتفاقية الصلح باسم حركة طالبان مع مجموعة لا تمثل المعارضة المسلحة، وهذا سيؤدي إلى فشل جهود المصالحة الحقيقية، وخاصة إذا كانت تلك المجموعة صغيرة الحجم قليلة التأثير فإنها ستسد الطريق على المجموعات الكبيرة النشطة في الساحة العسكرية باسم حركة طالبان.

ثانيا: مطالبة الحكومة الباكستانية بالاستفادة من تأثيرها على مختلف المجموعات في حركة طالبان لكي تمارس الضغط عليها للانضمام لعملية المصالحة، ومن لا تستجيب لذلك تضيق عليها وتمنعها من ممارسة أي نشاط عسكري أو سياسي على أراضيها موجه ضد الحكومة الأفغانية.

وتتوقع الحكومة الأفغانية أن باكستان ستلتزم بهذه القرارات إذا تعهدت بها مع الضمانات التي ستقدمها أميركا والصين، وبذلك تكون هذه الاتفاقية مختلفة عن أخواتها السابقة، وذلك لأن الحكومة الأفغانية تعتقد أن باكستان وراء كل المشاكل ووراء كل العمليات العسكرية والاضطرابات في أفغانستان، وأن مفتاح حل القضية الأفغانية بيدها، وقد صرح بذلك الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني أكثر من مرة، وعندما قال: إننا في حرب غير معلنة مع باكستان.

حسب الاتفاقية المزمعة، ستطلب الحكومة الباكستانية من نظيرتها الأفغانية أن لا تسمح للمجموعات المسلحة التابعة لحركة طالبان باكستان -المتواجدة داخل الأراضي الأفغانية- أن تقوم بالعمليات العسكرية ضد جيشها

ثالثا: في مقابل ذلك ستطلب الحكومة الباكستانية من نظيرتها الأفغانية أن لا تسمح للمجموعات المسلحة التابعة لحركة طالبان باكستان، المتواجدة داخل الأراضي الأفغانية الخاضعة لسيطرة حركة طالبان، أن تقوم بالعمليات العسكرية ضد الجيش الباكستاني.

رابعا: وإذا لم تستجب أية مجموعة من المعارضة المسلحة للضغوط السياسية والسلمية ولم تنضم لعملية السلام، ستحاربها عسكريا كل دولة داخل أراضيها، وتمنعها بالقوة من ممارسة أي نشاط.

وسيتم من خلال رسم خارطة الطريق تحديد بعض الخطوات العملية لبدء عملية التفاوض، وتحديد المواعيد لإجراء وتنفيذ الخطوات المتفق عليها.

فكرة المحادثات الحالية -وكذلك المحادثات السابقة التي جرت للمصالحة في أفغانستان- تقوم على الزعم أن الجهات الاستخبارية الباكستانية مسيطرة على حركة طالبان، وأنها صاحبة القرار فيها، وأنها تدار من قبلها عن طريق جهاز التحكم عن بعد، وفي نفس الوقت تشتكي الحكومة الأفغانية أن باكستان ليست مخلصة وأنها تستخدم طالبان ضدها كورقة ضغط.

اتهامات ضد طالبان
وقد ترتب على هذا اللون من التفكير عدة نتائج سيئة، منها:
أولا: يؤدي ذلك إلى إغراق حركة طالبان في مزيد من التبعية لباكستان، ويؤدي كذلك إلى إفشال محاولات حركة طالبان للاستقلالية في قراراتها، فإن حركة طالبان لما فتحت لها مكتبا سياسيا في الدوحة كان أحد أهم بواعثه الحصول على الاستقلالية في القرارات، والخروج من دائرة التأثير الباكستاني، وقد حاولت الحكومة الباكستانية بكل الوسائل والحيل أن تحول دون ذلك لكنها لم تنجح. فعندما تحاول الحكومة الأفغانية أن تتحدث مع باكستان بدل التفاهم المباشر مع حركة طالبان فإن هذا يقوي دور باكستان، ويجبر حركة طالبان أن تعود مجددا للخضوع لضغوط الجهات الباكستانية وتأثيرها.

ثانيا: عندما يقوى دور باكستان في القضية الأفغانية، وعندما توقن الحكومة الأفغانية أن مفتاح حل القضية الأفغانية بيدها، فهذا سيشجع الحكومة الباكستانية أن تطالب الحكومة الأفغانية بالمزيد من التنازلات، وقد تكون بعض تلك المطالبات مما لا يمكن للحكومة الحالية الوصول إلى حل بخصوصها، مثل قضية "خط ديوراند" الحدودي وغيرها.

ثالثا: قد يجبر ذلك حركة طالبان على رفض مثل هذه المحاولات للمصالحة؛ لأن قبول الوصاية الباكستانية سيعمق فكرة عمالة حركة طالبان للجهات الباكستانية، بينما ترفض حركة طالبان أن تعتبر عميلة لجهة ما، وكل ما يلصق بها عار العمالة تاريخيا يبدو أنها لن تقبله بسهولة، ومن هنا ستعتبر حركة طالبان ذلك وسيلة لتشويه سمعتها.

السلام في خطين متوازيين
من هنا يبدو أن الطريق الأسهل للوصول إلى السلام في أفغانستان هو التقدم نحوه في خطين متوازيين؛ الخط الأول هو خط التعامل المباشر من قبل الحكومة الأفغانية مع أقوى مجموعة في حركة طالبان عن طريق مكتبها في الدوحة، وتكون الخطوة الأولى في هذا الطريق هي إعادة الثقة بين الطرفين، والتطمين بأن محادثات السلام لن تستغل من قبل أي طرف لخداع طرف آخر.

الطريق الأسهل للوصول إلى السلام في أفغانستان هو التقدم في خطين متوازيين: الأول هو التعامل المباشر من قبل الحكومة الأفغانية مع أقوى مجموعة في حركة طالبان، والثاني هو المحادثات الجادة مع كل القوى العالمية والإقليمية

ثم تلي ذلك المحادثات الثنائية التفصيلية حول جميع القضايا الخلافية والوصول إلى حل حولها، ويمكن أن تبقى هذه المحادثات هادئة وبعيدة عن أنظار الإعلام، وتكون كذلك بعيدة عن التلاعب السياسي، وعندما يتم التعامل المباشر مع المعارضة المسلحة بهذه الصورة فإن هذا سيفوت الفرصة على القوى الدولية والإقليمية أن تستخدم حركة طالبان كورقة ضغط ضد الحكومة الأفغانية.

والخط الثاني هو المحادثات الجادة مع كل القوى العالمية والإقليمية التي تريد أن تجعل أفغانستان ميدانا لحربها مع منافسيها، والقوى التي تبحث عن مصالحها في أفغانستان، فإن دور هذه القوى لا يمكن أن يتجاهل في التمويل والتموين والتسليح وتسهيل الأمور وتهيئة فرص استمرار الحرب في أفغانستان.

وفي هذا الصدد يجب أن تؤكد الحكومة الأفغانية عن طريق دبلوماسية نشطة على أن أفغانستان ليست مع دولة ضد أخرى، وأن تختار سياسة الحياد التام، لئلا تجر إلى داخل أفغانستان المشاكل الداخلية بين السعودية وإيران، ولا المشاكل الداخلية بين الهند وباكستان، ويجب كذلك أن تبتعد عن الخلافات بين أميركا وروسيا.

لكن مع كل ما سبق يعتبر دور طرفي الصراع الأفغاني (الحكومة وحركة طالبان) محوريا في إنهاء الصراع، ومن هنا فما لم تتوافر النية الصادقة لدى طرفي الصراع في أفغانستان لإنهاء المشكلة، لا يمكن الوصول إلى نتائج إيجابية بخصوص المصالحة في أفغانستان مهما تشكلت اللجان وبذلت الجهود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.